الرئيسية / مقالات رأي / العراق.. المبادرات تتعدد والحلول غائبة

العراق.. المبادرات تتعدد والحلول غائبة

بقلم: إياد العنبر – الحرة

الشرق اليوم– بعد خرق الدستور وتجاوز المدد المحددة لانتخاب رئيس الجمهورية، وتجاهل قرارات المحكمة الاتحادية العليا، باتت الأبصارُ شاخصةً نحو المبادرات التي تطلقها زعامات أو قوى سياسية! لعلّها تحمل حَلاً لتجاوز عقبة الثلث المعطّل، والبدء بتشكيل حكومة جديدة بعد مضيّ سبعة أشهر على الانتخابات. 

ثلاث مبادرات أطلقت في أيام متقاربة، مبادرة أطلقها السيد عمار الحكيم، وهو المعروف بكثرة طرحه لِلمبادرات، لم تحمل شيئا جديدا، بل كانت تكراراً ودعوة لِضرورة الحفاظ على حق المكوّن الشيعي بتسمية رئيس مجلس الوزراء. ومبادرة أطلقها السيد مقتدى الصدر، وأخرى طرحتها قوى “الإطار التنسيقي”، والجديد في هاتين المبادرتَين هو محاولة استقطاب المستقلين مِن أعضاء مجلس النواب. 

المستقلون باتوا رهان قوى الثلث المعطّل لتعزيز موقفهم والضغط على خصومهم لحد اليأس من تمرير مرشحهم لرئاسة الجمهورية. وفي المقابل يراهن عليهم تحالف “إنقاذ وطن” لِلمضي في تشكيل حكومة الأغلبية. ولذلك كانت مبادرتا الإطار التنسيقي والسيد مقتدى الصدر محاولة لإغرائهم بأن يكونوا هم مَن يشكل الحكومة القادمة، وفق اشتراطات حددها الصدر بتنظيم صفوفهم والانضمام إلى تحالف الأغلبية وذلك خلال 15 يوماً. أما الإطار التنسيقي فاشترط أن يكون مرشح المستقلين لرئاسة الحكومة الجديدة ضمن استحقاق المكون الشيعي. 

وبعد أن اختلطت الأوراق وأصبح من الصعب التمييز بين النائب المستقل الحقيقي، وبين آخر عنوانه مستقل، لكنه ينتمي إلى هذا الحزب أو ذلك الكيان السياسي، يبدو أن الكثير مِن المواقف السياسية باتت هي الكاشفة لحقيقة استقلالية النائب من عدمها. ومن ثمَّ، أصبح عدد النواب المستقلين حقيقاً وليس وصفاً فقط، لا يتجاوز عدد أصابع اليد. أما البقية فيمكن وصفهم بالكثبان الرملية، إذ تجدهم يوماً هنا، وفي يوم آخر تجدهم هناك! ولذلك يبدو أن هذه الطبقة السياسية نجحت في تشويه كلّ العناوين التي يمكن المراهنة عليها لتصحيح مسار النظام السياسي، أو يمكن أن تشكّل بصيص أمل لإصلاحه. فبعد أن جرى تسقيط عنوان التكنوقراط بعد مشاركتهم في حكومات فاشلة وصفقات فساد، نشهد اليوم محاولة تسقيط تجربة النواب المستقلين، بعد أن كان الرهان عليهم لِكسر شوكة أحزاب السلطة التقليدية وإضعاف هيمنتها في انتخابات تشرين 2021. 

وبالعودة إلى مضمون المبادرات، فرغم تعددها، لا تقدّم حلاً! لأنها تراوح مكانها وتنطلق من مواقف متصلبة أكثر من كونها تعبّر عن مرونة تقودنا إلى تسويات سياسية قادرة على حل مأزق التجاوز على الدستور وعجز النظام السياسي عن احتواء التناقضات بين الفرقاء السياسيين. فمبادرة الإطار التنسيقي لا تتجاوز محاولة الردّ على دعوة مقتدى الصدر لتشكيل الحكومة مِن دون الصدريين! أما مبادرات الصدر فغايتها إحراج خصومه بالإطار التنسيقي وإثبات عجزهم عن تشكيل حكومة وعدم قدرتهم على تقديم خطوة للأمام أكثر مِن البقاء ضمن الثلث المعطّل. 

المشكلة في العراق أكبر مِن مبادرات تطلقها أطراف سياسية هي أصل المشكلة وأساسها. ولذلك لا يمكن أن نتوقع حلاً لِلمأزق السياسي الذي يتكرر مع كل انتخابات، وربما يكون ما بعد انتخابات 2021 هو الأكثر تعقيداً، من القوى التي لا تريد التفكير خارج معادلتَي: الاستئثار بالحكم، والمشاركة في مغانم السلطة مِن دون تحمل مسؤوليتها.

البقاء ضمن دوائر التفكير السياسي بالمصالح الخاصة وكيفية ضمانها وتوسيع مكاسبها، لا يمكن أن ينتج حلاً لانسداد سياسي يعد نتيجة حتمية لِفشل النخب الحاكمة في إنتاج حكومات قادرة على إدارة الدولة، وليس منظومة حكم تخضع لمزاجات الزعامات السياسية، وتنحصر مهمتها في إدارة الصفقات السياسية والمحافظة على مكاسب السلطة والنفوذ. 

ومبادرات تحمل شعارات رنانة، وعناوين مستهلَكة تتحدّث بلغةٍ بعيدة عن مطالب الجمهور، قطعاً لا يمكنها أن تحمل بصيص أمل نحو حلّ الأزمة السياسية. فالمأزق السياسي الراهن لا يمكن اختزاله من قبل أطراف سياسية بالحفاظ على حق المكون أو الإبقاء على التوافقية؛ لأنها باتت عرفاً سياسياً لا يمكن تجاوزه الآن! وإنما هو نتيجة لعقليةٍ سياسية عاجزة عن التعلّم مِن الأخطاء، ولا تعرف معنى المراجعة والمحاسبة، وتتعامل مع الجمهور كزبائن سياسيين يخضعون لإرادة الزعيم السياسي. 

ويخطئ مَن يظن أن مبادرة سياسية يمكن لها أن تحل الأزمة الراهنة، وهي تنطلق من رؤيةٍ قاصرة عن تشخيص مكامن الخلل في العملية السياسية، وتحمل في طياتها رغبة في كسر الإرادات، أو الإبقاء على معادلة الحكم كما كانت قبل انتخابات تشرين 2021. 

الفرقاء السياسيون اليوم أمام اختبار حقيقي لقدرتهم على تعلّم التسويات السياسية، فالأزمة السياسية لم تعد تنحصر بين مَن يريد تشكيل حكومة على أساس الأغلبية، ومَن يريد الإبقاء على التوافقية في تشكيلها. وإنّما هي أزمة البحث عن حلول قادرة على تجاوز الفشل والعجز والفساد في منظومة الحكم. ولذلك فالتفكير بمبادرات لِلحل، يجب أن تبدأ من إدراك الحل الذي يبدأ مِن استئصال الأورام الخبيثة في جسد النظام السياسي وليس معالجتها بمهدئات ومسكنات لِلألم. 

وما يتوقَّع مِن المبادرات السياسية الناجعة هو أن تكون منطلِقة مِن أفق سياسي يحاول ترسيخ مبدأ التسويات في حل الأزمات، ومن ثمَّ يجب تشخيص مكامن الخلل الرئيس وليس التجاوز عليها والحديث مباشرة عن النتائج من دون تحديد الأسباب الرئيسة للأزمة. ولذلك لا حلول في الأفق السياسي من دون أن يكون هناك اتفاق على أن المشكلة في الحكومات تتشكل من أجل تقاسم مغانم السلطة، ودستور لا أحد يلتزم بتوقيتاته، وانتخابات تعجز في إبعاد زعامات سياسية فشلت في إدارة الحكم.

والمبادرة التي يمكن التعويل عليها لِلحل، يجب أن تقوم على ثلاث ركائز رئيسة، أولها الاتفاق على تشكيل حكومة قوية تراعي الاستحقاقات الانتخابية وليس المجاملات السياسية لمن خسر مقاعدَه ويتبجّح بنفوذه السياسي، وحكومة لا تكون شخصياتها تشابه شخصيات مسرح الدّمى، خيوطها بيد زعماء الأحزاب والكتل السياسية. وثانيها، الاتفاق على تعديل الدستور بتوقيتات زمنية محددة تكون أولياته تجاوز عقبات تشكيل الحكومة. وثالثها، تعديل نظام الحكم إلى نظام شبه رئاسي، وهذا بات واجباً وليس مستحبّاً.

شاهد أيضاً

روسيا التي لا تساند أحداً… علاقة غير عادلة مع إيران

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم– في مقالته في صحيفة “وول ستريت جورنال” …