الرئيسية / مقالات رأي / The New York Times: انهيار العملات المشفرة .. وأزمة القروض العقارية

The New York Times: انهيار العملات المشفرة .. وأزمة القروض العقارية

By: Paul Krugman

الشرق اليوم – إذا كانت سوق الأوراق المالية ليست هي الاقتصاد – وهي بكل تأكيد ليست الاقتصاد – فإن العملات المشفرة مثل البيتكوين ليست هي الاقتصاد حقاً. ومع ذلك، أصبحت العملات المشفرة فئة أصول كبيرة جداً (وحققت مكاسب مالية ضخمة للكثير من المشترين)؛ فبحلول الخريف الماضي، بلغت القيمة السوقية للعملات المشفرة 3 تريليونات دولار تقريباً.

غير أنه منذ ذلك الحين، انهارت الأسعار وقضت على قرابة 1.3 تريليون دولار من رسملة السوق. واعتباراً من صباح الخميس الماضي، انخفض سعر البيتكوين إلى نصف المستوى الذي كان عليه في نوفمبر 2021. ولكن، من هم المتضررون من هذا الانهيار، وما الذي قد يتسبب فيه للاقتصاد؟

الواقع أنني أرى أوجهاً شبه مزعجة مع أزمة القروض العقارية عالية المخاطر التي حدثت في عقد الألفينات. كلاَّ، إن العملات المشفرة لا تهدد النظام المالي؛ فالأرقام ليست كبيرة بما يكفي حتى تشكّل تهديداً له.

ولكن هناك أدلة متزايدة على أن مخاطر العملات المشفرة أخذت تسقط على أشخاص لا يعرفون العالم الذي يدخلونه ويوجدون في وضع سيء لا يؤهلهم للتعاطي مع جانبها السلبي. ولكن، ما قصة هذه العملات المشفرة؟ هناك عدة طرق للقيام بالدفع الرقمي، من «آبل باي» و«غوغل باي» إلى «فينمو»؛ غير أن أنظمة الدفع المعروفة تعتمد على طرف ثالث – هو بنكك في العادة – للتحقق من أنك تمتلك بالفعل الأصول التي تريد تحويلها. وتستخدم العملات المشفرة تشفيراً معقداً للاستغناء عن الحاجة إلى هذه الأطراف الأخرى.

المتشككون يتساءلون لماذا يُعد هذا ضرورياً، ويحاججون بأن العملة المشفرة هي في النهاية طريقة باهظة وخرقاء للقيام بأشياء كان يمكنك القيام بها بسهولة أكبر بطرق أخرى؛ وهذا ما يفسّر لماذا ما زالت لدى العملات المشفرة تطبيقات قانونية قليلة جدا رغم مرور 13 عاماً على إدخال البيتكوين. والتطورات الأخيرة في السلفادور، التي تبنت البيتكوين كعملة قانونية قبل بضعة أشهر، يبدو أنها تدعم المتشككين: فقد حاول السكان هناك استخدام العملة فوجدوا أنفسهم إزاء رسوم معاملة ضخمة، غير أن العملة المشفرة سُوِّقت بشكل فعال: إذ تمكنت من أن تبدو مستقبلية، وأن تروق للمتخوفين من أن تُضعف الحكومة مدخراتهم بسبب التضخم؛ وجذبت المكاسبُ السابقة الضخمة مستثمرين يخشون إضاعة الفرصة.

وهكذا أصبحت العملات المشفرة فئة أصول كبيرة رغم أن لا أحد يستطيع أن يشرح بوضوح لأي هدف مشروع وُجدت. ولكن العملات المشفرة انهارت الآن. ربما ستتعافى وترتفع إلى مستويات جديدة، مثلما فعلت في الماضي، ولكن في الوقت الراهن، هبطت الأسعار كثيراً. فمن هم الخاسرون؟ كما أسلفتُ، هناك بعض الأشياء المزعجة التي تذكّر بأزمة القروض العقارية عالية المخاطر قبل 15 عاماً. والواقع أنه من غير المحتمل أن تتسبب العملات المشفرة في أزمة اقتصادية عامة.

فالعالم كبير، وحتى 1.3 تريليون دولار من الخسائر لا تمثّل سوى 6%من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، أي ضربة ذات قوة أقل من تأثيرات هبوط أسعار المنازل عندما انفجرت فقاعة السكن. ثم إن الأنشطة مثل «تعدين البيتكوين»، ولئن كانت مدمِّرة من الناحية البيئية، فإنها غير مهمة اقتصادياً مقارنةً مع بناء المنازل، التي لعب انهيار أسعارها دوراً كبيراً في التسبب في «الركود الكبير». غير أن بعض الأشخاص تضرروا. فمن هم هؤلاء الضحايا؟ المستثمرون في العملات المشفرة يبدو أنهم يختلفون عن المستثمرين في الأصول المحفوفة بالمخاطر الأخرى، مثل الأسهم، والذين يتألفون بشكل أساسي من بيض أغنياء ومتعلمين تعليماً جامعياً.

فوفق استطلاع رأي أجرته مؤسسة «نورك» البحثية، فإن 44% من المستثمرين في العملات المشفرة هم من غير البيض، و55% ليست لديهم شهادات جامعية، وهو ما ينسجم مع شهادات عديدة تفيد بأن الاستثمار في العملات المشفرة أصبح ذا شعبية واسعة بين الأقليات والطبقة العاملة. وتقول «نورك» إن هذا شيء ممتاز، وإن «العملات المشفرة أخذت تتيح فرصاً لمستثمرين أكثر تنوعاً». ولكن هذا يذكِّرني بالأيام التي كان يحتفى فيها بإقراض القروض العقارية عالية المخاطر بمثل هذه الطريقة، حين كان يُشاد بها باعتبارها طريقة لإتاحة مزايا التملك لفئات اجتماعية كانت تعاني التهميش والإقصاء في السابق. غير أنه تبين لاحقاً أن الكثير من المقترضين لا يفهمون العالم الذي كانوا يدخلونه. والعملات المشفرة، بتقلباتها الضخمة في الأسعار، والتي يبدو أن لا علاقة لها بالأساسيات، محفوفة بالمخاطر بالقدر نفسه. ربما الأشخاص الذين لا يستطيعون فهم في ما يمكن أن تكون العملات المشفرة مفيدة عدا غسل الأموال والتهرب الضريبي لا يفهمون «الصورة الكبيرة».

وربما التقييم المتصاعد للبيتكوين والعملات المنافسة لها يمثّل شيئاً أكثر من مجرد فقاعة، شيء يشتري فيه الناس أصلاً من الأصول فقط لأن أشخاصاً آخرين حققوا أرباحاً من ذاك الأصل في الماضي. ولا بأس في أن يراهن المستثمرون ضد المتشككين. ولكن هؤلاء المستثمرين ينبغي أن يكونوا أشخاصاً مؤهلين جيداً لإصدار ذاك الحكم وآمنين مالياً بما يكفي لتحمل الخسائر في حال تبين أن المتشككين على صواب. ولكن هذا ليس هو ما يحدث للأسف. وأعتقدُ أن الجهات الرقابية ارتكبت الخطأ نفسه الذي ارتكبته في القروض العقارية عالية المخاطر: أي أنها فشلت في حماية الجمهور من منتجات مالية لا أحد يفهمها، وقد ينتهي الأمر بالعديد من الأُسر الهشّة إلى دفع الثمن!

ترجمة: صحيفة “الاتحاد”

شاهد أيضاً

لا ترامب ولا بايدن… طهران تسعى لاستكمال مصالحتها مع الخليج والعودة إلى المفاوضات

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم- في الوقت الراهن، ليست المعادلة أيهما أفضل …