الرئيسية / مقالات رأي / قوانين الانتخابات الأمريكية

قوانين الانتخابات الأمريكية

بقلم: د. منار الشوربجي – المصري اليوم 

الشرق اليوم – في تحرك ذي دلالة فارقة، نجح الجمهوريون بمجلس الشيوخ في قتل مشروع قانون يحمي الحق في التصويت لكل الأمريكيين، فجسد تحركهم أحد تجليات القصف المنظم للدعائم القليلة التي تضمن الحد الأدنى من ديمقراطية الانتخابات الأمريكية.

والانتخابات الأمريكية ليست الأفضل في العالم. فهي تنطوي على جوانب قصور عدة، بدءًا بالدور الهائل الذي يلعبه المال وجماعات المصالح في الحملات الانتخابية، ومرورًا بتجاهل مبدأ المساواة بين أصوات الناخبين، ووصولًا لاستخدام نظام الانتخاب غير المباشر، الذي عفا عليه الزمن، في اختيار أعلى سلطة في البلاد، أي الرئيس.

أكثر من ذلك، يفرض تاريخ الولايات المتحدة نفسه على الانتخابات مثلما يفرض نفسه على طبيعة المؤسسات السياسية وجوهر أدائها. فالكثير من الأمريكيين لم يملكوا الحق في التصويت حتى القرن العشرين. فالمرأة الأمريكية لم تحصل على ذلك الحق إلا عام 1920. والسكان الأصليون لم يكونوا «مواطنين» أمريكيين أصلًا حتى عام 1924. أما سود أمريكا فصحيح أنهم حصلوا على حق التصويت بعد إلغاء العبودية وصدور التعديل الدستوري الذي يضمن لهم ذلك الحق عام 1866، إلا أن الواقع الفعلي كان مغايرًا.

فلأن الدستور الفيدرالي ملزم لحكومات الولايات، فقد تفتق ذهن القائمين على الأخيرة عن اختراع قواعد محلية تتحايل على الدستور لتحرم السود، عمليًا، من حقهم في التصويت. فبعضها على سبيل المثال، لا الحصر، اشترط القدرة على القراءة والكتابة وهو ما لم يتوفر للسود الذين كانوا قد خرجوا لتوهم من نير العبودية التي حُرموا خلالها من التعليم. بعبارة أخرى، رغم ما كانت تبدو عليه القواعد من «حيادية» فقد استهدفت السود بشكل مباشر، فحُرموا عمليًا من التصويت. ومن هنا، حرص قانون حق التصويت الذي صدر في أوج حركة الحقوق المدنية عام 1965 على محاصرة تلك القواعد تحديدًا.

فاشترط على الولايات التي حرمت السود، تاريخيًا، من حق التصويت أن تحصل على موافقة الحكومة الفيدرالية على أي تعديل لقوانينها المحلية المعنية بالانتخابات.

لكن المحكمة العليا، التي صارت تميل نحو اليمين بفضل التعيينات المتتالية للرؤساء الجمهوريين، أصدرت حكمًا خطيرًا عام 2013 ألغى ذلك الشرط، بدعوى أنه لم تعد هناك حاجة إليه. وهو ما عارضه بقوة القضاة الذين يميلون لليسار، فكتبت القاضية الراحلة روث بيدر جينزبرج أن «مثل إلغائه كمثل التخلي عن مظلتك وسط عاصفة ممطرة لمجرد أن البلل لم يصب ملابسك».

وهي كانت تقصد أن عاصفة العنصرية ضد السود لاتزال قادرة على العصف بمقدراتهم بما فيها حقهم في التصويت. وبالفعل عادت الولايات، فورًا، لسابق عهدها. فبعد صدور الحكم مباشرة، قامت، وعلى مدار عقد كامل، بإصدار سلسلة من القوانين اخترعت فيها قواعد جديدة، مثل التي سادت زمن الفصل العنصري، تستهدف تحديدًا حق السود في التصويت.

وقد ازدادت وتيرة تلك الاختراعات بعدما تبين أن الرئيس بايدن مدين بفوزه في انتخابات الرئاسة عام 2020 لسود أمريكا، حين خرجوا بأعداد غفيرة للتصويت يوم الاقتراع العام، رغم كل العقبات التي واجهوها. لذلك، وبمجرد انتخاب بايدن أسرعت تسع عشرة ولاية بإصدار 33 قانونًا جديدًا يجعل التصويت للأقليات عمومًا، والسود خصوصًا، أكثر صعوبة بكثير من أي وقت مضى، الأمر الذي دفع الديمقراطيين لكتابة مشروع قانون «فيدرالي» لإلغاء ذلك التحايل على الدستور.

ومن هنا، فإن قتل الجمهوريين ذلك المشروع، لو لم يتغير، معناه حسم النتائج سلفًا لصالح الجمهوريين بانتخابات الكونجرس عام 2022 بل وفي كل انتخابات تالية، تشريعية كانت أو رئاسية.

شاهد أيضاً

إسرائيل تجرّ أمريكا إلى العزلة أيضاً

بقلم: سميح صعب – النهار العربي الشرق اليوم- يؤكّد تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بغالبية …