بقلم: فارس خشان- النهار العربي
الشرق اليوم– فَصَلَ “حزب الله” الجنوب عن لبنان. لم تعد هموم هذا الجزء الحدودي وطنية. سائر اللبنانيّين في مكان والجنوبيّون في مكان آخر.
في الجنوب قتل واغتيالات وقصف ودمار وحرائق ونزوح ونساء متّشحات بالسواد ورجال تأكلهم النظرات الفارغة وأطفال يبكون، في زوايا مهملة، أبًا رحل أو على وشك الرحيل. وفي سائر البلاد، حفلات وأعراس ومطاعم مزدحمة وبرامج سياحية وتحضيرات للإستفادة من مغتربين سوف يأتون صيفًا مهما حصل ومساع لتحصين الأمن الداخلي وتخفيف كلفة النازحين السوريين وجدل كثير حول “جنس الملائكة”.
و”حزب الله” سعيد بهذا الإنفصال بين الجنوب وسائر البلاد. يعتبره إنجازًا ويعمل على إدامته. يعتقد بأنّ ذلك يعينه على مواصلة الحرب الحدودية مع إسرائيل، من دون أن تتعبه الأسئلة عن مداها وجدواها وانعكاساتها!
ولكنّ الجنوبيّين، بمن فيهم هؤلاء الصابرين على الضيم، يرعبهم ما يحصل، ف”المحزون عينه ضيقة”. هم لا يفهمون كيف يستغلّهم “الثنائي الشيعي” لإرجاء الإنتخابات البلدية في البلاد، بحجة رفض سلخ الجنوب عن لبنان، ويتركهم لمصيرهم في مواجهة الحرب والموت والدماء والتشرّد، وسط “تباه” بأنّ ما يحصل معهم لا ينعكس وبالًا على سائر البلاد!
من حق هؤلاء الجنوبيين أن يضيق صدرهم، فالأخبار عنهم محصورة بمن اغتالت إسرائيل منهم، وبالمواقع التي استهدفها جيشها في بلداتهم وقراهم وبساتينهم وأحراجهم. لقد أصبحوا مجرد “حالة إحصائية”. لم يعودوا، بنظر أنفسهن وممثليهم ومسؤوليهم وشعبهم، بشرًا لديهم مصالح وعواطف ومستقبل!
من حقهم أن يغضبوا على واقعهم، فلا شيء يُقدّم لهم، لإلهائهم عن مآسيهم، سوى المآسي التي تصيب “جيرانهم- الأعداء”، حتى بات التشفّي من الآخر هو العلاج الوحيد المعروض عليهم!
وبالفعل، عندما تعينهم عيونهم، بين الحين والآخر، على الرؤية يسارعون الى قراءة بند النتائج. وفي هذا البند لا يجدون شيئًا: “حرب المساندة” بدل أن توقف الحرب في غزة، أدخلتهم هم في الحرب. وبدل أن تنقذ الفلسطينيّين من القتل، قتلتهم هم. وبدل أن توقف نزوح الغزاويين تسببت بنزوحهم هم.”حرب المساندة”، عندما لا تحقق المبتغى منها، بسرعة معقولة، تصبح حربًا قائمة بنفسها.
هؤلاء الجنوبيون ليسوا أغبياء. هم يدركون أنّ حرب “حزب الله”، على الرغم من كل الصراخ المنبري، لم تقدّم لغزة شيئًا. ما يقوم به “البيت الأبيض” من موقع صداقة إسرائيل، يخدم أهل غزة ومقاوميها، وليس ما يقوم به “حزب الله”. وما يُنجزه طلاب الجامعات الأميركية والأوروبية، ضد إسرائيل، يفوق بأضعاف مضاعفة، ما يقوم به “حزب الله” على حسابهم. وما تنطق به “محكمة العدل الدولية” وما يمكن أن تصدره يوماً المحكمة الجنائية الدولية من مذكرات توقيف ضد القادة الإسرائيليّين له تأثير كبير، في وقت يقدّمهم “حزب الله” قرابين على مذابح وثنية!
ويعرف هؤلاء الجنوبيّون أنّ الأمين العام ل”حزب الله”حسن نصرالله، في خطاباته، يتحدث قليلًا عن إنجازات حزبه ضد إسرائيل وليس لمصلحة أبناء غزة، ولكنّه يُسهب في الكلام عن انقلاب الرأي العام الدولي، بسبب تضحيات غزة وأبنائها، وليس بسبب حرب حزبه!
وفي واقع الحال، لقد أدخل “حزب الله” الجنوبيّين في مباراة يخوضها ضد الجيش الإسرائيلي، حتى بدا أنّه يجري مع عدوّه مناورات بالأسلحة الحية وبالبشر وبالحجر، لا أكثر ولا أقل!
“مناورة” لا يعرف أحد إذا كانت سوف تولّد حربًا مدمّرة أو أنّها ستعيد الحال الى ما كانت عليه قبل أن تبدأ، أو أنّها ستعدّل في موازين القوى الميدانية وتدخل الجنوب في صراع مع اليونيفيل والمجتمع الدولي، وتزيد مصائبه مصائب!
ما يفعله “حزب الله” في الجنوب، بدل أن يرفع قيمة هذا الجزء المهم من لبنان، رماه في الحفرة، فالعالم يهتم بغزة، ولا يعير أيّ اهتمام بالجنوب، والمفاوضات تجري حول غزة، ولم يعد أحد يتحرك من أجل الجنوب، ومستقبل المنطقة مرهون بمستقبل غزة، ولا قيمة للجنوب فيه.
والمجتمع الدولي محق في ذلك، فالجنوب يدفع ثمنًا باهظًا لإلحاقه كتابع في حروب الآخرين!
والجنوبيّون محقون في غضبهم، فتضحياتهم، على الرغم من جسامتها، ليست إلا رأس جبل الجليد، فالآتي قد يكون أعظم وأخطر وأدهى، فيما النتائج، في أحسن الأحوال، ستكون إعادة الحال الى ما كانت عليه، قبل توريطهم في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) في “طوفان الأقصى”!
ولا يُعزّي هؤلاء أنّ “حزب الله” يمكن أن يصرف تضحياتهم في فرض كلمته على البلاد، لأنّهم يدركون، بالأدلة، أنّ “الثنائي الشيعي” أنجز هذه المهمة، منذ سنوات طويلة، ودليلهم على ذلك أنّه في الثامن من أكتوبر أزاح الدولة اللبنانية جانبًا وقرّر “من عنديّاته” فتح الجبهة ضد إسرائيل!