الرئيسية / مقالات رأي / أردوغان أمام واحد من خيارين

أردوغان أمام واحد من خيارين

بقلم: تحسين الحلبي – الوطن السورية

الشرق اليوم- أصبح من الواضح في هذه الأوقات أن النتائج التي ولدها التخبط الذي انتهجه الرئيس التركي رجب أردوغان في سياسته تجاه سورية والتدخل العسكري فيها إضافة إلى دعم المجموعات المسلحة ضد جيشها وسيادتها، قد حولت تركيا بعد عشر سنوات إلى دولة يستنزفها صمود سورية وانتصارها على كل أشكال هذا التدخل، بل إن هذه النتيجة بالذات بدأت تؤكد أن الاستنزاف وصل إلى صحة أردوغان نفسه فها هي المجلة الاليكترونية الأميركية «فورين بوليسي» تؤكد هذه الحقيقة في تحليل نشرته في الأول من تشرين الأول الجاري تحت عنوان: «أردوغان سيمنعه اشتداد المرض عن الاستمرار بقيادة البلاد»، على حين يرى فرانشيسكو سيكاردي في بحث نشره في مركز أبحاث كارنيجي في 14 أيلول الماضي أن «القيادة السورية تمكنت من إلحاق الضرر بالسياسة الخارجية التركية وفرضت ثمناً تدفعه تركيا في علاقاتها مع روسيا وإيران وأوروبا وأميركا بسبب سياسة التدخل العسكري في سورية نتيجة ردود فعل هذه الدول على سياسة أردوغان».

ويشير سيكاردي إلى أن المضاعفات العميقة التي خلفتها سياسة التخبط الأردوغانية على الوضع التركي الداخلي الاقتصادي والاجتماعي بعد انهيار العملة التركية وعلى المؤسسة العسكرية قد ألحقت الضرر بعلاقات مختلف المكونات التركية وتماسكها الوطني.

ولا شك أن الضغوط الروسية والإيرانية على أردوغان ودعمها لمطالب سورية والعراق بسحب قوات أردوغان من أراضي الدولتين والتوقف عن تقديمه الدعم للمسلحين في إدلب ستضع أردوغان وحزبه الحاكم أمام جدول عمل مكشوف في الساحة الداخلية التركية في ظروف لا يستطيع أردوغان تجاوز استحقاقها بعد التحولات الإقليمية التي فرضها انتصار سورية وحلفائها على كل أشكال الحروب التي تعرضت لها إقليمياً ودولياً بقيادة الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، فلم يعد يخفى على أحد وجود أطراف منتصرة وأطراف مهزومة في المنطقة، ومن الطبيعي أن تفرض سورية المنتصرة شروطها على المهزومين وتنتقل مع حلفائها على مستوى المنطقة نحو تمتين هذا التحالف وحصد استحقاقات انتصاره.

طوال سنوات التدخل والغزو العسكري التركي بين فترة وأخرى، لم يحقق أردوغان النجاح في كل سياساته ضد سورية والعراق وأطماعه فيهما، فالدولتان تصران على انسحاب قواته والتوقف عن كل أشكال دعمه للمسلحين دون قيد أو شرط وتدعمهما في جدول عملهما هذا إيران ودول عربية على مستوى المنطقة وروسيا والصين وبعض دول الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتها اليونان وقبرص، ولن يكون بمقدور أردوغان تأجيل هذه المواضيع بعد تعثر علاقاته مع الاتحاد الأوروبي وفرنسا بالذات، وبعد الأزمة التي تلوح في علاقاته مع الولايات المتحدة، ولذلك أصبحت سورية تملك أوراق تأثير وضغط متزايدة لإزالة كل النتائج التي ولدها التدخل العسكري التركي على سورية، على حين بدأ أردوغان بالمقابل يفقد المراهنة والتعويل على دعم أوروبي لكل سياساته أو دعم أميركي شامل لها في أعقاب أزمته مع الرئيس الأميركي جو بايدين وحلف الأطلسي بسبب شراء منظومة الدفاع الروسية «اس 400».

في النهاية لم يستطع أردوغان طوال فترة حربه على سورية تحقيق أحلامه التوسعية، ولم يستطع أيضاً منع الحكومة العراقية على الرغم من الوجود الأميركي في العراق، من الإصرار على سحب أي قوات له من أراضيها، وأصبح الزمن والمستقبل لا يعملان لمصلحة استمرار أردوغان بسياسة التدخل العسكري في الجوار، بل بات الزمن يعمل الآن لمصلحة دول وأطراف محور المقاومة وتزايد انسجام العراق شعباً وحكومة مع هذا المحور وتطلعاته لحماية مصالح شعوبه وسيادة واستقلال دوله.

لذلك لن يكون أمام أردوغان في هذه الأوقات سوى واحد من خيارين: إما الوقوف ضد إرادة سورية والعراق في تحرير أراضيهما وتزايد عزلته الإقليمية مع الجوار وتفاقم الخلاف مع موسكو، وإما الانسحاب من الأراضي السورية والعراقية وفتح الطريق أمام اللاجئين السوريين للعودة إلى قراهم ومدنهم بعد أن حررها الجيش العربي السوري وحلفاؤه من مجموعات داعش والنصرة الإرهابيتين وما شابههما من المجموعات المسلحة.

شاهد أيضاً

ماذا حصل دبلوماسيّاً حتى تدحرج الوضع مجدداً على الجبهة اللبنانيّة – الإسرائيليّة؟

بقلم: فارس خشان- النهار العربيالشرق اليوم– بين 15 آذار (مارس) الجاري و23 منه، انخفض مستوى …