الرئيسية / مقالات رأي / إطلالة سريعة على انتخابات العراق

إطلالة سريعة على انتخابات العراق

بقلم: د. ماجد السامرائي – العرب اللندنية

الشرق اليوم- لم تكن النتائج الرسمية المعلنة حول نسبة المشاركة في الانتخابات العراقية 2021 بعد ثلاث ساعات من انتهاء الاقتراع 41 في المئة مفاجئة للرأي العام العراقي، حيث وضعت الحالة الشعبية المشابهة لعام 2018 والتي أفرزت كرد فعل مباشر ثورة أكتوبر 2019، قيادات الأحزاب وحكومة مصطفى الكاظمي أمام حرج محلي وعربي ودولي كبير إن لم تعلن مثل هذه النتيجة بعد الدعم الاستثنائي السياسي والإعلامي المقدم لتلك العملية الانتخابية.

المال السياسي المتحقق من النهب والفساد حضر بقوّة في التعبئة الإعلامية للمرشحين من الأحزاب، التي لم يمنعها القانون الانتخابي، بل ساعدها على الحضور مجددا بالشخصيات وليس بالقوائم، في الوقت الذي حرم عدم وجود المال المرشحين المستقلين وأعدادهم قليلة، ومن بينهم مرشحو ثورة أكتوبر، من تحقيق الحضور الدعائي وبذلك انعدمت معادلة المساواة في الفرص التي تعتبر إحدى المقومات الصحيحة للانتخابات.

خالفت المفوضية ومن خلفها الأحزاب المتسيّدة الدستور الذي صنعوه، وذلك بحرمان المواطنين العراقيين في الخارج من حق الانتخابات، خشية أن تذهب نتائج تلك الأرقام طائفيا إلى خارج الكتل الشيعية التي ليس لديها حضور في الخارج.    

لم تشهد العملية السياسية عبر عمرها الانتخابي لأربع دورات دعما دوليا وإقليميا مثلما حظيت به هذا العام، فبالإضافة إلى الدعم الاستثنائي من مجلس الأمن الدولي وفق قراره 2576 للمراقبة وليس الإشراف على الانتخاب كما طالب ثوار أكتوبر، دخل الاتحاد الأوروبي على الخط بإرسال بعثة مراقبة، سارعت رئيستها رغم دعمها للعملية السياسية العراقية بالقول “للأسف في هذه المرحلة لاحظنا نسبة مشاركة ضئيلة”.

تلك النسبة العالية التي أُعلنت لا تمثل الحقيقة، وتقابلها نسب أخرى لم تتجاوز العشرين في المئة جاءت بمتابعة ميدانية من راصدين مستقلين يمثلون الفعاليات الشعبية وبعض منظمات المجتمع المدني وثوار تشرين، وتصريحات مسؤولين سابقين في المفوضية الرسمية العراقية، إضافة إلى ما نقلته بعض الفضائيات من صور حيّة لأعداد متواضعة حضرت مراكز الاقتراع من النساء وكبار السن، حتى إن بعض المراسلين اشتكى من منعه من التصوير إلا إذا وجد ناخبين أمام صناديق الاقتراع.

هذه النسبة، 41 في المئة، هي أقل من نسبة 44 في المئة عام 2018 والتي كانت حقيقتها 20 في المئة وفق المراقبة المستقلة. لذلك سارع عدد من الخبراء العراقيين المتابعين للانتخابات إلى التصريح بأن “تدني المشاركة في الانتخابات متوقع بسبب الوضع الاقتصادي وحالة الاحتجاجات المناهضة للطبقة السياسية”.

النتيجة الموضوعية لهذه الانتخابات أنها أكثر فشلا من انتخابات 2018 من حيث عدم تعبيرها عن إرادة العراقيين، حتى وإن توقع فوز عدد ضئيل من المستقلين الحقيقيين أو المستقلين بمظلة من الأحزاب والكتل الكبيرة التي اشتغلت خلال الشهور القليلة الماضية على عملية تمويه هدفها عدم خروج السلطة المقبلة في الحكومة والبرلمان عن هيمنتها وبالتالي استمرار ماكنة الفساد والاستبداد.  

دعوات المدافعين عن العملية السياسية وبقائها واستمرار رموزها في قمع الناس ونهب ثرواتهم استهزأت بحملة المقاطعة التي أطلقها ثوار أكتوبر والنخب الوطنية والشعبية العراقية من رجال دين وفكر وسياسة تحت نظرية جاهلة وملغومة متسائلين: ما هو البديل للصندوق الانتخابي؟

ليجيبوا هي الفوضى. على اعتبار أن العراق في ظل زعماء هذه العملية السياسية الفاسدة في أمن وأمان وصحة وسلام. وليس مصير المواطن العراقي الناطق بالحق والحقيقة سوى الموت خصوصا من الشباب المتدفق حبا لوطنه العراق.

المقاطعة لم ولن تكون فكرة سلبية ضد المبادئ الديمقراطية ومن بينها الانتخابات، بل ضد الواقع السيء للانتخابات في العراق الذي أنتج خلال خمسة عشر عاما زعامات للفساد والقتل ميدانها وفرصها المتجددة هي السيطرة على الحكم بقوة السلاح، أما إرادة الشعب العراقي الحقيقية فهي مغيبة.

عند كتابة هذه السطور مازال الوقت مبكّرا للحديث عن قراءات نتائج الانتخابات فيما يسمى بالكتلة الانتخابية الأكبر التي لها الحق بترشيح رئيس الوزراء المقبل، حيث تتقدم الكتلة الصدرية النتائج وهي الراغبة بالحصول على المكانة الأولى فيما تشير النتائج الأولية إلى تضاؤل فرص كتلة هادي العامري التي تضم القوى المسلحة الولائية في أن تصبح لاعبا مهما في تشكيل الحكومة.

التاريخ السيء للعملية الانتخابية منذ عام 2006 إلى حد اليوم يحكي لنا قصصا لا علاقة لها بالفوز الانتخابي لتشكيل الحكومة بل بنفوذ الخارج أمثلتها: تم طرد إبراهيم الجعفري بقرار أميركي والمجيء بنوري المالكي الذي أصبح صديقا ودودا للمحتل الأميركي عام 2006 ثم استبعد إياد علاوي بقرار أميركي – إيراني مشترك عام 2010 رغم حصوله على مقاعد الفوز والتجديد للمالكي، وقرار استبعاد المالكي رغم حصوله على المقاعد المتقدمة على حيدر العبادي عام 2014 ثم المجيء برئيسي الوزراء عادل عبدالمهدي ومصطفى الكاظمي عامي 2018 و2020 من خارج الكتل الحزبية.

حالة الصراع الحالية تتركز حول أي من القادة الشيعة، وفق التسمية الطائفية التي تركت كل هذه الآثار المؤلمة في حياة العراقيين، سيكون مرشحا؟ هل هو من كتلة مقتدى الصدر الذي دائما ما تحدث عبر لقاءاته الإعلامية بأن مفتاح تعيين رئيس الوزراء بيده سابقا أما الآن فسيكون “صدريا قحا”.

العراقيون لا يهمهم من يحكم، سواء كان شيعيا أو سنيا عربيا أم كرديا، هم يبحثون عن رئيس حكومة مصلح نزيه عادل. تجربة مصطفى الكاظمي تشير إلى أن الأحزاب الفاسدة التي خربت العراق بقوة الهيمنة الطائفية والسلاح هي المتحكمة ولا أثر يذكر لأي رئيس وزراء يأتي من خارج الكتل السياسية.

هل يمكن للعراقيين الاطمئنان على أوضاعهم وحياتهم البائسة الحالية في ظل تحكّم جديد لذات الأحزاب؟ الجواب المزيد من الإحباط. قد تشهد الأيام المقبلة حالة صراع بنوع جديد من المظاهر في حالتي تسمية رئيس الوزراء من التيار الصدري، حيث سيكون خصومه والساعون إلى إسقاطه من قادة الأحزاب الشيعية ذاتها ولا يتوقع لعمر مثل هذه الوزارة أن يتجاوز العام.

أما إذا جاء رئيس الوزراء نتيجة صفقة توافق كتلتين كبيرتين أو أكثر داخل البرلمان المقبل، يضاف إليها رضا إيراني وأميركي، فستكون حكومة ضعيفة تضيف ملفات جديدة من الفساد بعد تقاسم أسوأ من سابقه على الوزارات التنفيذية.

المخاطر السلبية هي ما سينتجه التقدم في حصول زعامات الميليشيات المسلحة على مواقع جديدة في البرلمان ليتحول إلى برلمان البنادق.

هناك سيناريو يتحدث حول دور إقليمي ودولي متصاعد في المعادلة السياسية العراقية، ليس حبا بشعب العراق أو لمساعدته ولكن لتمرير مجموعة من التفاهمات في المنطقة مركزها العراق، ابتدأ بالحوار السعودي – الإيراني لحسم حرب اليمن مقابل قبول إيران كدولة فاعلة في المنطقة، كذلك تصعيد وتيرة التفاهمات الإيرانية – الأميركية – الروسية حول صفقة تخص سوريا تؤدي إلى انفراج سياسي يعيد تأهيل نظام بشار الأسد عربيا ودوليا بعد دعم إماراتي وقبول تركي.

يبقى شعب العراق هو الضحية يدفع الأثمان الجديدة أصعبها تصاعد الصراع بين كتلة ثوار أكتوبر وسلطة القمع والسلاح.


شاهد أيضاً

أحلام مقتدى الصّدر وأوهام مناصريه

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربيالشرق اليوم– عندما يُشفى العراقيون من عقدة اسمها مقتدى الصدر يكون …