الرئيسية / مقالات رأي / نقاط ‏لاختراق ‏أزمة السد الإثيوبي

نقاط ‏لاختراق ‏أزمة السد الإثيوبي

بقلم: أسامة سرايا – الأهرام 

الشرق اليوم – تدخل مصر العام السبعين من عمر الجمهورية وأبرز تحدياتها، أو مواجهاتها، قضية مياه النيل، وعلاقاتنا مع السودان، وإثيوبيا، أو دول حوض النيل الأزرق، وهذه المواجهة ستكون على صعيدين: الأول خارجي، والثاني داخلي، وهو أشمل من النيل، لتكون قضية المياه ككل. عُمر الدولة في مصر ليس من عمر الجمهورية، فنحن كنا في الدولة الملكية قادرين على البناء في كل المجالات، الذي استغرق ما يقرب من 150 عاما، ومواجهة التحديات، ودولتنا المعاصرة بدأت منذ ذلك الوقت، وقد بنى المصريون قناة السويس، أهم ممر مائي عالمي بين البحرين الأبيض والأحمر، في العصر الملكي، وقامت مصر خلاله ببناء مؤسسة الري الحديثة، وهي أعرق مؤسسة في عالمنا المعاصر، وتعرف أدق أسرار نهر النيل، داخليا وخارجيا، وتملك خبراء مرموقين، فهي مؤسسة عريقة، يعمل أبناؤها في كل دول حوض النيل، ولعل أهم زياراتي، واهتماماتي في الحياة، كانت حول نهر النيل، ومازلت أتذكر قدامى رجال الري في مصر، الذين كنت أصحبهم في الرحلات حول الحوض، ودوله (الإحدى عشرة)، وكنا، ومازلنا، نرى النيل وحدة هيدروليكية واحدة، كما سماها الخبير المصري الراحل، وزير الري، عبدالعظيم أبوالعطا، وأننا نسعى لدى الإثيوبيين لإنشاء سد مشترك على أكبر منابع النيل، وأن الرفض كان إثيوبيًا، وقد أظهر البريطانيون أخيرا وثائق عن خلفيات الصراع على النيل بين دولة المنبع ودولتي الممر والمصب، ولعل أهم ما كشفته الوثائق الجديدة هو وعي مصر بأهمية التعاون لخدمة المصالح المشتركة لدول حوض النيل، وكيف أن مصر دللت على وقوفها مع دولة المنبع، للاستفادة من مياه النيل، عندما أعطت موافقتها في مارس 2015 لإنشاء السد الإثيوبي، شريطة التنسيق، لضمان حماية مصالحها المائية، بل هي، كما يعترف البريطانيون، أول من اقترح مشروعات مشتركة تحقق مصالح الجميع، كما أن مصر على استعداد كامل، ومخلص، لقبول إنشاء سد بطاقة 14٫5 مليار متر مكعب، وليس بطاقة التخزين التي يستهدفها السد الآن، وهي أكثر من 70 مليار متر مكعب، إلا أن هذا الاستعداد لم يُترجم إلى اتفاق بين القاهرة وأديس أبابا، وأن مصر أثبتت بموافقتها، حسب البريطانيين، على إعلان المبادئ، أنها جار مُنصف وعادل، كما أن لها حقوقا تاريخية، أهمها حصتها البالغة 55٫5 مليار متر مكعب، وضرورة الحصول على موافقتها على أية مشروعات تُقام على النيل. وقد نجحت مصر، حتى الآن، في إثبات حقائق مهمة، عبر مجلس الأمن، واتفاق النوايا، أننا أمام متغير قانوني يُلزم المجتمع الدولي بالتدخل في حالة نشوب حرب مياه مرعبة، لا يستطيع أحد أن يتخيل تأثيرها، على كل القارة، خاصة القرن الإفريقي.

إن المتغيرات الأخيرة كشفت عن أنه يجب على إثيوبيا مراجعة مواقفها، والاتجاه نحو الإدارة المشتركة، التي تسمح بالشفافية، والقيم الأخلاقية الحقيقية، واحترام الدول، والبيئة، لتشغيل السد، مما يلبي احتياجات الشركاء الثلاثة. ولعل الورقة، التي كتبها الخبير المائي المصري الدكتور كريم مرسي، والتي قدمها للنشر الدولي، عن الاستفادة من تجربة سد إيتابيو بين البرازيل وباراجواي، يقرؤها الأشقاء الإثيوبيون، حيث تقترح الورقة إنشاء كيان مشترك، أو شركة، من خلال ممثلين للدول الثلاث (مصر، وإثيوبيا، والسودان) من أجل الإشراف، وتشغيل السد، وتلبية احتياجات الشركاء، والاستثمار المشترك، والتعاون من خلال إقامة المشاريع العابرة للحدود، والخطط طويلة الأجل للإدارة المشتركة، وتقاسم المنافع، والاستفادة من هذه التجربة الدولية. ومن هنا، فإنه على كل دولة أن تعود إلى الوثائق، والتاريخ القديم، فما لم تقبله مصر في الماضي لن تقبله الآن، وهي أن تكون رهينة لسلاح المياه الإستراتيجي، فهذا لن يتحقق، لذا، لابد من تحسن العلاقات بين دول المنبع والمصب، فلابد أن يكون النقاش عقلانيا بينها، ويقوم على المصالح المشتركة، وبقراءة دقيقة في الوضع الآن، فإن الملف الذي فُتح يجب أن ينتهي، وألا يُترك، استعدادا لملء جديد يستند إلى سلامة السد، وموقعه، وإعادة النقاش حول الاحتياجات المائية لدول الحوض، وليس الوضع القائم، والحقوق السابقة، فهناك احتياجات متزايدة لدولتي المصب من المياه، خاصة أن حوض النيل يستطيع أن يلبي هذه الاحتياجات، وفي حالة الدخول في مشروعات جديدة، لابد أن يسبقها الاعتراف بالحقوق الراهنة، حتى يستطيع أن يعرف كل طرف حصته في المياه الجديدة، من واقع الاستثمارات، التي يحتاجها. أما الوضع الداخلي، فإن التحرك المصري في هذا الاتجاه، مميز جدا، خاصة تطوير، وتبطين الترع، والاتجاه إلى زيادة ودخول مصر عصر تحلية المياه، والتغيير الكبير في أساليب الري، والتركيز على الحديث منها لري الأراضي الزراعية في الدلتا، التي تدخل عصر الري بالتنقيط، وتقنين المياه، والتعامل مع الخزان الجوفي، والتوسع في الزراعات بالصوب، والزراعات المحمية، فكل هذه الاتجاهات ستجعل مصر تحافظ على الموارد المائية، واستخدامها بالأسلوب الأمثل، كما أننا عملنا على إعادة تقوية العلاقات مع كل دول حوض نهر النيل، خاصة جنوب السودان، وإعادة بعث الخط الموازي لحوض النيل كله، وتنقية، واستكمال، قناة جونجلي، من خلال خبرات مصر في هذا الاتجاه، خاصة أن الفترة القياسية لازدواج قناة السويس سوف تساعد في إنجاز القناة الجديدة، ومساعدة شعب جنوب السودان لزيادة مواردهم، وتحسين الإنتاج الزراعي، والاستفادة من المياه المهدرة في أحواض النهر العديدة إذا دخلت مجال الاستثمار الواسع، بالتعاون مع دول الخليج، والصناديق الاستثمارية، مما سيكون مؤشرا ضخما على زيادة الموارد لهذا النهر الغني، والأطول في عالمنا وسيكون التعاون المشترك لدول حوض النيل الأزرق هو النموذج الجاذب للمستثمرين العالميين، ووقتها سنقول إن محنة السد الإثيوبي أصبحت منحة حقيقية لكل الدول، وفاتحة لتعاون إقليمي مميز، إذا صدقت النيات، وملك الجميع الإرادة السياسية.

شاهد أيضاً

هدنة الفرصة الأخيرة

بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عودة الحديث عن إطلاق المفاوضات بشأن التوصل …