الرئيسية / مقالات رأي / “طالبان” وخيارات الســياسة والحــرب

“طالبان” وخيارات الســياسة والحــرب

بقلم: فيصل عابدون – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- يمكن الحديث بشكل عام عن مسارين يمكن أن تسير عليهما التطورات الجارية حالياً على الساحة الأفغانية، في ظل انسحاب القوات الأمريكية والأطلسية. يؤشر المسار الأول إلى أن الحملة العسكرية الناشطة لحركة طالبان تستهدف السيطرة على كامل الأراضي الأفغانية وإلحاق الهزيمة بقوات الحكومة، وبالتالي فرض رؤيتها لحكم البلاد بالقوة الغاشمة. بينما يفترض السيناريو الآخر أن الحركة تسعى لتحقيق مكاسب تكتيكية وهي تسابق الزمن للاستيلاء خصوصاً على مدينة قندهار واتخاذها عاصمة بديلة قبل انخراطها مجدداً في عملية السلام.

 وبالنظر إلى الحصيلة التي انتهت إليها الأمور خلال العقدين الماضيين، فإن من الممكن القول إن قيادة طالبان قد لا تكون في وارد الانجراف وراء ملاحقة حلم استعادة دولتها السابقة على حساب الواقع الجديد القائم. فقدرة الحركة على إلحاق هزيمة كاملة بالقوات الحكومية أمر مشكوك فيه.

 كما أنه وفي حال نجحت الحركة بطريقة ما، في فرض نفسها على سدة السلطة، فإن هذه السلطة ستكون في حالة من العزلة الداخلية والخارجية وفي مواجهة مفتوحة مع المجتمع الدولي الذي سيفرض عليها أشكالاً مختلفة من العقوبات. علاوة على أن قواتها التي تنتشر في المدن الكبيرة ستشكل لقمة سائغة وهدفاً مكشوفاً أمام الهجمات الجوية على عكس ما كان عليه وضعها وهي تختبئ في الجبال والكهوف. وباختصار فإن هذه السلطة ستتحول بسرعة إلى سلطة فاشلة وتتمزق من الداخل ثم تسقط وتنهار.

 إن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان أصبح أمراً واقعاً، وقد أوضحت الإدارة الأمريكية بكل الطرق الممكنة أنها ستكمل سحب قواتها بحلول أغسطس/آب المقبل وإن قوات صغيرة في عددها ستبقى لحراسة المنشآت الدبلوماسية. لكنها أوضحت أيضاً أن الانسحاب لا يعني نهاية انخراط الولايات المتحدة في حماية الحكومة الأفغانية وأنها ستكون جاهزة للتدخل الفوري في حال تهدّد الاستقرار. كما أن الجيش الأفغاني بات جيد التدريب والتسليح ومصمماً على خوض الحرب. وستكون أي محاولة تقوم بها الحركة المتمردة للانقلاب على هذا الوضع مغامرة محفوفة بالمخاطر.

 إن قادة طالبان الجدد يدركون هذه الحقائق جيداً. وكما يلاحظ العديد من المراقبين فإن حركة طالبان الحالية تختلف كثيراً عن الحركة التي سيطرت على الحكم قبل عشرين عاماً. هناك تراجع ملحوظ في قوة التيار الراديكالي داخل الحركة لمصلحة التيار البراغماتي. كما أن القادة الجدد الذين شاركوا في جولات التفاوض المتعددة قد اكتسبوا مهارات وحققوا مكاسب وتفتحت أمامهم أفاق واسعة للتفكير في الخيارات البديلة.

إذن، فإن استبعاد خيار الحصول على السلطة كاملة يفسح المجال أمام الاحتمال الآخر. إن الحركة تسعى إلى تحقيق مكاسب معنوية عبر السيطرة على مدينة قندهار واتخاذها عاصمة بديلة، ومكاسب عسكرية تستبق استئناف مفاوضات الحل السياسي على ترتيبات جديدة للحكم. وهدفها في نهاية المطاف هو الحصول على صفقة جيدة وشرعية دستورية في ترتيبات اقتسام السلطة والثروة مع القوى الأفغانية الأخرى.

شاهد أيضاً

أحلام مقتدى الصّدر وأوهام مناصريه

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربيالشرق اليوم– عندما يُشفى العراقيون من عقدة اسمها مقتدى الصدر يكون …