الرئيسية / مقالات رأي / بايدن بوتين.. قمة اللا قمة

بايدن بوتين.. قمة اللا قمة

بقلم: مصطفى فحص – الحرة

الشرق اليوم- في المشهد المتوقع من القمة الأمريكية – الروسية المرتقبة في 16 من الشهر الجاري في جنيف بين الرئيسين: الأمريكي جو بايدن، والروسي فلاديمير بوتين، يحاول الرئيس الروسي انتهاز الفرصة من أجل انتزاع ما يعتبره إقرارا أمريكيا بأن ليس كل ما تقوله أو ما تتمناه الدولة الكبرى يتحقق، فبالنسبة لبوتين الذي نصحه بايدن سنة 2011 بعدم الترشح مجددا للرئاسة ووصفه قبل أشهر بالقاتل، سيذهب إلى جنيف لأنه وإدارته على قناعة بأنه لا مجال للحفاظ على الاستقرار الدولي من دون الحوار والتفاهم مع موسكو.

عمليا يتأهب بوتين لصناعة مشهده الداخلي أيضا. بعد سنة مضطربة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وصحيا، سيستخدم نتائج اللا نتائج للقمة لتذكير الروس المقبوض على حاضرهم ومستقبلهم بأن هذه السلطة التي لم تحقق شيئا من وعودها، لم تزل قادرة على إرضاء مشاعرهم الوطنية والتصرف كإمبراطورية تفرض احترامها بعيدا عن واقعها الداخلي وحالة الجمود السياسي والاقتصادي.

يستعرض فلاديمير بوتين في جنيف طبيعة السلطة والحكم في روسيا، ويلفت نظر نظيره الأمريكي إلى ضرورة الفصل في التعامل ما بين المقيم في قلعة الكرملين قيصرا كان أو أمينا عاما أو رئيسا، وبين واقع إمبراطوريته أو دولته، فروسيا المثقلة اقتصاديا والمحاصرة بالعقوبات لم تتوقف عن مشاغبة واشنطن على الساحة الدولية، والتهيئة قبل القمة للحشد عسكريا غربي أوروبا، وممارسة الاحتكاك في أوكرانيا وتنفيذ مشروع ابتلاع بيلاروسيا، وإعادة انتخاب بشار الأسد رئيسا على ما تبقى من سوريا، وأنها ستدير الأذن الطرشاء لانتقادات بايدن حول حقوق الإنسان، وكلامه عن الحريات السياسية والعامة في روسيا، وستقاوم كافة الضغوط حول قضية المعارض نافالني. 

في الطريق إلى جنيف حسمت موسكو موقفها وتحدثت على الملأ بضرورة خفض مستوى التوقعات، وحصرت نتائج القمة المقبلة بمستوى الحوار فقط باعتباره الفعل الإيجابي شبه الوحيد الذي يمكن أن يصدر عنها، وهذا ما حضر في كلام المسؤولين الروس وعلى لسان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بسكوف، الذي قال إن “حجم الخلافات بل وحتى مظاهر النزاع في علاقاتنا الثنائية كبيرة جدا، لدرجة أنه لا مبرر لتوقع تحقيق أي تقدم نحو التوصل إلى تفاهم. لكن في بعض الأحيان يكون من المفيد أيضا الاتفاق على أننا لا نتفق”.

بالنسبة لصناع القرار الروسي هناك غلبة تحققت في النقاط، بدأت في تراجع الإدارة الأمريكية عن العقوبات على خط الغاز المعروف “نورثستريم2” مع ألمانيا، ولم تصدر قائمة عقوبات جديدة على سوريا أو تقوم بتوسيع بنود قانون قيصر للعقوبات على النظام، كما أنها وعدت بتخفيف البعض منها التي تتعلق بالأمور الطبية والإنسانية، وظلت بعيدة عن الصراعات الجيوسياسية في منطقة ما وراء القوقاز.

من الواضح أن عدم وضوح الرؤية الأمريكية في كيفية التعاطي مع موسكو وحجم التداخل بينهما في ملفات متشابكة تفرض على الإدارة الأمريكية مراعاة حساباتها الداخلية وموقف الرأي العام الأمريكي، الأمر الذي يفسح المجال أمام موسكو إلى مزيد من التشدد والاستفزاز، وهذا يساعد على استنتاج مسبق لنتائج القمة التي لن تختلف عن التي سبقتها سنة 2018 كثيرا. ولن تستطيع مهما قدمت واشنطن من مرونة في أن تدفع الكرملين إلى التراجع أو القيام بتسوية جزئية في بعض الملفات ذات الاهتمام المشترك، وذلك يعود إلى أن جوهر صناعة الموقف الروسي قائمة على استمرار المناكفة التي تؤمن شرعية سياسية للسلطة.

وفي هذا الإطار كان وزير الخارجية الروسي أكثر وضوحا عندما أكد قبل يومين أن بلاده لا تتوقع صدور قرارات تاريخية خلال قمة جنيف، حين قال “لا نحمل أوهاما ولا نحاول تشكيل انطباع أنه سيتم تحقيق انفراجات أو صدور قرارات تاريخية تحدد المصير”.

وعليه مهما بالغت موسكو في دورها، فإن الأرقام كافية لتكذب الغطاس، ولن تستطيع الصمود طويلا في مواجهة استراتيجية الاستنزاف الأمريكية التي نجحت في تجويف النظام  ودفعه للهجوم من أجل الدفاع بعد ارتفاع مخاطر الحصار الجغرافي لحدوده الاستراتيجية. ففي جنيف سيكون الكرملين أمام حقيقة مرة بأن الاتفاق على عدم الاتفاق هو حاجة واشنطن في المرحلة المقبلة.

شاهد أيضاً

مرحى… اتفاق تاريخي بين العراق وتركيا حول المياه لكن أين هو؟

 قلم: باسل سواري – النهار العربي الشرق اليوم- مع إعلان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع …