الرئيسية / مقالات رأي / بعض من الدراما الشرق-أوسطية ما بين بايدن وترامب

بعض من الدراما الشرق-أوسطية ما بين بايدن وترامب

بقلم: سمير التقي – النهار العربي

الشرق اليوم- بعد انهيار جدار برلين، جاءت الأزمة الاقتصادية عام 2008 لتهزّ بنيان النظام الرأسمالي العالمي. وفي أوج الأزمة، جمع الرئيس باراك أوباما كبار رجال المصارف والمال في البلاد. وفي لحظة ضعف تاريخية، وبعد أخذ وردّ طويلين، فهموا خطورة الكارثة، وفرض عليهم، الرضوخ لتأميم نسبي للبنوك الأميركية الرئيسية، مقابل إنقاذها من الإفلاس. اشترت الخزينة الأميركية ديون القطاع المالي- المصرفي، مقابل حصولها على حصّة الأسد من أسهم المصارف، لتفرض ضوابطها في إدارة أموال الأمة والعالم.

لم يكن ذلك الحدث، مالياً او مصرفياً بحتاً، بل كان حدثاً هزّ بنية العالم بعمق. وبعد ذلك، كان لا بدّ لهذه القوى المالية المهولة أن تنتقم من ذاك النموذج الديموقراطي الليبرالي الذي تطاول على امبراطوريتها وتحالفاتها الكونية. وقد انتقمت، وستبقى تنتقم.

في وضع مليء بالمجاهيل وعدم اليقين تنطوي مغامرتنا لرسم سيناريوات أولية للانتخابات الرئاسية الأميركية، على مخاطر قد تكون مخزية. لذلك، لن ندّعي، بالطبع، القدرة على التنبؤ ولا حتى على بناء او ترجيح السيناريوات.

لكننا نكتب، كنوع من الرياضة الذهنية التجريبية المعطوبة. فنحن نقترح سلفاً، استبعاد فرضيات نوعية، وكاسرة، قد تقلب العالم رأساً على عقب. لا يعني ذلك اننا نستبعد حصول هذه الفرضيات، بل نستبعدها تعسفاً لتبسيط التحليل.

الفرضية الأولى أن لا تدخل الصين، في المدى المنظور، في صراع مباشر أو عنيف. ثانيها أن لا يتطور الوضع الداخلي الأميركي نحو حرب أهلية مدمّرة. ثالثها أن لا تنخرط أميركا بتوجيه ضربة استراتيجية لإيران. ورابعها أن لا ينزلق العالم نحو صراع كوني مفتوح.

الصراع القائم بين الرئيسين الأميركيين الحالي والسابق، ليس شخصياً، فكلاهما بلغ بهما العمر ما بلغ، ولا حول ولا قوة له. وليس صراعاً حزبياً بين محافظ وليبرالي. فدونالد ترامب ذاته، جاء من خارج الحزب الجمهوري، وتعارض كتل واسعة من الديموقراطيين جو بايدن في سياساته الداخلية والخارجية. لكن التناقض بين الرئاستين يكمن في تعارض أجندتين وفلسفتين كونيتين، لمستقبل مشروع النمو الرأسمالي الكوني على طول العالم الديموقراطي وغير الديموقراطي.

وفي حين يعطي معسكر بايدن الأولوية لمعالجة التناقضات الاجتماعية، وتكريس نموذج هجين لدولة الرعاية، فإنّه يعطي الأولوية للمصالح الكونية الجيو-استراتيجية الدولية للولايات المتحدة، ليضعها فوق المصالح الاقتصادية المباشرة للشركات والمؤسسات المالية.

يعتقد معسكر بايدن في إمكان الاحتفاظ بقيمه المؤسسة، التي سمحت بتفوق نموذج الدولة الغربية، الذي انتهى بتفكيك الاتحاد السوفياتي “بسلام”، وسمح لها لاحقاً باستعادة ريادتها في عالم متعدد الأقطاب.

لذلك يمكن توقّع أن يستمر بايدن في تذخير القدرات الاقتصادية الأميركية، وتفكيك العولمة الراهنة، ليحرم خصومه الدوليين من ميزاتها. وليمتد معسكره من يمين الوسط في أوروبا، مروراً بفرنسا ماكرون، ثم بالتيارات الليبرالية الجديدة في ألمانيا، إلى التيار العلماني في إسرائيل وأميركا اللاتينية ومنها إلى اليابان الخ…

وفي المقابل، يعكس معسكر ترامب، المصالح السائدة لأصحاب رؤوس الأموال الصاعدين ككتل مالية نافذة تضرّر أغلبها في صفقة 2008. لذلك فإنّها تنتفض لتطلق العنان، لقدراتها المالية الصاعدة. لذلك يرجح أن يميل هذا المعسكر دولياً نحو الصفقات الاقتصادية والشراكات المالية.

من المتوقع، أن يعمل ترامب بدوره على تفكيك العولمة، ليعيد تشكيلها وفق تقسيم عمل دولي جديد، يمتد من بريطانيا البريكست، إلى أوروبا هنغاريا، إلى نتنياهو إسرائيل، إلى لوبن فرنسا الخ… وصولاً إلى تبادل المصالح مع المؤسسة الحاكمة حول بوتين في روسيا.

وماذا عن تداعيات ذلك على شرقنا الأوسطي العاثر؟

في سياق الفرضيات السابقة، وفي حال نجاح بايدن، يرجح الخبراء استمرار تبدّلات المقاربة الأميركية الواسعة لمصالحها، على ضوء التحولات الاستراتيجية في أوروبا والشرق الأوسط.

لذلك، نستطيع ترجيح أن يستمر الانقسام الدولي المعادي لروسيا، لينعكس بسحب نهائي للتوافقات الأميركية- الروسية لتقسيم النفوذ في الإقليم، وترجيح دور أوروبي مباشر ونشط.

وبدورها، إذ تسعى إدارة بايدن لخفض حدّة الصراعات في الإقليم، فهي تأمل بأن يسمح ذلك بإغلاقها المنطقة أمام اختراقات روسيا والصين. لذلك تعمل لتعزيز تحالفات إسرائيل مع الدول الصديقة لأميركا في المنطقة، وصولاً إلى توازن استراتيجي إقليمي ذاتي صديق للولايات المتحدة، يسمح لها بالالتفات لمجابهة روسيا ومنافسة الصين.

من جهة إيران، فلقد انكسر بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، مزراب العين بين الأجهزة الأميركية والإسرائيلية من جهة، والإيرانية من جهة أخرى. اللهمّ الّا تكتيكات ضبط الصراع.

وبعدما صارت إيران، داخل نادي “القنبلة النووية على الرف”، لم يعد الاتفاق النووي- الإيراني سوى شأن استراتيجي رمزي، لتصير أذرع إيران ودورها الاقليمي هي الهاجس الأمني المركزي. ولتصبح ساحة الصراع مع إيران ليس في فيينا بل على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية.

وفيما تشعر المملكة العربية السعودية بثقة كبيرة، فإنّها تصرّ على ربط التطبيع مع إسرائيل بحصول تقدّم لا رجعة فيه نحو حل الدولتين. لذلك تجنح إدارة بايدن حالياً نحو اتفاق استراتيجي منفصل مع السعودية يشمل الدفاع وتبادل التكنولوجيا. ونحن نعتقد أنّ النهج الراهن لإدارة بايدن في الإقليم سيستمر في الاتجاه ذاته. وفي المقابل، وبغض النظر عمّا يقوله الإعلام، تشير الوقائع العملية إلى أنّ علاقات الثقة التركية- الأميركية صارت أقوى وأوطد، لتصبح تركيا حليفاً فاعلاً في وسط آسيا والقوقاز والبلقان وسوريا.

أما في حال عودة ترامب للبيت الأبيض، فتشير دراسات الخبراء انّه سيميل أكثر نحو الخروج استراتيجياً من المنطقة، مقابل ترجيح التحالفات المالية مع القوى المالية الرئيسية في الإقليم. وحتى لو كان الخروج الأميركي نسبياً، فسيعني حتماً إعادة التفويض الاستراتيجي لروسيا، لملء الفراغ. بل من المرجح أن يعتمد ترامب على روسيا لضبط سلوك إيران. فقد عارض ترامب طويلاً محاولات نتنياهو جرّه لمجابهة مباشرة مع إيران لتصفية قدرتها النووية. فليس ترامب رجل حرب، بقدر ما هو رجل صفقات مع “الأقوياء”، ومن المنطق ذاته يرجح أن يميل لتقسيم العمل مع روسيا.

من جهتها، وفي مناخ كهذا، ستجد أوروبا وتركيا نفسهما، من جديد، أمام حتمية التوافق مع روسيا وإيران في العالم والإقليم، والبحث معها عن المصالح المشتركة، سواءً في سوريا، أو القوقاز، أو البحر الأسود، أو المتوسط.

ليست هذه السطور أكثر من مغامرة ذهنية. وفي علم كهذا، طالما كان الواقع أكثر ثراءً، وألماً، وتشاؤماً، واختلاطاً!.

شاهد أيضاً

في تفسير تحدّي إسرائيل للقوانين والمعايير الدولية

بقلم: ماجد كيالي- النهار العربي الشرق اليوم- لا يوجد وقت وجدت فيه إسرائيل نفسها مكشوفة …