الرئيسية / مقالات رأي / الحرب الخجولة المتواضعة!

الحرب الخجولة المتواضعة!

بقلم: محمد صلاح- النهار العربي
الشرق اليوم- لم تكن حرباً شاملة أو حتى محدودة، ولم يكن هجوماً مفاجئاً او مجرد هجمة مباغتة، هي مجرد رسالة جرى تسريبها قبل إرسالها، قصيرة في حجمها وفترة انتظارها أطول من فقراتها، مفادها أنّ الاعتداء على القنصلية الإيرانية في دمشق أحرج إيران واستلزم منها رداً للحفاظ على القواعد الجيوسياسية للإقليم وردّ الاعتبار وترسيخ الهيبة امام الوكلاء والاتباع والمناصرين، لكن من دون أذى أو ضرر لإسرائيل التي يحتاج رئيس حكومتها إلى نصر معنوي يلملم به جراح حلفائه وأوجاع مناصريه، ويشدّ به انتباه معارضيه وكارهيه، ويستعيد به رضا داعميه في الغرب ويستميل به مجدداً مواقف هؤلاء الذين لم يعتد بتأنيب ضمائرهم له بعدما وجدوه يطيح كل القيم التي روّجوا لها.

فبينما الإقليم متوتر وإسرائيل تسعى إلى الخروج من مأزق عملية “طوفان الأقصى” وكذلك إعادة السمعة إلى جيشها الذي ظل على مدى 7 شهور يستهدف المدنيين الفلسطينيين ويمارس حرب تجويع وتعطيش وتهجير ضدّهم، وأيضاً تفعيل منظومة الردع التي فشلت في “طوفان الأقصى”، وحين كان نتنياهو يسعى إلى خلق فزاعة جديدة حتى يستطيع توحيد المجتمع الاسرائيلي، جرى تهويل الضربة الإيرانية وعاد الغطاء الأميركي لإسرائيل بعدما كان بدأ يتقلص. فجرى استخدام الهجوم الإيراني لخلق خطر وجودي جديد يعيد التعاطف والدعم. جلس الناس في منازلهم وأمام الشاشات وخلف أجهزة الكمبيوتر او في أيديهم هواتفهم يتابعون مسار مسيّرات وصواريخ أعلنت ايران انّها اطلقتها ضدّ أهداف إسرائيلية، وبمرور الوقت بدأوا عملية حسابية لعدد المسيّرات التي التقطتها الدفاعات الجوية والقبب الحديدية والطائرات الإسرائيلية والأميركية والبريطانية، ليناموا ليلتهم بعدها، بعدما بدأوا يسألون أنفسهم عن التوقعات بشأن الردّ الإسرائيلي!

تملك إيران نوعيات مختلفة من المسيّرات والصواريخ، بينما يدرك العالم أنّ إسرائيل لديها نظام دفاع جوي متطور كما تحظى بحماية أميركية وغربية، والهجمة الإيرانية أو الردّ على الاعتداء الإسرائيلي على قنصلية إيران في دمشق جاء ‏عبر مئات الطائرات المسيّرة الانتحارية، أغلبها من طراز شاهد 136، تمّ إسقاط معظمها خارج إسرائيل، وصواريخ كروز ‏والصواريخ الباليستية، والتي تمّ إعتراضها فوق صحراء النقب والقدس، بينما قامت ‏إسرائيل في المقابل باستخدام مقاتلاتها بشكل مكثف على مدار الساعات التي أعقبت اطلاق المسيّرات والصواريخ، لدعم عمليات اعتراض الأهداف الإيرانية المهاجمة، وذلك بشكل مشترك مع منظوماتها الدفاعية “القبة الحديدية” و”مقلاع داود”، إلى جانب منظومات “الباتريوت” و”الأرو” لاعتراض الصواريخ الباليستية، إضافة الى الدعم العسكري الذي قدّمته دول عدة، أبرزها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لإعتراض الأهداف الإيرانية قبل وصولها إلي المجال الجوي الإسرائيلي، حيث تمّ اعتراض أكثر من 100 مسيّرة إنتحارية.

وجد متابعو الهجمات الإيرانية انّ الحرب لم تعد خدعة أو تعتمد على الخداع الاستراتيجي، فالهجوم الإيراني بالمسيّرات والصواريخ على أهداف اسرائيلية كان معلناً، بل انّ العالم انتظر لساعات حتى يعرف تأثير الهجوم وتداعياته، لكن الأغرب انّ الإدانات الغربية صدرت حتى قبل ان تصل المسيّرات او تتفجّر الصواريخ او يتمّ اعتراضها، وكانت النتيجة النهائية لتلك الحرب الخجولة المتواضعة انّ ايران اعتبرت انّها انتقمت وحفظت ماء الوجه وردّت الاعتبار، ونشط إعلام تنظيم “الاخوان” الإرهابي وكل المنصّات والقنوات الداعمة لإيران في التسويق لأول هجوم إيراني مباشر من الأراضي الإيرانية ضدّ إسرائيل، وانّ كلفة التصدّي للمسيّرات والصواريخ تجاوزت مليار دولار، وانّ الهجوم حقق أهدافه ضدّ قواعد ومواقع عسكرية إسرائيلية، وبث مشاهد لإسرائيليين يهرعون الى المخابئ والأماكن الآمنة، والتشديد على انّ بُعد المسافة يبطل عنصر المفاجأة.

في المقابل، فإنّ اسرائيل التي تواجه اتهامات دولية بإبادة الفلسطينيين، استغلت الردّ الإيراني لتجهّز رداً، وسعت الى ان تسترد صورتها المزعومة كـ”ضحية” واسرع الغرب الى حمايتها والدفاع عنها وإظهار مكامن قوتها، من دون أن تخسر آلية عسكرية او طائرة او حتى جندياً، وخرج نتنياهو الى الإعلام مستعيداً زخم حكومته المتهاكلة محاولاً استعادة الدعم السياسي والشعبي لها محلياً وعالمياً، مع توقعات بأن تحصل إسرائيل على مساعدات مالية وعسكرية ضخمة جديدة من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، بعدما كانت هناك معارضة لذلك الامر بسبب جرائم الجيش الإسرائيلي ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، التي غابت أخبارها وتوارت مشاهدها الدامية حين كان العالم ينظر الى السماء حيث الدفاعات تصطاد المسيّرات والصواريخ الإيرانية.

على مدى عقود سعت إيران الى نشر الميليشيات التابعة لها في الدول العربية، واستخدمت كل انواع الحروب لتحقيق ذلك الغرض، ووجدت دعماً ومساعدة وتواطوءاً دائماً من حركات وجماعات وتنظيمات محلية تدّعي الدفاع عن الإسلام وتتاجر بالدين وتسعى الى إسقاط أنظمة الحكم، ونشطت واستخدمت حلفاءها المحليين في الدول العربية، وبينهم جماعات وتنظيمات سنّية، في اعتماد اسلوب “الحرب اللامتماثلة” لتحقيق أهدافها، تلك الحرب التي ابتدعها الاميركيون وجرى اعتمادها وسيلة حرب جديدة عقب زوال الاتحاد السوفياتي، عندما أعاد خبراء الأمن القومي الأميركي النظر في السياسات الدفاعية، وتوصلوا إلى أنّ زوال الاتحاد السوفياتي أفضى إلى ظهور واقع آخر وحقائق جديدة على الساحة الدولية، أهمها أنّ أي دولة من دول العالم لا تملك القدرة التي تؤهّلها للدخول في حرب تقليدية مع أميركا بحكم التفوق الكاسح لقواتها، لكن ذلك لا يعني أنّ الولايات المتحدة لا تواجه تهديدات ومخاطر جراء التطورات التي بدأت تتسارع على الساحة الدولية، خصوصاً ظاهرة الإرهاب الدولي الذي لم يعد مقصوراً على مساحات جغرافية محدودة، وتوسع نشاط عناصره في العالم بعدما تخطّت مناطق بعينها كان يتركز فيها، وبدأت أفكاره القائمة على تكفير الآخرين والانتقام منهم، بالتغلغل إلى مجموعات من المحبطين والمتضررين من السياسات الأميركية والأدوار التي تقوم بها واشنطن في العالم، خصوصاً في ظل تنامي دور الإعلام في نقل الصراعات وملاحقتها، إضافة إلى أنّ العولمة وثورة التكنولوجيا والتقدّم الذي جرى في وسائل الاتصالات أفضى إلى إتاحة وسائل جديدة للعمليات الإرهابية.

التقطت ايران الخيط ودرّبت أذرعتها وحلفاءها من التنظيمات المتأسلمة على استخدام “الحرب اللامتماثلة” غير المرتبطة بوقت محدّد ولا تخوض فيها الجيوش المعارك وإنما مداها مفتوح، وهدفها إسقاط دولة أو حكم أو ضرب اقتصاد أو السيطرة على شعب من دون حرب أو تحريك جيوش أو الحاجة إلى تسيير بوارج في البحار والمحيطات أو طائرات في الجو، ويؤدي استخدامها بكفاءة إلى تفتيت البنية المجتمعية عبر سيل من الشائعات والأكاذيب والتشكيك في كل حقيقة باستخدام الغاضبين والثائرين وطالبي الشهرة ومحترفي الثأر، وإفساح المجال أمام الإعلام لضخ الطاقة السلبية بين الناس. كل الدول العربية التي انهارت راحت ضحية للحرب اللامتماثلة لتحل الميليشيات الموالية لإيران محل الجيوش الوطنية، ولتدفع الدول العربية التي نجت من مخاطر المؤامرات والفتن والتنظيمات الموالية لايران ثمن شطط الميليشيات وولاءاتها.

شاهد أيضاً

جامعات أميركا… حقائق وأبعاد

بقلم: إياد أبو شقرا- الشرق الأوسطالشرق اليوم– «الانتفاضة» التي شهدها ويشهدها عدد من الحُرم الجامعية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *