الرئيسية / دراسات وتقارير / التعبئة العامة “هاجس” يلاحق المدنيين في روسيا وأوكرانيا

التعبئة العامة “هاجس” يلاحق المدنيين في روسيا وأوكرانيا

بقلم: سامي عمارة- اندبندنت
الشرق اليوم– قال الباحث السياسي الألماني ألكسندر رار “لقد بدأ الغرب يدرك ببطء أن أوكرانيا تبالغ في تقدير قدراتها العسكرية، كما أنهم باتوا يدركون أن مزيداً من الدعم العسكري للأوكرانيين لن يؤدي إلى الهزيمة المرغوبة لروسيا، بل إلى إضعاف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مالياً وعسكرياً”، وذلك تقدير يشاركه فيه كثيرون من الساسة والمراقبين من منظور تباين الظروف التي يجرى فيها تجنيد المواطنين بموجب متطلبات التعبئة العامة أو الجزئية في كل من روسيا وأوكرانيا.

وذلك فضلاً عن رحيل كثيرين من سكان أوكرانيا الذين قدرتهم وكالة الأنباء الأوكرانية بتسعة ملايين شخص منذ بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في 24 فبراير (شباط) 2022.

وإذا أخذنا في الاعتبار سكان المناطق الأربع التي كانت “أوكرانية” وانضمت إلى روسيا تباعاً بعد انضمام شبه جزيرة القرم في عام 2014، ويبلغ عددهم قرابة ما يزيد على أربعة ملايين نسمة، فإننا نكون أمام صورة بالغة القتامة، تزيد من حدتها الخسائر البشرية الضخمة التي تُمنى بها القوات الأوكرانية منذ بداية المعارك على خطوط التماس بين القوات الأوكرانية ومثيلاتها الروسية.

وحتى الحد الذي يقولون معه، إن أوكرانيا تكاد لا تجد بعد من يمكن أن توفده إلى معسكرات الغرب للتدريب العسكري اللازم هناك له نفس القتامة، إلى جانب الحاجة إلى تشديد “التعبئة القسرية” لكل مواطني أوكرانيا، بوصفها السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة.

التعبئة العامة

هذه القضية تكاد تفرض واقعاً جديداً في المجتمع الأوكراني، في وقت ثمة من يقول إنها تكاد تكون سبباً في اندلاع الحرب الأهلية، وذلك ما تعيشه أوكرانيا منذ مداهمة النيابة العامة لأكثر من 200 من مراكز التجنيد والتعبئة العامة في البلاد، وذكرت مصادر بها أن المحققين عثروا على ما يشير إلى تورط المسؤولين عن هذه المراكز في تسهيل هرب الشباب من التجنيد من خلال منحهم شهادات الاعتراف بعجزهم الصحي عن الخدمة مقابل دفع الرشوة.

وكان الرئيس فولوديمير زيلينسكي أصدر تعليماته بإقالة جميع المسؤولين عن هذه المراكز على خلفية دعاوى جنائية بما يشكل تحدياً رئيساً للقيادة السياسية الأوكرانية، لتكون إضافة إلى متاعبها الأخرى التي تواجهها داخل الجيش ووزارة الدفاع.

وتشهد أوكرانيا في الفترة الأخيرة الغارات والمداهمات التي يشنها المفوضون العسكريون وموظفو مكاتب التسجيل والتجنيد العسكري للقبض على الرجال في الشوارع والمطاعم ونوادي اللياقة البدنية تحت تهديد السلاح، واعتقال المتهربين والرافضين للتجنيد العسكري، ونقلهم قسراً إلى مكاتب ومراكز التجنيد العسكرية.

وقامت قوات الأمن بمداهمة عدد من المصحات واعتقال جميع من فيها، وهو ما كان سبباً في سخط واستياء القيادة السياسية في هنغاريا ممن ينتمي إليها كثيرون من مواطني هذه البقاع التي جرى ضمها قسراً إلى أوكرانيا بموجب نتائج الحرب العالمية الثانية.

وكان رئيس الحكومة الهنغارية فيكتور أوربان طرح ذلك في تصريحاته الرسمية احتجاجاً على سياسات كييف، وتأكيداً على رفض انضمامها إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، على أن هناك أيضاً من يقول من مواطني أوكرانيا، إن خطر التمرد وزعزعة الاستقرار السياسي سيتزايد في أوكرانيا، نتيجة تفاقم الحالة المزاجية في المجتمع، مما قد يؤدي أيضاً إلى خفض معنويات القوات المسلحة الأوكرانية، وذلك في وقت يتوقع فيه البعض “تشديد الرقابة على الحدود الأوكرانية، فضلاً عن عدم السماح للرجال الذين تراوحت أعمارهم بين 18 و60 سنة بمغادرة البلاد، واحتمالات تطبيق نفس الحظر على النساء”.

وكانت الصحافة الغربية تناولت أيضاً هذه القضية ومنها صحيفة “نيويورك تايمز” التي نشرت مقالاً وصفت فيه المفوضين العسكريين الأوكرانيين بالخاطفين، مشيرة إلى أن “القائمين على التجنيد في الجيش أصبحوا أكثر عدوانية”، وقالت “إنهم يختطفون الرجال من الشوارع ويسلمونهم إلى مراكز التجنيد باستخدام الضغط النفسي وحتى القوة الجسدية”.

تجنيد الفتيات والنساء

وتجري مناقشة مسألة تعبئة المرأة على المستوى التشريعي، إذ قالت نائبة البرلمان الأوكراني ماريانا بيزوغلايا، إن هذا منصوص عليه في مشروع القانون الجديد، الذي سيتم تسجيله في البرلمان في الفترة القريبة المقبلة.

وأضافت بيزوغلايا وهس عضو مجلس الرادا (البرلمان) عن الحزب الحاكم “خادم الشعب”، أنه لن يتم قبول النساء في المناصب القتالية، “لكن هناك حاجة إلى رجال الإشارة والعاملين في الإدارات المالية والقانونية وضباط الأركان، وكذلك الطهاة والأطباء في القوات المسلحة الأوكرانية”، ووفقاً للبيانات الأولية، ستعمل النساء مع الرجال حتى سن الـ60.

وفي الوقت نفسه وعدت النائبة البرلمانية أن تحصل المرأة على “حق تأجيل التجنيد” في حالة الحمل، إضافة إلى ذلك، ينص مشروع القانون على تأجيل التجنيد لأي من الزوجين العسكريين إذا كان لديهما أطفال، أي إن النساء في بعض الحالات سيكون بمقدورهن استبدال أزواجهن.

وكان الرئيس زيلينسكي وعد في مؤتمر صحافي في نهاية العام، بأنه لن يوقع على قانون “تعبئة المرأة” إذا اعتمده البرلمان الأوكراني، وحول فكرة خفض سن التعبئة من 27 إلى 25 عاماً، أشار الرئيس الأوكراني إلى أنه سيوافق على هذه المبادرة إذا تم تقديم جميع الحجج.
وكان أوليغ سوسكين المستشار السابق ليونيد كوتشما قال، إن الرغبة التي أعلنها الرئيس الأوكراني زيلينسكي في وقت سابق في تكثيف التعبئة يمكن أن تؤدي إلى حرب أهلية في البلاد، مشيراً إلى عدد من العوامل المزعزعة للاستقرار، ومنها أنه “لا يوجد مال حتى الآن، وهناك خفض في قيمة العملة الوطنية، وسيكون هناك تضخم، وسيبدأ العمل بنظام البطاقات، فضلاً عن عدم تحقيق النجاح على الجبهة، وغير ذلك من السلبيات الجسام”.

وكان وزير الدفاع الأوكراني رستم عميروف قال في وقت سابق، إنه حتى نهاية “العملية الخاصة”، لم يتم التخطيط لتسريح المواطنين الذين تم تجنيدهم بالفعل في القوات المسلحة للبلاد.

تعاقد طوعي

على العكس مما يجري في أوكرانيا في شأن تشديد الرقابة على تنفيذ قرارات التعبئة العامة أو الجزئية، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إنه لن تكون هناك موجة جديدة من التعبئة في روسيا الاتحادية، وأنه لا حاجة إلى موسكو بمثل هذه القرارات.

وكانت روسيا أعلنت بعد الموجة الأولى للتعبئة الجزئية في سبتمبر (أيلول) 2022 عن “تجنيد” نحو 500 ألف متطوع ومتعاقد، من ثم فإن الموجة الثانية من التعبئة لن تكون ضرورية، بحسب ما قال الرئيس الروسي. وكانت موسكو أقرت التعاقد الطوعي بمكافآت وامتيازات مجزية، بحيث يتقاضى المتطوع مكافأة تبدأ من 2500 دولار، فضلاً عن الامتيازات التي يحصل عليها هو وذووه، وهو ما يجري الدعاية له في كل وسائل الإعلام الروسية الرسمية، منذ بداية “العملية العسكرية الروسية الخاصة” في أوكرانيا.

وكان بوتين أعلن في حواره السنوي المباشر مع مواطنيه حول نتائج عام 2023 أنه لا حاجة إلى التعبئة بعد تجنيد 300 ألف شخص خلال التعبئة الجزئية الأولى، وتجنيد 486 ألف شخص من خلال “التعاقد الطوعي مع وزارة الدفاع الروسية”، مضيفاً أن هناك 617 ألف شخص في منطقة القتال في أوكرانيا.

وكان وزير الدفاع سيرغي شويغو اقترح في يناير (كانون الثاني) الماضي زيادة تعداد الجيش الروسي حتى 1.5 مليون جندي، بما في ذلك ما يصل إلى 695 ألف جندي متعاقد “لتأمين حل مشكلات الأمن العسكري” للبلاد، ومن المقرر تنفيذ هذه الخطط حتى عام 2026.

وقال نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس الدوما يوري شفيتكين، إنه لا يتوقع حتى الآن، المرحلة الثانية ولا الثالثة ولا التعبئة العامة.

موقف وطني

وعما إذا كانت التعبئة الإضافية ممكنة في روسيا، قال بوتين، إن نحو 270 ألف شخص في روسيا وقعوا طوعاً على عقود الخدمة العسكرية خلال الأشهر القليلة الماضية. أضاف “لقد استدعينا 300 ألف شخص”، في إشارة إلى الموجة الأولى من التعبئة الجزئية التي كان أعلن عنها في روسيا خلال الفترة من 21 سبتمبر (أيلول) إلى 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2022. وفي نهاية أكتوبر الماضي أعلنت وزارة الدفاع عن الانتهاء من مهمة تجنيد 300 ألف شخص من الاحتياط، بما يعني ضمناً أنه لم يعد هناك حاجة إلى التعبئة، سواء الجزئية أو العامة.

وفي هذا الصدد قال نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي دميتري ميدفيديف، إنه منذ يناير 2023، تم قبول نحو 325 ألف شخص في “الخدمة التعاقدية في القوات المسلحة الروسية”، بعضهم من المتطوعين، بما يعني أن مسألة التعبئة “وصلت إلى نهايتها”، بحسب ما قال الرئيس الروسي.

وكان سيرغي شويغو وزير الدفاع في روسيا الاتحادية قال في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن “هيئة الأركان العامة ليس لديها حالياً خطط لتعبئة إضافية”، وأن القوات المسلحة الروسية لديها العدد اللازم من الأفراد العسكريين للقيام “بالعملية الخاصة”، موضحاً أن ذلك يتم وإلى حد كبير، بفضل “الموقف الوطني القوي لمواطنينا، الذين ينضمون بنشاط إلى صفوف المدافعين عن الوطن”.

كما أعلن عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس الدوما الجنرال أندريه جوروليوف أن وزارة الدفاع لديها خطة لتوظيف 420 ألف عسكري متعاقد بنهاية العام الحالي.

وفي سياق نفيه للإشاعات التي تداولها البعض حول احتمالات موجة جديدة للتعبئة في روسيا، أكد النائب الأول لرئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الاتحاد فلاديمير جاباروف عدم صحة هذه الإشاعات، وأنه لا حاجة إلى ذلك حتى الآن، واستشهد المسؤول البرلماني الروسي بما قاله وزير الدفاع الروسي حول أن هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة لروسيا الاتحادية لا تخطط للقيام بتعبئة إضافية، وأن هناك ما يكفي من الأفراد العسكريين للقيام بـ”العملية الروسية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا.

وأضاف جاباروف “لقد رتبنا أمور التعبئة لدينا، وتبددت الإشاعات التي أثارتها الموجة الأولى من التعبئة الجزئية، ولن يثير أحد مسألة تعبئة المواطنين”، مشدداً على أنه “لا توجد حاجة إلى ذلك”.

وأكد المسؤول البرلماني أنه خلال العام الماضي انضم عدد كبير من المتطوعين والجنود المتعاقدين إلى الجيش، وهؤلاء الناس، أزالوا مسألة التعبئة الإضافية، مضيفاً “متأكد تقريباً من أنه لا يوجد تهديد يتطلب تجنيداً إضافياً”.

شاهد أيضاً

موجات نزوح أفريقية تبتلع الجنوب الليبي

بقلم: كريمة ناجي- اندبندنتالشرق اليوم– ربما لا تخشى ليبيا، البلد الذي لا يزال يئن من …