الرئيسية / مقالات رأي / معركة غير مقدّسة على الأرض المقدّسة

معركة غير مقدّسة على الأرض المقدّسة

بقلم: عمرو فاروق- النهار العربي
الشرق اليوم– ما يدور في الداخل الغزيّ حالياً لا يمثّل عاملاً طارئاً على مسرح السياسة الإسرائيلية، لكنه جزء من الإطار العام لحرب التدمير التي يمارسها الجيش الإسرائيلي منذ عام 1948، للقضاء على “الأغيار” الذين يقفون عائقاً أمام بناء الدولة اليهودية، وفقاً لسياسات استعمارية مؤطّرة بمسوغات ومفاهيم “الحرب الدينية”، المتحكّمة في الاستراتيجيات السياسية والعسكرية للكيان الصهيوني.

الحقيقة التي لا يجب أن نتهرّب من نتائجها، تتمثل في أنّ القضية الفلسطينية أكبر من مجرد نزاع سياسي مسلّح، لكننا أمام معركة غير “شريفة”، وغير “مقدّسة”، تمّ صبغها بـ”مفردات مقدّسة” من قِبل دولة الإحتلال الإسرائيلي، التي شرعنت لجرائمها، وهيئة ضباطها وجنودها، بمفاهيم محمّلة بالإطار الديني، سعياً لاقتلاع الهوية الفلسطينية والعربية من قلب المدينة المقدّسة.

المرجعية الدينية للفكر العسكري الإسرائيلي، قائمة على أنّ الحرب عمل مقدّس، وفقاً لما قاله “موشي جورين”، حاخام الجيش الإسرائيلي، إبان الجولة الثالثة في حزيران (يونيو) 1967، من أنّ “حروب إسرائيل الثلاث مع العرب في سنوات 1948، و1956، و1967، هي حروب مقدّسة، إذ دارت أولها من أجل “تحرير إسرائيل”، والثانية لـ”تثبيت أركان دولة إسرائيل”، والثالثة لـ “تحقيق كلمات أنبياء إسرائيل” تنفيذاً لتحقيق أمنها القومي”.

اليمين المتطرّف لم يدخل إلى المسرح السياسي الإسرائيلي فقط، إنما تمدّد داخل المؤسسة العسكرية، في ظلّ تنامي دور الحاخامات اليهود، في تعبئة الجنود برسائل دينية ممنهجة، تدور حول “أنّ الشعب اليهودي جاء إلى الأرض المقدّسة (فلسطين)، بتكليف إلهي، وأنّ الله كتب عليهم القتال لتحرير وتطهير الأراضي المقدّسة من أغيارها ومستعمريها”.

منذ صعود الأحزاب الدينية في العمق الإسرائيلي، تمّ تنفيذ أجندة ترتكز على توسيع دور المؤسسات الدينية ومخصّصاتها المالية، للقيام بدور فاعل في توجيه المنظومة العسكرية، وترسيخ التعاليم الدينية التي تحضّ على القتال، والاستعداد لـ”الحرب المقدّسة”، وتسويغ مبررات الحرب وتزيين أهدافها، سعياً إلى تحقيق مفاهيم “دولة الشريعة التوراتية”، ومن أبرز مظاهرها التمسّك بارتداء “القلنسوة اليهودية” في حفلات التخرّج من المعاهد والكليات العسكرية العليا، بدلاً من ارتداء الزي العسكري التقليدي، وإلزام الضباط والجنود الإسرائيليين بأداء الصلاة والتراتيل قرب مركباتهم وآلياتهم العسكرية.

غالبية وزراء الحكومة الحالية من مؤيّدي حركة “جبل الهيكل”، التي تضع ضمن أهدافها ضرورة تحرير “الهيكل” المزعوم، من الاحتلال “العربي الإسلامي”، في إجادة تامّة لقلب الحقائق، وتزييف الواقع، والتماهي مع مفردات “الحرب الدينية”، وعلى رأس هؤلاء إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي، وسموتريتش، وزير المالية، ورئيس حزب “الصهيونية الدينية”، والموكل بـ”الإدارة المدنية” في الضفة الغربية، وتساحي هنغبي، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي.

في إطار المعركة الدينية غير المقدّسة، عملت الحكومة الإسرائيلية منذ عام 1967، على تسريع وتيرة تهويد الأراضي الفلسطينية، لاسيما مدينة “القدس”، من خلال سياسات مؤثرة في الفضاء الجغرافي والسياسي والاقتصادي، منتقلةً إلى الهيمنة الفكرية والثقافية، عن طريق التلاعب بالرواية التاريخية، والتحكّم في النظام التعليمي، وإجبار المدارس على تدريس مناهج تمّ وضعها خصيصاً لمخاطبة الطالب الفلسطيني، تعمل على انتزاع المضامين المرتبطة بالهوية العربية والتراث الفلسطيني.

الحقيقة التي أضحت جليةً أمام الجميع، أنّه منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ودولة الاحتلال الصهيوني، لا تستهدف حركة “حماس” أو أياً من فصائل المقاومة، لكنها تعمل على إبادة الشعب الفلسطيني، استناداً إلى نصوص توراتية، تصوّر جرائمهم بالمهمّة “الإلهية”، وتحيطها بـ”القدسية”، التي تستلزم تحويل المجتمع اليهودي إلى “شعب مسلّح”، لإتمام فكرة الخلاص، ما يضعنا أمام تحويل للصراع السياسي الاستعماري إلى صراع ديني أصولي، تتبارى فيه الجماعات الأصولية الإسلامية إلى استثمار الحدث بما يضمن ويشرعن بقاءها.

تديين الصراع العربي- الإسرائيلي ليس بدعةً، أو كلاماً غير واقعي، لكنه حقيقة متمثلة في الأحزاب اليمينية المتطرّفة المتزايدة في عمق تل أبيب، والتي أحكمت قبضتها على مقاليد السلطة، في مواجهة حركات الإسلام السياسي، وتزايد صعود حركتي “حماس”، و”الجهاد الإسلامي”، في ظلّ تراجع دور منظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك المؤسسات المدنية والعلمانية الإسرائيلية.

لا شك في أنّ المؤامرة الإسرائيلية على المجتمع الفلسطيني باتت مكتملة الأركان، ولا تحتاج إلى من يدعم أو يصدّق مشاهدها التي هزّت ضمير العالم ووجدانه شرقاً وغرباً، لكنها ما زالت غائبة عن صنّاع القرار الغربي، في ظلّ إصرارهم على مناصرة الدولة الصهيونية تحت مزاعم أحقيتها في الدفاع عن نفسها، تعايشاً مع الكربلائية والمظلومية التي ترتديها لتزييف الحقائق، وإخفاء جرائمها الممنهجة أمام الرأي العام الدولي.

التداعيات المتلاحقة والتصريحات غير المسؤولة من قِبل بعض قيادات حركة “حماس”، حول نقل النشاط المسلّح لفصائل المقاومة إلى الداخل السيناوي، وعلى رأسهم أسامة حمدان، ستضع الدولة المصرية وقياداتها السياسية والعسكرية، أمام خيارات صعبة خلال المرحلة المقبلة، في ظلّ تحذيراتها المستمرة من تمرير السيناريو الإسرائيلي، ووضعها لعشرات الخطوط الحمراء، وسعيها لتجنيب المنطقة حرباً إقليمية مرتقبة، جراء محاولات تصفية القضية، وتحويل سيناء إلى قاعدة عمليات لفصائل المقاومة المسلحة.

ورغم أنّ خيار الحل أقسى من خيار الحرب، فإنّ المصلحة العامة تقتضي التفكير جدّياً في التفاوض السياسي، وعدم الإنصياع لـ”المحور الخميني”، المعرقل لـ”المشروع العربي” المنادي بفكرة “قيام الدولتين”، وإعلان دولة فلسطينية موحّدة بين الضفة والقطاع تحت قيادة السلطة الشرعية، وبما أنّ المتفق عليه ضمناً لا يُصرَّح به علناً، فإنّ حركة “حماس” ما زالت رافضة عملياً للحل السياسي، ومرتكزة في مواقفها على التحرّك العسكري، في ظلّ ارتباطها بالمشروع التوسّعي الإيراني.

شاهد أيضاً

أيهما أخطر؟

بقلم: محمد الرميحي – النهار العربي الشرق اليوم- جاء الزمن الصعب لنسأل أنفسنا: أيهما الأكثر …