الرئيسية / دراسات وتقارير / مقارنة قصف غزة بتدمير دريسدن الألمانية

مقارنة قصف غزة بتدمير دريسدن الألمانية

بقلم: فيديل سبيتي – اندبندنت
الشرق اليوم- قارنت السفيرة الإسرائيلية في بريطانيا تسيبي حوتوفيلي القصف المتواصل لجيش بلادها على قطاع غزة الفلسطيني بقصف الحلفاء لمدينة دريسدن الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، مفترضة أنها كانت “الطريقة الوحيدة” للتغلب على ألمانيا النازية في حينه وللتغلب على حركة “حماس” في قطاع غزة اليوم.

وقامت في هذه المقارنة في وقت واحد بوضع إسرائيل في مصاف الحلفاء وحركات المقاومة الفلسطينية في صف النازية، إذ أدلت بهذا الموقف في مقابلة تلفزيونية مع كاي بيرلي في “سكاي نيوز” حين سأل السفيرة عن الأزمة الإنسانية المتصاعدة في غزة، فنفت وجود أزمة إنسانية في هذه الحرب.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت أجرى المقارنة نفسها في اتصال غاضب مع صحافي “سكاي نيوز” كمالي ملبورن حين قال “نحن نقاتل النازيين”.

مع وضد

في حرب عام 2015 على قطاع غزة كان المحلل الاستراتيجي في الصحيفة الإسرائيلية “جيروزاليم بوست” رفض إجراء المقارنة نفسها بين معركة دريسدن في الحرب العالمية الثانية وحرب غزة التي وقعت في صيف 2014.

كانت عملية تسوية مدينة دريسدن بالأرض عبارة عن قصف متواصل استمر ثلاثة أيام بهدف إجبار ألمانيا النازية على الاستسلام خلال الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، وشارك في هذا القصف أكثر من 800 قاذفة قنابل من الطائرات ومدافع سفن الحلفاء، وانتهت عملية القصف الهائل بتسوية 90 في المئة من أبنية المدينة بالأرض، وقتل مئات آلاف المواطنين الألمان بطريقة أثارت الجدل عالمياً حول توصيف هذه العملية قانونياً والنتائج التي كانت مرجوة منها، خصوصاً أنها كانت بلا دفاعات عسكرية تذكر، وكان أهلها يعيشون بسلام بعيداً من الحرب حتى ذلك الحين، بل كانت تعتبر متحفاً مثل مدينة روما وباريس اللتين حوفظ عليهما خلال الحرب.

دار جدال على مدى عقود حول تنفيذ القوانين والمواثيق الدولية في الظروف المختلفة، وقدرة المنتصر في الحرب على تبرير ما يقوم به تحت أسباب تبدو غير مقبولة أو غير منطقية أو يتم تجريم العدو بسببها في مناسبات أخرى، والجدال نفسه ما زال قائماً منذ ذلك الحين حتى اليوم.

وأعادت الحرب الجارية على قطاع غزة النقاش نفسه إلى الواجهة، أي لماذ يسمح لجيش ما بمخالفة قواعد الحرب المتفق عليها في المجتمع الدولي بينما يتم تجريم جيش آخر في حال اقترف أقل منها جرماً؟

كانت صحيفة “جيروزاليم بوست” أجرت المقارنة عام 2015 بين معارك دريسدن وغزة، فكتب المحلل السياسي إيهود يائيري “إنه الوقت المناسب لتعريف بعض القراء بالأحداث التي وقعت في الـ13 والـ14 من فبراير (شباط) 1945 قبل ثلاثة أشهر من نهاية الحرب العالمية الثانية في أوروبا حين نفذت القوات الجوية البريطانية والأميركية قصفاً هائلاً على مدينة دريسدن الألمانية المعروفة بأنها مركز رئيس للفنون والثقافة والمتاحف الشهيرة والهندسة المعمارية الجميلة والتي تفتقر إلى أي أهمية عسكرية تقريباً”.

لكن المحلل الإسرائيلي رفض المقارنة لأنه “خلافاً لسلوك جيش الدفاع الإسرائيلي خلال الحرب في غزة، لم تقدم القوات البريطانية والأميركية تحذيرات مسبقة من أي نوع، ولم توجه القنابل إلى أهداف عسكرية أو عسكرية محتملة، وعلى العكس من ذلك كان الهدف من كل جهد وتخطيط للهجوم على دريسدن هو تعظيم الموت والدمار”، أي أن إبلاغ الجيش الإسرائيلي المدنيين بترك مساكنهم وتحديد بنك الأهداف بالعسكرية منها، يختلف عما قام به جيش الحلفاء في الحرب الثانية برأي الخبير الإسرائيلي في الحرب التي طاولت غزة قبل ثمانية أعوام.

الماضي والحاضر

كان القصف شديداً، على رغم أن وزن القذائف التي أطلقتها حتى اليوم على قطاع غزة يبلغ أضعاف ما رمته طائرات الحلفاء على دريسدن، والذي أدى إلى ذوبان أسفلت الطرق التي علقت فيها أقدام سكان المدينة الألمان أثناء فرارهم، ثم نشب حريق راح يكبر في المدينة وخلق تيارات من الشدة وصفت بأنها “تشبه الإعصار” ففجرت هواء ساماً شديد الحرارة، واختنق كثيرون حتى الموت، بينما مات آخرون احتراقاً من شدة اللهب.

وقام هجوم دريسدن على خطة أميركية وإنجليزية تستهدف قتل كل من في المدينة كما يبدو أنه يجري اليوم في مدينة غزة، إذ هاجمت موجتان من أسراب الطائرات في الليل دريسدن ثم هاجمت موجة ثالثة في النهار، مما مكن الطيارين من إطلاق النار بسهولة على المدنيين الذين يركضون في الشوارع، وبينما كانت الممرضات يسحبن آلاف المرضى من المستشفيات التي تعرضت للقصف إلى ضفاف النهر تم استهدافهن مع المرضى أيضاً بواسطة الطائرات التي تحلق على ارتفاع منخفض.

هذا الوصف للحرب يشبهه كثيرون اليوم في إسرائيل وخارجها لما يقوم به الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة وكانت السفيرة الإسرائيلية لدى بريطانيا آخر المعلقين عليه، فعمليات القصف تجري أمام شاشات وسائل الإعلام وتطاول المستشفيات والمدارس والأحياء المدنية الآمنة، وكما في دريسدن حين ذكر شهود عيان أنه بعد أسابيع من عملية القصف كانت الشوارع لا تزال مغطاة بعدد من الجثث تم تدمير حوالى 90 في المئة من مباني المدينة، فإن أحياء بأكملها تمت تسويتها بالأرض في مدينة غزة وفي مخيماتها المنتشرة على الشاطىء وفي الداخل.

واستهدف عدد كبير من المستشفيات فراح نتيجة ذلك مئات الضحايا في كل مرة، حتى بلغ عدد قتلى المراكز الآمنة التي يحميها القانون الدولي من التعرض للقصف أكثر من نصف قتلى حرب غزة التي بدأت قبل أقل من شهر بقليل.

يشرح المحلل الإسرائيلي أن سبب عملية دريسدن كان الرغبة العميقة في الانتقام من قصف النازيين لبريطانيا، مما يمكن تطبيقه على ما تقوم به حكومة الحرب الإسرائيلية المصغرة في قطاع غزة عام 2023، إذ إن العملية العسكرية منذ بدايتها قبل شهر لم تحقق أهدافاً عسكرية محددة، بل بدت كما لو أنها عملية انتقام من هجوم حركة “حماس” المفاجىء في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولهذا فإن المقارنة بين مدينتي دريسدن وغزة التي أراد محلل “جيروزاليم بوست” أن يقول إنها غير منطبقة في حالة حرب القطاع عام 2015 يمكن القول إنها تنطبق انطباقاً شديداً في 2023.

أما دافع المحللين الإسرائيليين عام 2015 لرفض المقارنة بين غزة ودريسدن، فهو الدافع نفسه الذي يستخدمه المحللون الإسرائيليون اليوم، أي إنه في صيف عام 2014 اتبعت “حماس” نموذج الحلفاء حين استهدفت على وجه التحديد السكان المدنيين، فبذل الجيش الإسرائيلي قصارى جهده لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين أثناء محاولته القضاء على مواقع العدو التي أطلقت منها الصواريخ.

وقبل القصف، أجرى الجيش الإسرائيلي مكالمات هاتفية تحذيرية مباشرة إلى منازل فلسطينية تم تحديدها على أنها منشآت عسكرية على وشك التدمير، وألقى رسائل مطبوعة بالطائرة تنصح الناس الموجودين في المباني التي يجب إخلاؤها، وكثيراً ما ألقى “القنابل الباردة” كتحذير أخير.

تصريح السفيرة الإسرائيلية في بريطانيا يعكس المقارنة تماماً بما يشبه الالتفاف على هذا التحليل، لتقول إن إسرائيل في هذه المرة تقوم بالدور الذي قام به الحلفاء في قصف المدينة الألمانية المثير للجدل حتى اليوم، أما وجه الشبه فهو أن قصف دريسدن كان معياراً تاريخياً أظهر قوة القصف الاستراتيجي، على رغم اعتبار قانونيين دوليين هذا القصف بمثابة جريمة حرب، بل وصف كثر دريسدن بأنها “هيروشيما” ألمانيا.

المنتصر وكتابة التاريخ

ابتعدت وسائل إعلام الدول المنتصرة في الحرب الثانية من مناقشة هذا الموضوع أو الاعتراف بالمذبحة المقصودة التي جرت في دريسدن كي لا تتم التغطية على ما جرى من مذابح في الهولوكوست في ألمانيا النازية، مما يشرح معنى أن المنتصر يكتب التاريخ، وبذلك يرفع من قيمة مجزرة مرتكبة مقابل أخرى، وقد يجعل من الضحية جلاداً كما يجري اليوم بحق سكان قطاع غزة العزّل الذين يدفعون بصورة جماعية ثمن عمل عسكري قامت به “حماس” على رغم سقوط ما يقارب الـ 20 ألف مدني بين قتيل وجريح ومن بينهم عدد كبير من الأطفال ومن الضحايا الذين ما زالوا تحت الأنقاض.

وتقوم وسائل الإعلام العالمية التي تستقي معلوماتها من الجيشين الإسرائيلي والأميركي عند المقارنة بين حرب غزة الدائرة اليوم وعملية قصف دريسدن باستخدام حجتين لتبرير أعمال القصف الممنهج، فإما تعتبره قصفاً استراتيجياً تستفيد منه إسرائيل كما استفاد منه الحلفاء في حينه، وإما تعتبره حرباً لدولة مدنية متحضرة في مواجهة محاربين يشبهون النازيين.

شاهد أيضاً

موجات نزوح أفريقية تبتلع الجنوب الليبي

بقلم: كريمة ناجي- اندبندنتالشرق اليوم– ربما لا تخشى ليبيا، البلد الذي لا يزال يئن من …