الرئيسية / مقالات رأي / حرب غزة.. معادلات الربح والخسارة

حرب غزة.. معادلات الربح والخسارة

بقلم: طارق فهمي- الاتحاد
الشرق اليوم– تمضي المواجهات الراهنة في قطاع غزة بصورة لافتة، وتتسع المواجهات التي تحمل رسائل متعددة لبعض الأطراف غير المباشرين في المواجهة الثنائية سواء على مستوى النطاق الدولي، ممثلاً في الولايات المتحدة، وبعض الدول الأوروبية، وعلى مستوى الإقليمي ممثلا في إيران ومصر وقطر والأردن باعتبارها أطرافاً ولاعبين مباشرين في محاولة التوصل لحل، أو على الأقل وقف تكتيكي لإطلاق النار. هناك معادلات ربح وخسارة تشمل كل الأطراف الراهنة، والتي تحاول إيقاف المواجهات بعد أن أنجز طرفا المعادلة على الأقل الحد الأدنى من أهدافه.
«حماس» غيّرت قواعد الاشتباك من منظورها الخاص برغم الخسائر الفادحة. وإسرائيل ستتجاوز مرحلة الضربات الراهنة إلى محاولة تغيير الواقع الاستراتيجي وإنهاء أو على الأقل تحييد القدرات العسكرية للفصائل الفلسطينية، وليس فقط حركة «حماس»، وإعادة ترتيب الأولويات الإسرائيلية الخاصة في القطاع في ظل ترتيبات أمنية جديدة ستعمل عليها إسرائيل من خلال محاولات حقيقية لتغيير البعد الديمغرافي داخل القطاع، وهو ما سيقابل بالفعل بتحديات حقيقية في ظل استمرار حالة التجاذب بشأن طبيعة التكتيكات التي يجب العمل عليها في ظل استمرار المواجهات في القطاع حتى الآن.
وفي مقابل ما يتم من محاولات لتحقيق مكاسب لبعض الأطراف، تُسجل الولايات المتحدة دوراً لافتا من خلال توجيه الرسائل تباعاً إلى كل الأطراف سواء للصين أو روسيا، وكذلك لإيران وتركيا ما يؤكد على أن الولايات المتحدة تريد أن تربح مما يجري من خلال إعادة تمركز قوتها العسكرية، والأمر لن يقتصر على دور محدد بل من المحتمل أن تعيد ترتيب أولوياتها في الشرق الأوسط دفاعا عن مصالحها. ولهذا فإن إدارة بايدن تتوقع أن تتعرض مصالحها لمخاطر حقيقية جراء استهداف بعض حضورها الاستراتيجي، ومصالحها الاقتصادية، وهو ما حذرت من تبعاته تقارير المخابرات المركزية، التي تعمل في اتجاه التنبؤ بالمخاطر المحتملة، ومع ذلك تتحرك الولايات المتحدة في اتجاه دعم إسرائيل والتنسيق معها في إطار مواجهات قد تجري، وتمتد خارج قطاع غزة.
وفي المقابل فإن الحضور الروسي والصيني وارد في سياق ما يتم من خلال مناكفة السياسات الأمريكية خاصة في مجلس الأمن وخارجه بهدف تخفيف الضغوطات على منطقة جنوب شرق آسيا من جانب، وتخفيف برنامج العقوبات التي تريد الولايات المتحدة تفعيله على الطرفين. فجاءت أزمة غزة لتصبح إحدى الأوراق التي يمكن توظيفها، وهو ما تتحسب له الولايات المتحدة وبريطانيا جيداً في إطار احتمالات اتساع المواجهات لتدخل إلى مسرح عمليات أخرى، ومنها جبهة الشمال حيث القدرات الأكبر والأخطر ممثلة في «حزب الله»، مما يؤكد على أن معادلات القوة ستمضي في اتجاهات متعددة تشمل إيران إقليمياً، والتي باتت تطرح حضورها انطلاقاً من مواقف معلنة من قبل حركة «حماس»، وسيبرز في الفترة المقبلة حتى مع الدخول في مرحلة جديدة، وفي إطار تفاهمات حقيقية ممتدة، وتشمل توظيف كل الأوراق المهمة الراهنة والمحتملة، والتي يمكن أن يتم استثمارها جيداً.
تريد إيران تخفيف الضغوطات الأميركية، وتوسيع نطاق المواجهة الدبلوماسية مع العمل انطلاقاً من مصالح كبرى يمكن أن تحققها السياسة الإيرانية عبر وكلائها في الإقليم، والتي من خلالهم يمكن أن تمارس ضغوطات حقيقية على الغرب بأكمله، ما يؤكد على أن الرابح إقليمياً قد يكون إيران مع ترقب أطراف آخرين مثل تركيا اعتلاء منصة المشهد، والانتقال إلى استثماره سياسياً في إطار (قاعدة النفقة التكلفة العائد)، الأمر الذي سيدفع دولا مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا لطرح حضورهما استراتيجياً وأمنياً، ومن خلال تأمين مصالحهما، وفي إطار شراكة حقيقية ليس فقط دفاعاً عن أمن إسرائيل، وإنما أيضاً من خلال الإقرار باستراتيجية الحضور الاستراتيجي المقيم في الشرق الأوسط، وهو ما تتفهم أبعاده بعض الأطراف الرئيسية، وتسعى إلى التعامل الرشيد مع تبعاته مع العمل على تمدد المواجهات الراهنة تخوفاً من استهداف الإقليم بأكمله، ودخول المنطقة سيناريوهات متعددة أخطرها العسكري.
وفي ظل ترقب لما هو قادم من مشاهد، تتجاوز الحرب على قطاع غزة، واستهداف حركة «حماس» التي تعاملت من منطق ضيق ومحدود، تحتاج إسرائيل مراجعة مواقفها في إطار ما جرى، وفي ظل مخاوف من مخطط دفعها إلى حافة الهاوية الأمر الذي يعني أن حركة «حماس» ستخرج في كل الأحوال من المواجهات الراهنة بخسائر مع استمرار طرف المعادلة الرئيسي ممثلا في إسرائيل في إنجاز مهامه.
ويبدو أن تصميم المستوى العسكري على الحسم سيدفع بكل الأطراف المعنية والموجودة في المشهد إلى لعب دور محدد والانتقال المرن إلى مرحلة أخرى من الاشتباك السياسي والاستراتيجي بحثاً عن مصالحها، مما قد يؤدي إلى مزيد من المواجهات، والتصعيد ليصبح الشرق الأوسط ساحة لصراعات أخرى أكثر خطورة، وفي إطار تسخين جبهاته مقابل تخفيف الضغوطات السياسية والاستراتيجية على إقليم جنوب شرق آسيا، والننتظر ما الذي ستقوم به الصين وروسيا في مقابل الحضور الأميركي الأوروبي.
*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية.

شاهد أيضاً

هل تأخّر بايدن في تعليق شحنة القنابل؟

بقلم: سميح صعب – النهار العربي الشرق اليوم- التردّد الذي يبديه الرئيس الأميركي جو بايدن …