الرئيسية / مقالات رأي / وجهة النظر الإسرائيلية في شأن فكرة التطبيع مع السعودية

وجهة النظر الإسرائيلية في شأن فكرة التطبيع مع السعودية

بقلم: ماجد كيالي- النهار العربي
الشرق اليوم– منذ تسريب أخبار احتمالات التطبيع بين إسرائيل والسعودية، باتت تلك المسألة في مركز اهتمامات الإسرائيليين، السياسيين وأصحاب الرأي في الصحف والمجلات، بالنظر إلى أهمية السعودية من النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية والرمزية، وأيضاً، بسبب الشروط المطروحة لإتمام هذه العملية، هذه المرّة. إذ وجدت إسرائيل نفسها أمام شروط محدّدة هي، بحسب المحلّل الإسرائيلي ميخائيل هراري: “من الولايات المتحدة مظلّة دفاع على نمط “الناتو”، كردع تجاه إيران، ومفاعل نووي مدني، وقدرة وصول إلى سلاح أميركي متطور للغاية… وخطوات بنّاءة في السياق الفلسطيني – الإسرائيلي”. (“معاريف”، 11/8/2023).

بيد إنّ معظم النقاشات رجّحت أنّ إسرائيل لن تلبّي شروطاً كهذه، بناءً على أوضاعها الداخلية، وتبعاً لتجاربها السابقة في التملّص من الاستحقاقات المطلوبة منها للتسوية مع الفلسطينيين، والأطراف العرب، إضافة إلى أنّ الإقدام على مثل تلك الخطوة قد يفضي إلى انهيار الائتلاف الحكومي الحالي.

رغم ذلك، فإنّ أغلب المحلّلين ذهبوا إلى أنّ إسرائيل، بحكم موقفها الحرج داخلياً وخارجياً، خصوصاً إزاء الولايات المتحدة، لن تذهب نحو رفض تلك الشروط علناً، وإنّها ستعمل في موازاة ذلك للالتفاف عليها، ببعض التقديمات التي ترى أنّها لا تشكّل تهديداً لأمنها، لاسيما في شأن السلاح النووي؛ أي بإخضاعه للرقابة. أما نقطة التصلّب الأهم، فستكون في عدم تقديم تنازلات إقليمية في الأراضي للفلسطينيين، بمعنى إنّ أي تحسين في شروط وجود السلطة الفلسطينية، لن يسمح بتطورها إلى دولة مستقلة ذات سيادة في الأراضي المحتلة عام 1967، وسيبقى في مجال تحسين شروط العيش، وتحسين الأوضاع الاقتصادية.

في ذلك يقول أمير تيفون: “مع تقدّم الاتصالات بين الولايات المتحدة والسعودية، ظهر خلاف كبير بين الإدارة الأميركية وإسرائيل حول التنازلات التي ستطلب لمصلحة الفلسطينيين… بادرات حسن نية ضئيلة، لن تزعج الشركاء في ائتلاف رئيس الحكومة من اليمين المتطرّف”. (“هآرتس، 11/8/2023)، وهذا ما يؤكّده رونين بيرغمان، الذي يرى أنّ “من المشكوك فيه جداً أن تقرّ الحكومة بتركيبتها الحالية تنازلات ذات مغزى للفلسطينيين. في ائتلاف نتنياهو، ثمة أحزاب تعارض بشدّة كل تنازل كهذا، وباحتمالية عالية ربما تفكّك الحكومة…الفحص الذي أجرته محافل أميركية حول حكومة وحدة في وضعية كهذه، بين انّه في كل حال لن يدخل لابيد وغانتس إلى الحكومة مع نتنياهو، لكنهما قد يدعمان الاتفاق من الخارج” (يديعوت ،1/8/2023).

ولعلّ مشكلة حكومة نتنياهو، في تلك المطالب، أو الشروط، عدا عن ارتداداتها الإسرائيلية، أنّها تأتي في لحظة حرجة داخلياً، وفي لحظة توتر بين الإدارة الأميركية الحالية وحكومة نتنياهو، وأنّها تتقاطع مع ما تريده الولايات المتحدة، في مجالات عدة، أهمها “بناء كيان أمني إقليمي يقف في وجه إيران، وإبعاد السعودية عن الصين… وكذلك الإبقاء على رؤية الدولتين، وكبح الانقلاب النظامي في إسرائيل، وإنجاز لإدارة بايدن قبيل الانتخابات في السنة المقبلة. (هراري، “معاريف”، 11/8/2023)، أي أنّ مجمل تلك النقاط تتقاطع في كل واحدة مع واحد من الأطراف المذكورة: السعودية، والولايات المتحدة، والفلسطينيون، وإسرائيل.
هكذا، نظر بعض المحلّلين الإسرائيليين إلى أبعاد كل شرط من الشروط، في تأثيره على مكانة إسرائيل، وتفوّقها في مجال الأمن، والتسلّح في المنطقة، وبخصوص مكانتها في الاستراتيجية الأميركية. وبرأي ألون بن دافيد، مثلاً، فإنّ الشروط السعودية: “شراء عتاد عسكري متطور من الولايات المتحدة، يهدّد التفوّق النوعي لإسرائيل. لكن ما يستفز جهاز الأمن هو مطالبها في المجال النووي. السعودية لا تكتفي بقدرة إنتاج طاقة مدنية، بل تريد أيضاً قدرة نووية مستقلة: دائرة وقود تنتج فيها بنفسها قضبان الوقود لمفاعلها النووي. وهذه باتت قاعدة لإقامة برنامج نووي عسكري في المستقبل… هذا سيشجّع دولاً أخرى في المنطقة على تطوير قدرة نووية مستقلّة. سباق تسلّح نووي في الشرق الأوسط هو كابوس إسرائيل”. (“معاريف”، 12/8/2023). وفي شأن العقدة الفلسطينية يرى يوني بن مناحيم، أنّ “الثمن الذي تطلبه من إسرائيل مقابل التطبيع معها هو ثمن باهظ لا يمكنها دفعه من دون الإضرار بأمنها بشكل خطير”. (“نيوز 1 العبري، 21/9/2023).

أيضا، ثمة من رأى أنّ التطبيع مع السعودية له عوائد متناقضة، إذ سيفيد “الأمن القومي في الصراع ضدّ إيران، لكنه سيضرّ بالأمن القومي الإسرائيلي… موافقة إسرائيل على التخصيب في السعودية ستكون بالضبط النقيض لسياستها منذ سنين طويلة، والتي بموجبها يجب عمل كل شيء لأجل منع أي دولة في الشرق الأوسط الحصول على قدرات تخصيب”. (رونين بيرغمان “يديعوت”،1/8/2023). وبحسب مئير بن شابات: “التطبيع مع السعودية هدف مهمّ يجب الوصول إليه، ولكن ليس بأي ثمن. يجب التذكير بأنّ التطبيع… هو مصلحة واضحة لواشنطن والرياض، وليس فقط للقدس”. (N12 3/8/2023).

وجهة نظر أخرى، رأت أنّ في مقابل التقديمات المطلوبة من إسرائيل، والتي تبدو صعبة جداً بالنسبة اليها، بخاصة في الجانب الفلسطيني، والجانب المتعلّق بالسلاح النووي، ثمة مكاسب لإسرائيل، أيضاً، من الموافقة على رزمة الشروط السعودية، بدل الاعتراض عليها، وتالياً التسهيل على الإدارة الأميركية، أمام الكونغرس. وبرأي بن دافيد، فإنّ تلك المكاسب تتمثل بـ “قدرة وصول إلى تكنولوجيات أميركية كانت ممنوعة عن إسرائيل حتى الآن، وضمان اتفاق مساعدات عسكرية جديد في 2028، مشابه في حجمه للاتفاق السخي القائم… بالنسبة إلى نتنياهو، تبدو هذه صفقة الأحلام: كله معاً، اتفاق تاريخي، ضمان المساعدة العسكرية، مكانة احتفالية للسير في ساحة البيت الأبيض برفقة ولي العهد السعودي، ويمكن الافتراض أنّه في نهاية الاحتفال سيحظى أيضاً في أن يرى مرّة أخرى الغرفة البيضوية من الداخل…” (“معاريف”، 12/8/2023).

المشكلة أنّ الوضع الفلسطيني الراهن، سواء في السلطة أم المنظمة، غاية في الضعف، والتشتت، والإحباط، وهو لا يستطيع أن يقول شيئاً، كما إنّه لا يساعد في الضغط على إسرائيل، سواء كان ثمة تطبيع معها، أم لم يكن، سواء في حال الصراع مع إسرائيل أم في حال التسوية معها؛ وهذه الحال، أي العطالة، تشمل معظم الأنظمة العربية أيضاً.

شاهد أيضاً

جامعات أميركا… حقائق وأبعاد

بقلم: إياد أبو شقرا- الشرق الأوسطالشرق اليوم– «الانتفاضة» التي شهدها ويشهدها عدد من الحُرم الجامعية …