الرئيسية / مقالات رأي / نتنياهو التحدّي الأكبر لبايدن في الإقليم

نتنياهو التحدّي الأكبر لبايدن في الإقليم

بقلم: سمير التقي- النهار العربي
الشرق اليوم– في واحدٍ من أهم المواقف الفارقة في تاريخ الديبلوماسية السعودية، صرّح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أنّ “مباحثات جارية مع الجانب الأميركي للتوصل إلى نتائج جيدة لحلّ القضية الفلسطينية”. وقال: “نصبح أقرب كل يوم بشأن إقامة علاقات مع إسرائيل، والمفاوضات تجري بشكل جيد حتى الآن”.

من جهته، لم يحظ رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بزيارة البيت الأبيض، بل التقى الرئيس الأميركي جو بايدن على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. يعكس هذا الوضع مستوى الثقة بين واشنطن ونتنياهو، وهو مستوى لم تكن العلاقات بين البلدين عند أخفض منه.

إذ لم يخادع نتنياهو كل الحكومات الأميركية حول موقفه العملي من حلّ الدولتين فحسب، بل قام أخيراً بالخداع حول التعديلات القانونية المتعلقة بصلاحيات القضاء. فبالرغم من الوعود المتكرّرة لنتنياهو بالعمل على إيقاف التعديلات القضائية في إسرائيل، والتي تهدّد جوهر نموذج الدولة الإسرائيلية، دفع بالكنيست لإقرار قانون يحدّ بشكل كبير من الرقابة القضائية على القرارات والتعيينات الحكومية. مما يفرغ، من جديد، وعوده لبايدن، من أي محتوى.

وقبل اللقاء، قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، إنّ الطرفين سيناقشان “مجموعة من القضايا الثنائية والإقليمية التي تركّز على القيم الديموقراطية المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل”. إلاّ أنّه أشار بوضوح إلى أنّهما سيناقشان “رؤية لمنطقة أكثر استقراراً وازدهاراً وتكاملاً، فضلاً عن تبادل الآراء حول مواجهة إيران وردعها بشكل فعّال”. ولا يشك أي من المراقبين، أنّ المقصود هو إزالة العقبات الاسرائيلية أمام التوجّه الذي عبّر عنه ولي العهد السعودي في تصريحاته.

من جانبه، يفترض أن يكون بايدن أثار مع نتنياهو، إبرام معاهدة دفاع أميركية – سعودية، تحمل التزاماً متبادلاً قد يصل لمستوى أدنى قليلاً من مستوى البند الخامس لحلف الأطلسي. وبالمقابل، يطلب بايدن من نتنياهو التجاوب مع مطالب ولي العهد السعودي، حول ضرورة التزام الحكومة الإسرائيلية بتوفير الظروف لعملية سلام منصفة مع الفلسطينيين، تسمح بحياة كريمة وسيّدة في سياق حلّ الدولتين.

تشكّل هذه المطالب قوة ضاغطة على نتنياهو، إذ تطالبه بالتزامات ملموسة تجاه فتح الأفق لحل الدولتين، بما يسمح، وكما أشار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أن يصبح التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية “نقطة تحوّل في الشرق الأوسط وخارجه”، وانّ “أي إنفراجة من هذا القبيل يجب أن تتضمّن بعداً فلسطينياً مهمّاً”. فهذه العملية “لا يمكن أن تكون ولن تكون بديلاً عن قيام إسرائيل والفلسطينيين بحلّ خلافاتهم أيضاً، وفي الواقع، في رأينا، مواصلة السعي نحو التوصل إلى حلّ الدولتين وتحقيقه في نهاية المطاف”.

لكن نتنياهو سبق أن خادع طويلاً كل الإدارات الأميركية، بخصوص حقيقة موقفه الموروث من حل الدولتين. لذلك نتوقع ألاّ يقع بايدن في هذه الحفرة مرة أخرى. من جهتها تنظر المملكة العربية السعودية إلى المبادرة العربية، التي سبق أن طرحتها المملكة، على أنّها تستجيب لتطلّعات الفلسطينيين، وتعكس العمق الروحي والثقافي والتاريخي للمملكة وموقعها العربي والإسلامي. لذلك تجد المملكة أنّ هذا البعد الفلسطيني هو جزء من رسالتها ودورها في الإقليم. وبغض النظر عن قدرة الحكومة الاسرائيلية اليمينية الراهنة، يبدو الموقف السعودي متماسكاً، ومنطقياً.
وفي حين تساوم إسرائيل حول مشاركة الولايات المتحدة في الجهد النووي السلمي للمملكة، وفي حين تندفع إيران، بلا ضوابط ودون سقف لتطوير قدراتها النووية لتقترب من السلاح النووي، وفي حين يعرف الجميع أيضاً أنّ إسرائيل تملك قدراتها النووية الخاصة، تصبح الاتفاقية الدفاعية مع الولايات المتحدة، وتصبح مطالب المملكة العربية السعودية بحقها في التطوير السلمي للطاقة النووية امراً منطقياً، بل ضرورياً لتصحيح التوازنات المختلة. وبغض النظر عن أي اعتبار آخر، لا يشك أحد في واشنطن، أنّه في إمكان المملكة أن تجد مصادر عديدة لدعم مشروعها النووي السلمي.

في قمّة نيودلهي، تمّ الإعلان عن “كوريدور التوابل” الذي ينشد إطلاق تحالف استراتيجي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا برعاية من الإدارة الاميركية. لعلّ اهم ما في هذا المشروع بالنسبة للإقليم، هو موقع المملكة العربية السعودية كحلقة مركزية فيه.
ويوضح هذا المنعطف عمق التحوّل الذي يتعرّض له العالم والإقليم. ولا يشك أي من المراقبين أنّه في حال تقدّمه فسيستتبع حتماً، تغيّر في المشهد الجيو-استراتيجي العام للإقليم.

وإذ تُطرح قضية إغلاق الصراعات في الإقليم كي يُتاح تحويله لإقليم اكثر “استقراراً وازدهاراً وتكاملاً” حسب تعبير بلينكن، نجد أنّ إسرائيل لم تعد تواجه لحظة حقيقة تاريخية على جبهتها الديموقراطية الداخلية، ولا على جبهتها الفلسطينية فحسب، بل انّها لحظة حقيقة بالنسبة لمستقبل موقعها وبعدها الإقليمي والدولي.

تظاهر العديد من الإسرائيليين الذين يعيشون في الولايات المتحدة للتعبير عن استيائهم من التحرّكات القضائية لنتنياهو، وضدّ لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي مع بايدن، ليبدو نتنياهو في أضعف لحظاته. ويثير كثير من المراقبين شكوكاً كبيرة حول جدّية وحقيقة نوايا نتنياهو. فهل يمكن تفسير سلوكه بالموروث العقائدي التاريخي إلى حدّ المخاطرة واللامبالاة بمصلحة بلاده، أم أنّه ببساطة لا يبحث في نهاية الأمر الاّ عن إنقاذ رأسه من التحقيقات الثلاثة الجارية ضدّه؟

تارة بحجة مقتل رئيس الوزراء رابين، وتارة باسم “التعقيدات الديموقراطية”، وتارة بحجة الوضع الدولي، وتارة بحجة غياب مفاوض فلسطيني مقبول، تفننت القيادات الإسرائيلية المتعاقبة في مداورة وتفويت استحقاقات السلام. فهل تفوّتها هذه المرة؟

العالم يتحوّل بشكل جذري عمّا كان عليه في أي وقت مضى.
وإذ يدخل الإقليم طوراً نوعياً سيعيد تشكيل موازين القوى ويعيد هيكلة نفوذ القوى العالمية فيه، نشاهد بوضوح كيف تسعى بعض القوى الدولية لإعادة تسعير الصراعات الإقليمية، مما قد يحوّل المنطقة من جديد، لمكسر عصا في صراعاتها الدولية. وبالرغم من قوتها الكبيرة الراهنة، ستواجه إسرائيل بلا شك مناخاً إقليمياً ودولياً لا يشبه في شيء مناخ عام 1948 و1973. ولعلّنا ندرك من استعراض سريع لتاريخ المنطقة، أن لا شيء يبقى ثابتاً فيها، وغالباً ما تكون نافذة الفرص قصيرة ونادرة.

شاهد أيضاً

الأردن: معركة محور التّطرف!

بقلم: محمد صلاح – النهار العربي الشرق اليوم- ليس سراً أن مصر والأردن خسرا كثيراً …