الرئيسية / مقالات رأي / ​الرّئيس الإيراني وزوجته من نيويورك: سيظل نظامنا أفضل من نظامكم!

​الرّئيس الإيراني وزوجته من نيويورك: سيظل نظامنا أفضل من نظامكم!

بقلم: يوسف بدر- النهار العربي
الشرق اليوم– الأنظمة السياسية التي لم تنتقل إلى عالم ما بعد الأيديولوجيا، لم تتجاوز الصراع بعد؛ لأنها أنظمة مؤدلجة نشأت على ضدية مع أنظمة أخرى، فهي أنظمة شمولية لا تستهدف تحديث المجتمع أو تطويره، بل تستهدف إعادة بناء الإنسان والمجتمع وفقاً للأيديولوجيا التي شكلت نظامها، ولذلك هي تبقى في صراع مع أي قوى خارجية تشعر بأي تأثير من جانبها على إنسانها ومجتمعها؛ لأن هذا يهدد استقرارها وبقاءها.

وتظل هذه الأنظمة تبث طوال الوقت في خطابها الرسمي أن التاريخ قد صحح مساره بميلادها، إذ انتقل من مرحلة الفساد والعمّالة والتزوير إلى مرحلة التاريخ المقدس! وأن مجتمعها انتقل إلى العيش في مرحلة الطهر وجنة الله على الأرض، وأن الفساد والأزمات والمشكلات التي تواجهه هي من مؤامرات العدو الذي يسعى إلى إفشال النظام المقدس، بينما رجال هذا النظام هم ملائكة شداد يقاتلون لحماية نظامهم، ولديهم استعداد لتدمير كل ما يهدده!

تبدو هذه المقدمة كافية لنفهم خطاب المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، خلال كلمته الأربعاء 20 أيلول (سبتمبر) في مناسبة إحياء ذكرى الحرب العراقية-الإيرانية التي تسميها إيران “حرب الدفاع المقدس”. قال خامنئي: “ما زالت الجمهورية الإسلامية هي القضية الشاغلة للعدو”. وهو يصور في خطابه أن أنظمة العالم كافة كل ما يقلقها هو استمرار وجود نظام الجمهورية الإسلامية الذي تأسس على الديموقراطية الدينية، بعدما أطاحت الثورة الإسلامية النظام الفاسد التبعي الذي كان يحكم إيران (نظام الشاه) وأتت بنظام جديد لم يألفه العالم هو الجمهورية الإسلامية تحت حكم ولاية الفقيه”!

لم يعترف خامنئي بأن الديموقراطية في إيران عوراء وربما أيضاً عمياء، ليس بحكمنا بل بحكم الإسلاميين أنفسهم الذين شاهدوا مدى تغلغل الفساد والظلم والاستبداد تحت راية نظام ولاية الفقيه الذي يحكم باسم عدالة دولة الإمام علي!

لكن ادعاء الكمال يجعل قادة هذا النوع من الأنظمة لا يرون العالم سوى حلفاء أو أعداء؛ ولذلك بينما كان خامنئي بصفته رأس النظام يُسمي هذه الحرب بالمفروضة ويتحدث عن دورها في تشكيل الأجيال الجديدة من الإيرانيين، لم يبح بأن نظامه كان سيسعى إليها إن لم تقع، فالخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية قالها: “كأني أتجرع السم” لحظة موافقته على وقف هذه الحرب مع العراق!

ويمكن فهم نظرية المؤامرة ومسألة العداء الأيديولوجي التي تصاب بها الأنظمة الشمولية من الأسئلة الأربعة التي طرحها خامنئي: الدفاع المقدس عن ماذا؟ وعن مَن؟ وعلى يد مَن؟ وماذا كانت النتيجة؟

والإجابة كانت طبعاً بالنسبة إلى خامنئي: الدفاع عن الجمهورية الإسلامية الوليدة وعن رجالها وعلى يد أبنائها. لقد اختزل المرشد الأعلى الدولة الإيرانية والشعب الإيراني بتاريخه العريق في فترة الجمهورية الإسلامية وكأنها آخر مطاف حركة التاريخ في إيران!

والعجيب أنه بينما عمل نظام ولاية الفقيه على اختزال ثورة 1979 في دور الإسلاميين وشطبه بقية التيارات الأخرى من التاريخ وكأنها لم تكن شيئاً مذكوراً! وكذلك قام بفرض ثورته الثقافية ليرسخ في المجتمع مبادئ النخبة الدينية الحاكمة باسم قيم الثورة الإسلامية، كما روّجت آلة دعايته لأصالتها في عمق التاريخ والحضارة الإيرانية ليعزل الأجيال الجديدة عن حقائق الماضي… جاء خامنئي اليوم ليقول إن الحرب المفروضة كانت تهدف إلى تغيير الحدود والجغرافيا وهوية الشعب الإيراني! فهي لم تكن من أجل النزاع على شط العرب بل من أجل القضاء على الهوية الأصيلة للشعب الإيراني بعد ثورته الإسلامية!

ثورة ضدّ ثورة!
النظام في إيران لا يريد مغادرة حالة الثورة منذ عام 1979 حتى يمكنه تسمية كل محاولة للتغيير والإصلاح باسم الثورة المضادة، وبالتالي يقوم بتخوينها والقضاء عليها، وهذا ما كشفته حالة الرعب التي عاشها مع حلول الذكرى الأولى لمقتل فتاة حرية الحجاب، الإيرانية-الكردية، مهسا أميني، 16 أيلول (سبتمبر) التي أدت وفاتها إلى اندلاع احتجاجات وحركة شبابية واجتماعية ما زالت فاعلة في الأوساط الإيرانية؛ فقد قام النظام بإضعاف الإنترنت واعتقال النُشطاء وفرض قبضة أمنية حديدية ونشر أخبار القبض على شبكات التخريب والأسلحة المهربة من الخارج، وهدد كردستان العراق بالقصف إذا لم تفكك مقارّ الأحزاب الكردية المسلحة!

وفي ظل هذا المشهد، ساد الرعب المجتمع وعاد الغاضبون من نظام ولاية الفقيه إلى احتجاجات النوافذ والأسطح الليلية!
وفي النهاية أعلن النظام الإيراني انتصاره على المؤامرة الصهيو-غربية، وانطلقت أبواقه تتحدث عن الشعب الإيراني الواعي الذي رفض الانسياق وراء هذه المؤامرة التي كانت تهدف إلى ضرب وحدته وسلامة دولته ونظامه!

هذا الوضع الذي شكلته آلة البطش والترهيب، جعل الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، يتحدث براحة أكثر أثناء لقائه مع عدد من مفكري السياسة الخارجية الأميركية، على هامش مشاركته في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، حيث قال “إن الشعب الإيراني قد انتصر في الحرب الهجينة التي سعوا فيها إلى تكرار الأزمة السورية، لكنهم أخطأوا لأنهم لم يعرفوا بعد الأمة الإيرانية والثورة الإسلامية!”.

تحدث رئيسي براحة لدرجة أنه اعتبر أن رغبة واشنطن في المفاوضات النووية هي نتيجة فشل رهانها على الاحتجاجات في إيران. وبالطبع هذا خداع في خطابه؛ فقد حاول أن يصور أن الغرب هو مَن انصاع لإيران للعودة إلى طاولة المفاوضات وليس العكس!

توقيت المفاوضات
إن حالة الزهو والشعور بالانتصار التي بدت في خطاب كلٍ من المرشد الأعلى والرئيس الإيراني، بل حتى في خطاب رجال الدين وأنصار نظام ولاية الفقيه في الأيام الأخيرة، لم تكن لأن هؤلاء مؤمنون حتى النخاع بنزاهة أفكارهم وبياض أيديهم؛ بل لأن لحظة ضعف المعارضة في الداخل ورغبة الخارج في الحوار معهم جعلتهم يشعرون بهذا الانتصار، ولذلك لم يتريث رئيسي في توجيه الاتهامات إلى سياسة الولايات المتحدة وتحميلها المسؤولية عن كل ما يحدث في العالم من ازدواجية معايير وشرور وأخطاء خلال وجوده على أراضيها. وهذا أمر طبيعي تمارسه الأنظمة الشمولية والأصولية كافة، بأن تقوم بعملية إزاحة للاتهامات وتبرر جرائمها بالحديث عن تكرارها لدى الأعداء!

لكن الرسالة التي حملتها لغة خطابهم الرسمي، هي أن نظام ولاية الفقيه يريد التأكيد على مبادئه وصورته المحافظة وتركيبته التي تجمع بين الإيرانية والإسلامية-الشيعية، وذلك وسط الحديث عن إمكان التوصل الى وقف إطلاق نار سياسي بين إيران والغرب برعاية واقتراح من سلطنة عمان بعد نجاح الاتفاق الموقت غير الرسمي بين واشنطن وطهران.
إن الرئيس الإيراني الذي بشّرَ شعبه بأنه قد عاد من نيويورك حاملاً على متن طائرته 3506 لوحاً أثرياً من الحضارة الأخمينية الإيرانية، استعادها من الولايات المتحدة الأميركية، هو نفسه الذي ظهر وهو يصلي على متن طائرته، والذي رفع المصحف الشريف أثناء خطابه في الأمم المتحدة، والذي التقى مجموعة من أعضاء مجلس أمناء منظمة الطائفة الشيعية في الولايات المتحدة، وأيضاً عدداً من قادة الأديان الإبراهيمية!

كما اصطحب معه زوجته، جميلة علم الهدى، التي هي من أسرة دينية متشددة، فوالدها رجل الدين أحمد علم الهدى الذي لا يكف عن الصراخ خشيةً من التحولات الاجتماعية! وهي أيضاً لا تكف عن الكلام عن النظرية الإسلامية في التربية بوصفها أكاديمية متخصصة في هذا المجال، ولها دور واضح في إخضاع النظام التعليمي لقيم الجمهورية الإسلامية ومبادئها، وقد أجرت هناك مقابلة صحافية مع مجلة “نيوزويكظك الأميركية، أبدت خلالها إيمانها العميق بأفضلية نظام الجمهورية الإسلامية، حيث قالت: “النساء في إيران لا يناضلن من أجل حقوقهن؛ لأنهن يتمتعن بها فعلياً! والحركة النسوية على النمط الغربي غير مناسبة للجمهورية الإسلامية؛ لأنها حركة لا تخلو من السياسة وتميل نحو العنف”. (بالفعل كلام علم الهدى صحيح من الناحية النظرية؛ لأنها بنت أفكارها ونزاهتها على ما وجدته من أخطاء وآلام لدى العقل والمجتمع الغربيين؛ لكن واقعياً فهذه الصورة مخالفة للحقيقة في إيران، وهدفها هو رسم صورة مثالية ومعصومة لقيم نظام ولاية الفقيه وأفكاره).

هذه الصورة التي شكلها الرئيس الإيراني خلال رحلته إلى نيويورك كانت رسالة لتأكيد أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تقبل التغيير في شكل نظامها أو مجتمعها إذا ما أَدخلت صراعها السياسي مع الغرب في حالة سُبات؛ لكنها لن تترك عداءها الأيديولوجي!

وهو ما يفسر لماذا هذا النظام يصر على قانون الحجاب الإجباري رغم كل الغضب الذي أبداه الشباب الإيراني؛ فإنه يراهن على إصلاح كل شيء لمصلحته مع الوقت، فعندما اطمأن إلى أن ذكرى الاحتجاجات مرت بسلام، دفع البرلمان الأربعاء 20 أيلول (سبتمبر) إلى الموافقة على التنفيذ التجريبي لمشروع قانون الحجاب الإجباري لمدة 3 سنوات، والهدف من هذا القانون ليس فقط مراقبة النساء غير الملتزمات بالحجاب، بل تجييش كل مؤسسات الدولة من استخبارات وأمن وإعلام وتعليم لمطاردة كل مَن يروج لحرية الحجاب، تحت ذريعة محاربة الحرب الهجينة، وكأن الأمر يتلخص في سلامة النظام الحاكم.

ويأتي تفعيل هذا القانون قبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة التي يصر فيها النظام الإيراني على عدم إتاحة أي فرصة للإصلاحيين للعودة للمشهد السياسي، وأن يستمر المحافظون في موقع الصدارة ما دام هناك مفاوضات مع الغرب، وتأكيداً أيضاً لالتزام الجمهورية الإيرانية بوجهها الإسلامي!

وللاستمرار في حماية وجه إيران من التغيير، سيتعامل هذا النظام مع الانتخابات المقبلة بالمعاملة ذاتها التي أبداها تجاه ذكرى احتجاجات أيلول (سبتمبر)، فقد قال رئيس اللجنة الانتخابية المركزية محمد تقي شاه جراغي: “إن هدف العدو خفض نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات المقبلة!”، أي إن هذا المسؤول يجد المشكلة في العدو لا في النظام الحاكم الذي هندس العملية الانتخابية بما قضى على الأصوات المعتدلة وأصاب المجتمع باليأس، ما أدى إلى ارتفاع مستوى التحذيرات الداخلية من ارتفاع نسبة الهجرة إلى خارج البلاد!

شاهد أيضاً

الأردن: معركة محور التّطرف!

بقلم: محمد صلاح – النهار العربي الشرق اليوم- ليس سراً أن مصر والأردن خسرا كثيراً …