الرئيسية / دراسات وتقارير / شاي مسموم وسقوط غامض… مصير مرعب لأعداء الكرملين

شاي مسموم وسقوط غامض… مصير مرعب لأعداء الكرملين

بقلم: جون كامبفنر – اندبندنت عربية
الشرق اليوم- “يعود السبب وراء كل ما حدث لكراهية وخوف رجل واحد – رجل يتخفى في مخبأه. وإساءتي له كانت فتاكة، كوني نجوت من محاولة اغتيال كان أمر بها. ثم ارتكبت جريمة أخطر حتى، لأنني قررت عدم الاختباء. وهذا ما يجعل ذاك اللص الوضيع المتخفي في مخبأه يفقد عقله وصوابه”.

حينما يخضع شخص للمحاكمة في روسيا، يحتجز داخل قفص المحكمة. ومع ذلك، لم يمنع الأمر ألكسي نافالني من تحدي عدوه اللدود، فلاديمير بوتين، ومن مواجهته باستخدام أقوى وسيلة لديه، وهي سلطة الكلمة.

فبنظر ديكتاتور هش [وقابل للانكسار]، تعد جريمة واحدة فقط أسوأ من المعارضة السياسية، وهي التهكم. والحال أن نافالني أمضى القسم الأكبر من العقد الماضي وهو يحقق في الثروة التي حققها بوتين، وفي سلسلة من الجرائم التي غالباً ما كانت تذكر بالمافيا، فيتعاطى معها أحياناً بجدية، وأحياناً أخرى بالتهكم على الرجل المقيم في الكرملين، وكان يمزج بين معلومات كشف عنها في أفلامه ومدوناته، ومقاطع الفيديو كان نشرها، وبين صور ورسوم [هزلية] مضحكة. وقد فعل بوتين كل ما في وسعه ليسكته. فقام بتسميمه، لكن ليس مرة واحدة، بل مرتين. وبما يشبه الأعجوبة، نجا نافالني من الموت، فرمي خلف قضبان السجن، وها أن عقوبته تمدد بانتظام، وصحته تتدهور تدريجاً.

وقد تبدو في غير محلها مقارنة زعيم المعارضة الشجاع هذا بالقاتل المرتزق يفغيني بريغوجين، الذي اغتيل، بحسب الافتراضات، عندما سقطت طائرته [وتحطمت] في وقت سابق من هذا الأسبوع. وكانت جميع الأدلة تشير إلى عملية انتقامية [أمر بها] بوتين، أكان بالنظر إلى طريقة التنفيذ أو إلى الاستفزازات والإهانات الأساسية [التي أوصلت إلى الحادثة].

والحال أن ما قام به بريغوجين في فيديوهاته التي اتسمت بلهجة [عدائية] تصعيدية التي هاجم فيها المؤسسة العسكرية الروسية، وبعد ذلك من خلال المسيرة الغريبة أو ليس كثيراً التي نظمها باتجاه موسكو في يونيو (حزيران) الماضي، كان يهدف إلى تعريض بوتين للسخرية. وجاء العقاب سريعاً نسبياً، كما الحال عادة عندما يكشف السياسيون أو الصحافيون أو الجواسيس السابقون عن حقائق مزعجة وغير مناسبة.

أما الأساليب المستعملة، فمتعددة ومتنوعة. ومن بينها التسميم وإطلاق النار وحوادث تحطم الطائرات، وصولاً إلى أبسط الأساليب على الإطلاق: السقوط الغامض من النافذة. وكانت [عمليات القتل هذه] تنفذ أحياناً بسرية ولكن في كثير من الأحيان الأخرى بشكل علني، لتكون رسالة حول المخاطر الناتجة من التحدي [والوقوف في وجه بوتين]. وللأمانة، بدأت عمليات القتل المستهدف قبل أن يتولى بوتين السلطة في عام 2000. ففي تسعينيات القرن الـ20، غالباً ما كانت حوادث من هذا القبيل تحمل توقيع قيادة الشيشان، أو كانت تأتي بنتيجة تصفية حسابات بين أفراد عصابات إجرامية (وأسيادهم السياسيين). وكل ما فعله بوتين هو جعل عمليات الاغتيال الحكومية تتوسع إلى نطاق أكبر.

لكن في بعض المرات القليلة والنادرة، قد تبوء هذه المهمة بالفشل، مثلما حصل مع نافالني وسيرغي سكريبال، الضابط السابق في جهاز المخابرات العسكرية الروسية GRU الذي تحول إلى جاسوس مزدوج بريطاني، الذي سمم في سالزبوري في مارس (آذار) 2018. وحينما يحدث أمر كهذا، يتعرض المسؤولون للتوبيخ العلني على الأخطاء التي ارتكبوها. وعثر على سكريبال وابنته على مقعد في حديقة بالقرب من مطعم بيتزا قصداه لتناول الغداء. وبعد أن وضعا في غيبوبة اصطناعية، نجيا من الموت بمعجزة.
وبعد ذلك، ظهر على التلفاز الروسي العميلان الروسيان اللذان اتهمتهما بريطانيا بتنفيذ الهجوم، مدعيين أنهما قصدا “المدينة الجميلة” لزيارة برج الكاتدرائية “الذي تعتبر من بين الأشهر في العالم”. وحث ذلك السيدة التي كانت تجري المقابلة، وهي صاحبة المحطة ومقربة من بوتين، على ضبط نفسها كي لا تبدأ بالضحك. وبالتالي، يتبين بوضوح أن لحظات الشهرة الوجيزة هذه كانت مصممة لذلهما وإهانتهما.

ومن بين عمليات الاغتيال العديدة، تبرز بشكل لافت صورة واحدة، تعود لألكسندر ليتفيننكو، العميل السابق في جهاز الأمن السوفياتي “كي جي بي”، الذي كان من الناقدين المناهضين لبوتين. و[في هذه الصورة، تراه] يحدق من سريره في المستشفى قبل وفاته في نوفمبر (تشرين الثاني) 2006. وكان [ليتفيننكو] شرب فنجاناً من الشاي الأخضر المخلوط بالبولونيوم-210، وهو نظير نووي نادر وقوي، في أحد فنادق حي مايفير اللندني. وبالتالي، فإن [تداعيات] نجاح وفشل العمليات الحاصلة في الملأ سرعان ما تظهر إلى العلن: [وبهذه الطريقة]، تمت مكافأة أندريه لوغوفوي، أحد الروسيين اللذين زعمت بريطانيا أنهما نفذا الجريمة، عبر جعله عضواً في البرلمان.

أصبحت لندنغراد [مدينة لندن بصيغة روسية]، وهو الاسم الذي باتت تعرف به عاصمة بريطانيا، ومحيطها، من المواقع التي تشهد بانتظام على عمليات اغتيال. وسعى ألكسندر بيريبيليتشني إلى نيل لجوء في بريطانيا في عام 2009، بعد أن ساعد في تحقيق سويسري حول طرق روسية لتبييض الأموال. وبعد ثلاث سنوات، عثر عليه جثة بالقرب من منزله في مجمع خاص في ويبريدج، بمقاطعة سوريه، بعد أن خرج لممارسة رياضة الجري. ومع أن الطبيب الشرعي لم يسجل أي عمل مشبوه، إلا أن وفاته أثارت التساؤلات، لا سيما لأنه لم يكن يعاني أية مشكلات صحية معروفة.

وبطريقة مماثلة، اتجهت الأنظار المستغربة إلى وفاة بوريس بيريزوفسكي في قصره، على مقربة من أسكوت، في مارس 2013. وعثر حارسه على جثمانه في حمام مقفل، مع حبل ملفوف حول عنقه. وكان بيريزوفسكي أوليغارشياً وعاملاً سياسياً استثنائياً، لعب دوراً محورياً في ترتيب صعود بوتين سياسياً، كونه هو من أقنع عائلة الرئيس العاجز بوريس يلتسين بأنه اختار رجلاً قادراً على قيادة البلاد نيابة عن النخبة.

وبعد أن نجح في هذه المهمة الأولى، استبعده تلميذه [بوتين] بطريقة [علنية] أثارت الذهول، ليتحول إلى شخصية معارضة وممتعضة أكثر من أي وقت مضى في المنفى. وكنت قابلته مرة واحدة عام 2006، عندما كنت مدير تحرير صحيفة “ذا نيو ستيتسمان” The New Statesman، إذ ترأست وليمة غداء كان مدعواً إليها. وكان [بيريزوفسكي] شخصاً جريئاً وفظاً، وكان أشبه بالدينامو المحبط، [ورأيت فيه] رجلاً عديم الأخلاق وبلا تحالفات ثابتة، قدم نظريات مثيرة حول ديناميكية السلطة الروسية. وبالنظر إلى واقع الأمور، يمكن اعتباره نسخة غير عسكرية من بريغوجين، ويجوز إدراجه تحت تصنيف “عدو عدوي”… علماً بأن الإرث التاريخي الوحيد الذي تركه هو معارضته لبوتين.

استطراداً، يحب الكرملين أن يظهر أنه لا مكان للاختباء [من العقاب]، لا في بلد، ولا في مجتمع محصن كفاية للاحتماء القتل. وفي بعض الأحيان، يحبذ [الكرملين] تنفيذ عملياته على مسافة أقرب [من باب الدار] داخل الوطن. وبالفعل، نفذ في فبراير (شباط) 2015 اغتيال بوريس نيمتسوف على جسر قريب من الكرملين، بينما كان يتنزه مع صديقته بعد العشاء، في ما اعتبر من أكثر عمليات الإعدام السياسي جرأة خلال عهد بوتين. وكان نيمتسوف حاكماً إقليمياً سابقاً ونائباً لرئيس الوزراء في عهد يلتسين، وأصبح شخصية معارضة بارزة. وقام بوتين بـ”بإشراف شخصي” على التحقيق، الذي أدى إلى سجن خمسة رجال من شمال القوقاز. وأغلق الملف.

وفي سياق متصل، أثار اغتيال الصحافية الاستقصائية آنا بوليتكوفسكايا موجة استنكار كبيرة. وحصل ذلك في مرحلة مبكرة من عهد بوتين، قبل أن تصبح حوادث من هذا النوع شائعة. وهي قتلت بإطلاق النار عليها في المصعد المؤدي إلى شقتها في موسكو في أكتوبر (تشرين الأول) 2006 بعد عودتها من السوبرماركت. والحال أن بوليتكوفسكايا أصبحت مستهدفة بسبب التقارير التي كانت تعدها عن انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحرب الثانية في الشيشان.

شاهد أيضاً

كيف ينظر الأمريكيون إلى نتنياهو؟

الشرق اليوم- أفاد استطلاع للرأي أن 53 بالمئة من الأميركيين لديهم ثقة ضئيلة أو معدومة …