الرئيسية / مقالات رأي / استهداف إفريقيا من خلال النيجر

استهداف إفريقيا من خلال النيجر

بقلم: محمود حسونة – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- مر أمس، شهرٌ على الانقلاب العسكري في النيجر، وهو الحدث الذي غيّر أولويات السياسة العالمية، بعدما انتبهت الدول الكبرى لأهمية إفريقيا، التي تحولت من قارة مهمّشة ومنسيّة على مدار التاريخ إلى قارة تتكالب على ثرواتها الدول الكبرى، لتصبح عواصمها أكثر جاذبية لصناع الدبلوماسية، ودولها أكثر استهدافاً من مخابرات الكبار، ومدنها أكثر استقطاباً للباحثين عن فرص استثمارية واعدة.

الجميع (من الكبار) يسعى، للاستحواذ على معادنها النفيسة، والتنقيب على كنوزها المدفونة، واستغلال أرضها الغنية، وتقديم وعود الحماية لحكوماتها ووعود تحسين جودة الحياة لشعوبها، وتحقيق التنمية لأجيالها المقبلة، وكل ذلك لا يتحقق سوى باختطاف القرار والتحكم في المصير، وهو ما يفرض على ورثة الاستعمار تحصين مواقعهم بأنظمة شديدة الولاء، ويفرض على الطامعين الجدد استخدام العصا والجزرة لتغيير الولاءات وخلخلة الثوابت السياسية بما يضمن إزاحة “المستعمر” القديم والجلوس مكانه والاستفراد بالامتيازات والثروات.

ما حدث في النيجر له سوابق في هذه الدولة وفي دول إفريقية مختلفة، ولكن آثاره ستكون أكثر حدّة على الدولة وعلى القارة، فالانقلابات السابقة لم تقسم إفريقيا ولا العالم، وسلّم الجميع بالأمر الواقع بعد بيانات التنديد والشجب ودعوات إعادة المخلوعين. ولكننا اليوم أمام حدث قد يغير ملامح القارة ويحدث شروخاً في التحالفات العالمية؛ فرنسا حليفة النظام المخلوع تهدد بالتدخل العسكري وتحرض الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “ايكواس” على شنّ حرب على حكام النيجر الجدد، دفاعاً عن مصالحها وتشبثاً ببقاء نفوذها في الساحل الذي كانت معظم دوله مستعمرات فرنسية، وخوفاً من أن تخسر مكاسبها من اليورانيوم النيجيري والمعادن النفيسة الإفريقية. الولايات المتحدة تسير في طريق آخر، ترفض الحرب وتفضل الحلول الدبلوماسية ولا تتطرف في موقفها تجاه المجلس العسكري، ولم تصف ما حدث في النيجر بالانقلاب، وأرسلت سفيرتها الجديدة إلى العاصمة نيامي، وادّعائها أنها لن تقدم أوراق اعتمادها للمسؤولين الجدد، مجرد مسايرة للحليف الفرنسي الفاقد لتوازنه خلال هذه المرحلة، والذي لا يخفى عليه أن واشنطن تسعى للإطاحة به في النيجر أملاً في أن تحل محله.

روسيا صاحبة الدور الأبرز، بل وتكاد أن تكون الأمل لأهل النيجر الذين يرفعون أعلامها خلال مظاهرتهم المؤيدة للنظام الجديد والمنددة بالوجود والتهديدات الفرنسية. فروسيا نجحت في أن تحوّل أنظار العالم من أوكرانيا إلى النيجر، ومنذ انخراط الغرب بشكل عبثي في الحرب الأوكرانية أصبح اللعب مكشوفاً، وبدأ التحرك الروسي للرد والسعي للاستحواذ على مناطق نفوذ غربية في إفريقيا. التحرك الروسي اتخذ طابعاً دبلوماسياً من خلال الزيارات المتبادلة من وزير الخارجية الروسي إلى عواصم إفريقية عدة، ومن وزراء خارجية أفارقة إلى موسكو، وطابعاً رئاسياً من خلال تنظيم القمة الروسية -الإفريقية والدعم البوتيني اللامحدود للقارة السمراء.

الصين، كعادتها تعمل كثيراً وتتحدث قليلاً، ورغم أنها الدولة الأكثر استثماراً في إفريقيا، بعد أن تجاوزت الشركات الصينية العاملة في إفريقيا ثلاثة آلاف شركة، وتضخم حجم ديون الأفارقة لها، فقد اكتفت بالإعلان عن “مراقبة الوضع عن كثب”، داعية الأطراف المعنية إلى العمل لمصلحة البلاد وشعبها وحل الخلافات سلمياً من خلال الحوار، وهذا لا ينفي سعيها أيضاً لتقليص النفوذ الغربي في إفريقيا ومناهضة أي نظام موالٍ له.

انقسام الكبار بشأن النيجر أمر طبيعي، فكل منهم يسعى وراء مصالحه، ولا يتردد في إشعال القارة ناراً دفاعاً عن نفوذه، ولكن الأزمة الكبرى في انقسام الأفارقة وتهديد “إيكواس” بالتدخل العسكري لإعادة الرئيس المخلوع بازوم، والرد عليه بتهديد من مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري بمواجهة أي تدخل، ورفض العديد من دول الجوار استخدام القوة، التي يمكن أن تحوّل القارة إلى ساحة قتال بين الأفارقة، وساحة لتصفية الحسابات بين الكبار، ويزيد تواجد الجماعات الإرهابية على أرضها، ليجد الأفارقة قارتهم على أبواب الجمر والخراب.

شاهد أيضاً

لبنان- إسرائيل: لا عودة الى ما قبل “طوفان الأقصى”

بقلم: علي حمادة- النهار العربيالشرق اليوم– تسربت معلومات دبلوماسية غربية الى مسؤولين لبنانيين كبار تشير …