الرئيسية / مقالات رأي / أين لبنان وسوريا من تزخيم مسار التّطبيع بين السّعودية وإيران؟

أين لبنان وسوريا من تزخيم مسار التّطبيع بين السّعودية وإيران؟

بقلم: فارس خشان- النهار العربي
الشرق اليوم– ما هي حصّة لبنان من القفزة النوعية الجديدة في تطبيع العلاقات السعودية – الإيرانية التي سجّلتها وقائع زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لنظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان والتقى خلالها ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان؟

يتكرّر هذا السؤال منذ توقيع الرياض وطهران، في العاشر من آذار (مارس) الماضي، ما سُمّي بـ”اتفاق بكين”، على الرغم من أنّ المعطيات الميدانيّة أثبتت، حتى تاريخه، أنّ الملف اللبناني لم يوضع بعد على جدول الاهتمام السعودي – الإيراني المشترك، ولا يزال الطرفان يتعاطيان معه من منطلقات مختلفة، إذ تضعه إيران في خانة “الاشتباك” مع كلّ من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية و”الاضطراب” مع الاتحاد الأوروبي و”شد الحبال” مع فرنسا، وتعزيز “الهلال الشيعي”، فيما تعطي السعودية الأولوية لملفات أخرى يتقدّمها، بطبيعة الحال، الملف اليمني الشائك وملف النزاع على ملكية حقل الدرة الغازي، على سبيل المثال لا الحصر.

وليس هناك ما يشغل بال السعودية في المسألة اللبنانية، إذ يمكنها أن تعزل الأضرار الناجمة عن أعمال “حزب الله”، من خلال تقاربها مع إيران في كل ما يختص بأمن الخليج، على اعتبار أن الأدوار “السيّئة” التي سبق أن لعبها هذا الحزب في اليمن والكويت والبحرين وغيرها، إنّما كانت بتكليف مباشر من طهران ولحسابها، كما أنّ الأدوار “السيئة” التي يلعبها في سوريا، من خلال عمليات تهريب المخدرات إليها، فتجهد لإيجاد حلّ لها مع النظام السوري مباشرة بتعاون الأردن الفعّال، في ظل غطاء توفّره جامعة الدول العربيّة. ولم تعد السعودية تعاني فعلًا، بموجب التدابير التي اتّخذتها وانعكست سلبًا على قطاعات واسعة، من استعمال “حزب الله” لمرافئ لبنان ومطاره، في تهريب المخدرات إليها.

وقد بيّنت المعطيات المتلاحقة أنّ المملكة العربيّة السعودية لا تعير لبنان، بوضعيّته الراهنة، أيّ اهتمام حقيقي، فهي، كلّما أزعجها سلوك سياسي أو وضع أمني، تسارع إمّا إلى قطع العلاقات الدبلوماسية أو التواصل التجاري أو التفاعل السياحي.

وفي ردّها على الضغوط الخارجية التي تريد منها أن تلعب دورًا أكبر في لبنان، ترفع السعودية من مستوى شروطها، فهي لن تدعم دولة فاشلة وخزينة منهوبة وسيادة منتقصة، ولذلك، فإنّ البيانات الخاصة بلبنان التي تصدر بموافقة الرياض تكون ممهورة دائمًا بوجوب توافق اللبنانيين على العمل من أجل تحقيق هذه “الثلاثية” التي يحول “حزب الله” دون تحقيق أهم أركانها: السيادة.

ولكن، ألم تحدث تغييرات سبقت وواكبت زيارة عبد اللهيان للسعوديّة؟

بلى، يقول مصدر دبلوماسي عربي، ولكنّ هذا قد لا يصب، بالضرورة، لمصلحة “القوى السيادية” في لبنان ولن يحظى بدعم الولايات المتحدة الأميركية الذي لا بدّ منه في هذه الحالة.

ووفق المصدر، فإنّ ما يجب أن يلفت انتباه لبنان في مضمون الزيارة الأخيرة لعبد اللهيان للرياض قوله، في ضوء محادثاته مع نظيره السعودي: “بإمكاننا العمل مع السعودية لحل الموضوعات العالقة بالمنطقة فورًا. إنّ طهران تدعم تحقيق الأمن والسلام في المنطقة من دون تجزئة”.

وهذا يعني أنّ طهران تعرض على الرياض صفقة شاملة يتم من خلالها توزيع النفوذ بين الدولتين في المنطقة.

ويبدو واضحًا، إذا ما جرى استقراء المسار العام، أنّ المملكة العربيّة السعوديّة، إذا وافقت على الطرح الإيراني، سوف تتنازل عن لبنان لمصلحة الجمهورية الإسلامية التي سبق لمرشدها الأعلى علي خامنئي أن اعتبره عمقًا استراتيجيًّا لجمهوريّته!

وفي هذه الحال، يُرجّح أن تُبقي الرياض لبنان خارج تفاهماتها مع طهران، وتبعد “بلاد الشام” عن جدول الأعمال لمصلحة منطقة الخليج، حيث هناك مشكلات كثيرة بين الطرفين، والإصرار على البند الذي ورد في “اتفاق بكين” لجهة “وجوب احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”.

وإبقاء لبنان وسوريا خارج “الصفقة الشاملة”، له مقوّمات لمصلحة الرياض، إذ إنّ الدولتين بفعل المآسي التي تعانيانها، سوف تتوليان مباشرة الضغط على إيران من أجل تغيير سلوكها فيهما، حتى تتمكنا من استقطاب السعودية ومعها دول الخليج، إلى تقديم ما تحتاجانه من مساعدات حيوية.

وليس من قبيل المصادفة أنّ “اشتباكًا” وقع بين السعودية و”حزب الله”، بالتزامن مع زيارة عبد اللهيان للرياض، إذ خرجت صحيفة “الرياض”، وهي شبه رسمية، بافتتاحية داعية إلى تحرير لبنان من “حزب الله” من خلال تشكيل جبهة معارضة واسعة، وردّت عليها صحيفة “الأخبار”، وهي ناطقة شبه رسمية باسم “حزب الله”، بمقالة تهاجم القيادة السعودية!

وإذا كانت افتتاحية صحيفة “الرياض” قد أزعجت “حزب الله”، فإنّ مقالة “الأخبار” قد أزعجت قوى كثيرة في لبنان، لأنّها وجدت فيها إمعانًا من الحزب في الإساءة إلى دولة مركزية في خطة الإنقاذ المأمول تنفيذها في لبنان!

وعليه، فإنّ لبنان، حتى إشعار آخر، يبقى خارج الترتيبات الإيجابية في المنطقة، ولهذا فإنّ قواه الأساسية مدعوة إلى اتخاذ ما يكفي من خطوات حكيمة لتخفّف عن البلاد تأثيرات “عزلها”، من جهة، وإمكان “التضحية” بها، في لحظة قد لا يفطن إليها أحد، من جهة أخرى!

شاهد أيضاً

أيهما أخطر؟

بقلم: محمد الرميحي – النهار العربي الشرق اليوم- جاء الزمن الصعب لنسأل أنفسنا: أيهما الأكثر …