الرئيسية / مقالات رأي / كركوك قلب كردستان أم قلب العراق؟

كركوك قلب كردستان أم قلب العراق؟

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربي
الشرق اليوم– حين أُقرّ الدستور العراقي الجديد بعد استفتاء شعبي آزرته المرجعية الدينية في النجف، خُيل للأكراد وقد كانوا طرفاً في كتابته أو التوقيع عليه على الأقل، أن المادة 140 وقد كُتبت من أجلهم ستجد طريقها إلى التنفيذ بسرعة. سنة أو سنتان حتى يضع الأكراد أيديهم على ما سُمي بالمناطق المتنازع عليها، وهي مدن يقع الجزء الأكبر منها بمحاذاة الحدود الإيرانية إضافة إلى كركوك. لم يتوقع الزعماء الأكراد أن الوعد الأميركي الذي تبنته الأحزاب الشيعية من أجل تمرير حكومة نوري المالكي الأولى سيتحول إلى سراب، وأنهم سيفقدون السيطرة كلياً على كركوك في عهد حيدر العبادي خليفة المالكي وتابعه في الحزب، بعدما طُرد التنظيم الإرهابي “داعش” عام 2017 من سهل نينوى، بما فيه مناطق تابعة لكركوك.

كان هناك أمل أن يتم تطبيع الأوضاع في المدينة الأولى التي تدفق النفط من حقولها في العراق، بطريقة تنهي النزاع العرقي الذي صارت المدينة ملعباً له منذ اللحظات الأولى لسقوط الدولة العراقية عام 2003 لمصلحة الأكراد، واعتبار المدينة جزءاً من كردستان. وإذا ما كانت العودة إلى تلك الأيام ضرورية فلا بد من التذكير بحملات التهجير التي مارسها الأكراد في حق العرب، باعتبارهم دخلاء على المدينة وجزءاً من حملة تعريبها التي بدأت في سبعينات القرن الماضي، وكان الغرض منها إعادة التوازن السكاني إلى المدينة التي شهدت هجرات كردية هرباً من الحرب الدائرة شمال العراق.

ثلاث لغات من أجل عراقي نموذجي
كركوك التي خصتها الطبيعة بالنفط، وهو ثروة العراق الأساسية، هي عراق مصغر من جهة تنوع الأعراق والطوئف التي تعيش وتعمل فيها. كانت كركوك هي الأعجوبة أو المعجزة العراقية. فمَن يولد فيها يكون في إمكانه التكلم بثلاث لغات على الأقل. كان الكركوكلي عراقياً أكثر مما يكون كردياً أو عربياً أو تركمانياً. هنا أتحدث عن تركيبة نفسية خاصة لم يتعرف إليها العراقيون إلا لدى أبناء المدينة التي وهبت الأدب العربي عدداً من أهم مبدعيه في القصة والرواية والشعر، سركون بولص وفاضل العزاوي وصلاح فائق وجليل القيسي وأنور الغساني ومؤيد الراوي والأب يوسف سعيد. لا أحد من متابعي نتاجهم الإبداعي في إمكانه أن يجزم في ما يتعلق بقومية أحدهم أو ديانته. كتبوا بالعربية ولم يكن لديهم مانع من أن يحلموا بالعربية. فهم عراقيون والعراق كان إلى أن أُقر الدستور الجديد دولة عربية. للزعامات الكردية رأي سياسي لا يمت بصلة إلى تاريخ الحياة الاجتماعية والثقافية المتشابك في المدينة. يوم كان جلال الطالباني رئيساً لجمهورية العراق، قال إن كركوك هي قدس الأقداس بالنسبة إلى الأكراد، لذلك صار الزعماء الأكراد يعتبرونها قلب كردستان. ولكن كردستان المنقسمة على نفسها بين أربيل وسليمانية قد تختلف طريقتها في التعامل مع المادة 140، لا من جهة محتواها بل من جهة شكلانيتها التي ينبغي من وجهة نظر الاتحاد الوطني الكردستاني الذي كان جلال الطالباني زعيمه أن لا تشكل مصدر إزعاج للجارة إيران، فيما يصر الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود البرزاني الذي ولد في جمهورية مهاباد (إيران) في عام 1964 على كردية كركوك شكلاً ومحتوى.

حق تاريخي أم صراع حزبي؟
في ظل هيمنة ميليشيات الحشد الشعبي على المدن المحاذية لإيران، وهي جزء من المناطق المتنازع عليها وفق المادة 140 من الدستور العراقي الجديد، فإن الأكراد حصروا مطالبهم بمدينة كركوك الملاصقة لإقليمهم. وهم في ذلك إنما يحتكمون إلى التركيبة السكانية التي تعرضت إلى الكثير من التشويه. بعد 2003 جرى تكريد المدينة بالقوة نفسها التي جرى تعريبها في سبعينات القرن الماضي. أما التركمان فقد ظلوا على وضعهم في الحالين رغم أنهم لم يكونوا قليلي حيلة حين ادعوا أن كركوك تركمانية. لم يكن التركمان في حاجة إلى أن يزاحموا القوميتين الكبيرتين حين كانت هناك دولة قوية تحميهم وتضعهم في مكانهم الصحيح، ولكنهم اليوم يقفون في العراء ولم تنفعهم أفكارهم الطوباوية عن الحنين إلى تركيا انطلاقاً من وهم اللغة. اللافت أن مسألة كركوك المعقدة تعود إلى الواجهة كلما ارتكبت العلاقة بين أربيل عاصمة الإقليم الكردي والعاصمة الاتحادية بغداد. غير أنها تتصدر لائحة البرامج الحزبية كلما اشتد النزاع بين الحزبين الرئيسين (الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديموقراطي الكردستاني). وليس من المستبعد أن تكون المزايدة على كركوك بين الحزبين مجرد محاولة لاستقطاب الجمهور الكردي العادي الذي تمحور حلمه التاريخي في إقامة دولته القومية حول المدينة الغنية بالنفط.

تمارين في تليين المستحيل
“لن يغامر أحد من الزعماء الشيعة العراقيين في التخلي عن كركوك”، هناك حسابات داخلية وخارجية تقف في مواجهة حلم الأكراد في استكمال حدود دولتهم، وهو ما يعتبره العراقيون نهاية مؤكدة، لا للعراق التاريخي فحسب، بل أيضاً لاستمرار دولة اسمها العراق. ما لا يُسمح به داخلياً تقف دول الإقليم ضده. لا تركيا ولا إيران ولا دول المحيط العربي يمكنها أن تعتبر مسألة كركوك شأناً محلياً. فـ”كركوك” كما هي في الواقع قلب العراق الذي لو اقتُلع ستتغير خرائط المنطقة. وهو ما يدركه الزعماء الأكراد رغم أنهم بعد تجربتهم في استقلال إقليمهم صاروا يعملون على تليين المستحيل ليكون ممكناً.

شاهد أيضاً

بصمة غزّية في بريطانيا

بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج الشرق اليوم- فرضت الحرب الإسرائيلية على غزة نفسها على …