الرئيسية / مقالات رأي / هُدن الحرب في السودان

هُدن الحرب في السودان

بقلم: منير أديب – صحيفة النهار العربي

الشرق اليوم- نجح الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهما القوتان المتصارعتان في السودان مؤخراً في التوقيع على اتفاق مبادئ أولي بمدينة جدة الساحلية، حيث استمرت المباحثات في رعاية المملكة العربية السعودية وبشراكة من واشنطن قرابة عشرة أيام، حتى توصلا إلى عدد من المبادئ الإنسانية تلك التي تضمنها الاتفاق، منها حماية المدنيين وتسهيل مرور المساعدات الإنسانية، فضلاً عن العمل على وقف دائم لإطلاق النار يسمح بإطلاق مباحثات من شأنها التعجيل بخطوات المرحلة الانتقالية وبناء المؤسسات.

الأسئلة التي تطرح عقب ذلك: هل يصمد هذا الاتفاق ويكون مقدمة لاتفاق أطول يُنهي الصراع المسلح؟ وهل البنود التي تمخضت عن الاتفاق تبدو مرضية لآمال وطموحات الشعب السوداني؟ وما هو المأمول على المدى القريب والبعيد من طرفي الصراع والقوى المدنية والمجتمع الإقليمي والدولي؟

وافقت القوى المتصارعة في السودان على قرابة 7 هُدن سابقة تدعو لوقف إطلاق النار، ولكنهما اخترقا هذه الهُدن جميعها، وهذا قد يعود إلى قناعة كل منهما بالأهداف التي يقاتلان من أجلها، حيث افتقد الطرفان منذ بدء الاشتباكات مجرد الإحساس بآثار سقوط الدولة جراء استمرار هذا الصراع أكثر من ذلك.

اتفاق جدة يبدو مختلفاً عن الهُدن السابقة، فالأول مكتوب وقد راعى الظروف الإنسانية التي يعيشها السودان، فضلاً عن حماية المدنيين، ورقابة إقليمية ودولية، وهو ما لم يتوافر للهُدن السابقة التي وافقا عليها حتى لا يظهرا وكأنهما ضد أي حل ينهي الصراع المسلح من دون خطوات حقيقية تراعي وقف إطلاق النار.

استمرار الحرب يعني استمرار المعاناة التي يعيشها الشعب السوداني في الداخل والخارج، فضلاً عن سقوط مزيد من القتلى المدنيين، وبين هذا وذاك يطل شبح الحرب الأهلية من بعيد؛ فكلما استمرت الاشتباكات يوماً جديداً اقترب السودان من شبح الكابوس المخيف.

والخطر الأكبر هو انعكاس هذه الحرب على انتشار جماعات العنف والتطرف، والتي باتت تُهدد كل ولايات السودان، فالفوضى التي تعيشها البلاد وانتشار السلاح، في ظل عدم وجود حكومة مدنية أو رئيس دولة ربما يدفع التنظيمات المتطرفة لاتخاذها ملاذاً آمناً.

الصراع المسلح بين القوتين العسكريتين مع حالة الانفلات الأمني أغريا التنظيمات الإسلاموية المتطرفة للاستيطان داخل ولايات السودان؛ فمع البعد الجغرافي للعاصمة الأفريقية الأكبر يبقى البعد الأمني الأكثر جذباً لهذه التنظيمات لو استمر الصراع فترة أطول.

لا توجد أي رقابة على حدود السودان في ظل الصراع الدائر، كما أن التنظيمات المتطرفة داخل القارة الأفريقية تتحرك بأريحية شديدة داخل الخرطوم، ولا أكون مبالغاً إذا ما قلت أنها شاركت وما زالت في هذا الصراع، فالرصاصة الأولى في هذه الحرب أطلقها الكيزان أو “الإخوان المسلمون” في السودان، بهدف الوصول إلى الفوضى التي يعتقدون أنهم يعودون من خلالها إلى المشهد السياسي بعد أن يتم انهاك القوى المدنية والعسكرية في هذا الصراع!

غالباً ما يكون هدف الهُدن هو تثبيت لوقف إطلاق النار، بخاصة إذا كانت هذة الهُدن متعاقبة، أو على الأقل تثبيت موقت لوقف إطلاق النار حتى يمكن فتح ممرات إنسانية وإغاثية وسط المعارك الدائرة، وهو ما لم تحققه الهُدن السابقة وربما رعاه اتفاق جدة الأخير.

اتفاق جدة قد ينتشل السودان من شبح الحرب الأهلية، صحيح انعقدت أمال السودانيين على أن يكون الاتفاق بداية النهاية للصراع، والاتفاق على قضايا خلافية معقدة بينهما، ولكن راعت المملكة العربية السعودية بدبلوماسيتها ألا يخرج الطرفان إلا باتفاق يُراعي على الأقل المبادئ الأساسية لاتفاق أكبر قد يُنهي مسببات الصراع بشكل كامل.

المملكة العربية السعودية لها ثقل سياسي ودبلوماسي ساعدها في مهمتها الشاقة مع أطراف إقليمية ودولية أخرى سعت للوصول إلى نتائج إيجابية في هذا المسعى، ولكن تبقى إرادة الطرفين المتصارعين في المستقبل هي المحك في تحقيق اتفاق دائم لوقف إطلاق النار يمكن البناء عليه بحيث يُنهي مسببات الصراع والانتقال إلى مفاوضات المرحلة الانتقالية.

مهمة الرياض في الفترة المقبلة شاقة ولكنها قادرة على احتواء الصراع والاتفاق على رسم خطوات مستقبلية تؤدي إلى دمج قوات الدعم السريع داخل المؤسسة العسكرية، بحيث تُصبح هذه القوات جزءاً من مؤسسة الجيش لا أن تتحول إلى قوات للتمرد السريع أو القتل السريع!

دور القوى المدنية في مباحثات الاتفاق المقبل سوف يكون محورياً، فهي الوحيدة القادرة على نزع فتيل الحرب، رغم أنها لم تكن جزءاً من الصراع، فصدقية هذه القوى والتفاف الشعب السوداني حولها، وحكمة قادتها ما سيُساعد المملكة في التوصل لاتفاق دائم يعود السودان من خلاله إلى سابق عهده.

لا بد من الانتباه إلى دور الكيزان في الصراع الدائر حالياً، ومراعاة التخلص من وجودهم حتى لا يتجدد مرة ثانية أملاً في تحقيق الاستقرار الذي ينتهي باختيار برلمان ورئيس للجمهورية وبناء كل مؤسسات الدولة التي انهارت عقب الثورة على نظام الرئيس عمر البشير في العام 2019.

لا بد من أن تثبت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع نواياهما بخصوص مستقبل السودان والمحافظة على استقراره؛ فما يعيشه السودان الأن يحتاج إلى مزيد من الحلم وضبط النفس وإعلاء المصلحة العامة وغض الطرف عن أي استفزازات هنا أو هناك حتى انتهاء الصراع بشكل كامل.

اقترح على القوتين العسكريتين أن يتراجعا على خلفية اتفاق جدة خطوتين للوراء، كل منهما يتحصن في أماكن تمركزه من دون إطلاق نار، وبعيداً من منازل المدنيين وتُعطيان حرية الحركة بأمان للفرق الطبية ووصول المساعدات الإنسانية لكل من يحتاجها؛ فكلما خفتت أصوات الرصاص علت أصوات الوفود في المباحثات المقبلة ووصلت إلى ما يرنو إليه كل السودانيين.

العودة إلى الوراء لا تعني الاستسلام ولا يعني ذلك تمكين الطرف الآخر عسكرياً، ولكنه يُعطي فرصة أكبر لإنهاء الصراع؛ فكلما تدخلت القوى الوسيطة والراغبة في الاستقرار سواء العربية أو الدولية مثل الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ومنظمة إيغاد، كلما تم التوصل لاتفاق نهائي ينهي الصراع؛ وهنا تتحول هُدن الحرب إلى هُدن سلام، بل تتحول هذه الهُدن إلى سلام لا هدنة فيه.

شاهد أيضاً

جامعات أميركا… حقائق وأبعاد

بقلم: إياد أبو شقرا- الشرق الأوسطالشرق اليوم– «الانتفاضة» التي شهدها ويشهدها عدد من الحُرم الجامعية …