الرئيسية / مقالات رأي / مقتدى الصدر واستلاب الإرادة الشعبية في العراق

مقتدى الصدر واستلاب الإرادة الشعبية في العراق

بقلم: فاروق يوسف – النهار العربي

الشرق اليوم- منذ اليوم الأول للاحتلال الأمريكي كان مقتدى الصدر جاهزاً للعب الدور المرسوم له، المعارض الشيعي الشرس الذي يحتوي بتياره أي مقاومة شيعية محتملة. وقد بدأ المشروع  باغتيال رجل الدين عبد المجيد الخوئي الذي هبط بطائرة خاصة في النجف قادماً من لندن، وكان يتوقع أن يتم استقباله بطريقة تليق بابن المرجع الديني الأعلى السابق ابو القاسم الخوئي وتؤهله للعب دور أساسي في قيادة العراق (الجديد). غير أن الموت قتلاً قريباً من ضريح الامام علي بن أبي طالب كان في انتظاره وحامت الشبهات يومها حول الصدر، كونه مَن أمر بقتل السيد المعمم، الأمر الذي أكسبه سمعة المقاوم الشيعي في وقت مبكر.

كانت لتلك الحادثة دلالتها على مستوى تثبيت كفاءة مقتدى في أن يكون وارثاً لأبيه المتمرد على الحوزة الدينية الرسمية في النجف. وكان الصدر الأب قد اعتبر نفسه قبل اغتياله وولديه “حوزة ناطقة” في تحد صريح لحوزة النجف التي سماها سخرية “حوزة صامتة”. لم ينف مقتدى يومها مسؤوليته عن اغتيال الخوئي أو يؤكدها. كما أن بريطانيا التي كان الخوئي يحمل جنسيتها أبقت ملف الحادثة مغلقاً ولم توجه الاتهام بشكل صريح إلى الصدر. 

وراثة عائلية

ورث مقتدى الصدر عن أبيه جمهوره كما ورث أعداءه. فالأب (محمد صادق الصدر) عاش في حياته صراعاً مريراً مع المؤسسة الدينية الرسمية والجماعات الدينية الموالية لها والتي كانت تقيم في إيران. من جهة أخرى، فقد نجح الأب في كسب شعبية غير مسبوقة بالنسبة الى رجل دين بين أوساط الطبقات االفقيرة، هي الكنز السحري الذي أمد مقتدى الصدر بقوة استثنائية أهلته لكي يكون الزعيم الذي فرض نفسه على الطبقة السياسية التي جلبها المحتل الأمريكي من خارج العراق وهي طبقة لا يرى أفرادها فيه إلا مراهقاً غير متّزن.

أما حين أسس الصدر ميليشيا “جيش المهدي” في تموز (يوليو) 2003 فقد استشعر المحتل الأمريكي، بتحريض من أعداء الصدر المحليين، الخطر وهو ما أدى إلى وقوع صدامات مسلحة (معركة النجف 2004) لم تكن بعيدة عن رغبة أعداء الصدر في إزاحته من الطريق. ما حدث بعد ذلك يمكن قراءته من جهتين. من جهة فرض الصدر نفسه فيها رقماً صعباً على العملية السياسية التي خطط لها الأميركيون، ومن جهة أخرى، يمكن القول إن الأمريكيين نجحوا في احتوائه داخل النظام السياسي. غير أن ذلك لا يعني أن المسافة بينه وبين خصومه صارت تضيق. العكس هو ما حصل. فالرجل الذي استطاع غير مرة أن ينقذ النظام من السقوط كانت قطيعته مع رموز ذلك النظام مطلقة.

العدو الحاضر سياسيا

ولكن مقتدى كان حاضراً بتياره السياسي في كل الحكومات التي جرى تشكيلها متذ عام 2005. كانت له حصته من الوزارات ذات المخصصات المالية العالية. ما معنى ذلك في ظل ارتياب أميركي وكراهية لم يخفها زعماء الأحزاب وبالأخص نوري المالكي رئيس الوزراء ما بين 2006 و2014 الذي قاد عملية “صولة الفرسان” عام 2008 والتي استهدفت  القضاء على “جيش المهدي” أو على الأقل الحد من نشاطه جنوب العراق ووسطه؟ لم يكن تحقيق ذلك الهدف بالأمر اليسير. لم يخرج الصدر مهزوما من تلك المعارك رغم أن القوات العسكرية كانت قد استخدمت أسلحة من العيار الثقيل ما تسبب بسقوط الكثير من القتلى. فإلى جوار ما كان يحدث كانت هناك معادلة سياسية لم يكن استبعاد الصدر منها بالأمر الهين بسبب شعبيته الضاربة التي مكنته من لعب دور يتوزع بين التهدئة والتحريض ليس في إمكان زعماء الأحزاب القيام به، كما أن علاقة الصدر بإيران كانت غامضة بحيث لا يمكن اعتباره عدوا لها وليس من الانصاف اعتباره تابعا لها.

كان كاظم الحائري وهو إيراني مقيم في قم هو مرجعه المذهبي كما أنه التقى خامنئي وقاسم سليماني في مناسبات عديدة، كان حضوره فيها جزءاً من انقلابات مزاجه الذي لم يتمكن أحد من ضبط إيقاعه. مرات عديدة أوقف مقتدى نشاط تياره السياسي واعتزل العمل السياسي غير أنه سرعان ما كان يعود إلى سيرته الأولى. ربما كان حلمه الشخصي أن يكون لغز الحياة السياسية في العراق. فهل كان ذلك الرهان حقيقيا؟

المقاوم الحليف

أسطورة الصدر المقاوم للإحتلال الأمريكي لم تكن واقعية رغم ما جرى في النجف في السنة الأولى من الاحتلال. ما هو مؤكد أن “جيش المهدي” لم يقم بأي عملية ضد القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها. لذلك يمكن اعتبار معركة النجف السطر الأول الذي كتبته قوات الاحتلال في سيرة الصدر باعتباره مقاوماً. وفي الوقت نفسه كان مشاركاً في كل الحكومات العراقية. كان الصدر معارضاً وحاكما في الوقت نفسه. وهو دور يصعب لعبه إلا في العراق، هناك حيث تمكنت الخرافة الدينية من الجميع فصار مقتدى رمزاً يحتاجه المحتل مثلما تحتاجه الطبقة السياسية التي تكرهه ناهيك بهالته الشعبية التي لم ينقص منها شيء رغم أنه أسهم في إجهاض الكثير من الفرص لإسقاط النظام. ما فعله الصدر في العشرين سنة الماضية لم يفعله أي زعيم حزبي آخر. لقد احتكر تمثيل فقراء العراق وقادهم بين خنادق لن يصدقوا أنها خذلتهم رغم أنهم لم يخرجوا منها منتصرين.

شاهد أيضاً

التحرك المطلوب من واشنطن بشأن غزة

بقلم: عبد العزيز حمد العويشق- الشرق الأوسطالشرق اليوم– أظهرت اجتماعات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن …