الرئيسية / مقالات رأي / الصراع الذي تأجل

الصراع الذي تأجل

الشرق اليوم– أن يستيقظ سكان الخرطوم، صباح أول أمس السبت، على اندلاع اشتباكات بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، و”قوات الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فذلك كان متوقعاً، ولم تكن الاشتباكات مفاجئة أو عارضة؛ إذ إن مؤشرات الخلاف بين الرجلين كانت واضحة منذ فترة، وتزداد حدة مع مرور الوقت، بعد فشل لغة الحوار بينهما. وجاء “الاتفاق الإطاري” الذي تم توقيعه أواخر العام الماضي بين المكونين المدني والعسكري، والذي وضع جدولاً زمنياً للانتقال السياسي السلمي بقيام حكومة مدنية كان من المفترض أن ترى النور منتصف الشهر الحالي، ليعجّل في حتمية الصدام بين الجيش و”قوات الدعم السريع” على خلفية ما نص عليه “الاتفاق الإطاري” من دمج القوات المسلحة؛ حيث خرجت الخلافات إلى العلن على شكل صدام مسلح، بعدما تعثرت لغة الحوار بين الطرفين، وتباينت المواقف من مسألة الدمج.

 يعيش السودان منذ إسقاط نظام عمر البشير عام 2019 وسط خلافات غير معهودة بين المدنيين والعسكر من جهة، وبين العسكر والعسكر من جهة أخرى، مخلفة واحدة من أسوأ الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية التي عاشها السودان في تاريخه الحديث.

 وعلى الرغم من أن السودان شهد سلسلة انقلابات عسكرية في العقود الماضية، فإنه لم يشهد معارك طاحنة كالتي يشهدها اليوم، وتنذر بكوارث حقيقية، لأنها هذه المرة، تمثل صراعاً بين جيشين محليين، لديهما القوة المادية والبشرية التي قد يطول الحسم فيها، خصوصاً أنهما أعلنا بأن المعركة مصيرية بينهما. فالبرهان “لا يقبل الحوار قبل حل قوات الدعم السريع”، ودقلو لا يرى الحل “إلا باعتقال البرهان وتقديمه للمحاكمة”؛ أي أن المعركة بين الرجلين تتم وفق “المعادلة الصفرية” (رابح كل شيء أو خاسر كل شيء).

 في هذه المعركة سيكون الشعب السوداني هو الخاسر الوحيد، لأنه ليس طرفاً في هذا الصراع، ولا علاقة له به؛ بل هو ضحية صراع على السلطة وليس صراعاً على تحقيق الأمن والسلام للسودانيين وإنقاذهم من ربقة الفقر والخوف والأزمات الاجتماعية وتحقيق الديمقراطية.

 صدرت مواقف عن الدول العربية وغيرها من الدول تدعو إلى الحوار والتهدئة وضبط النفس والاحتكام إلى العقل، ودعوة إلى اجتماع طارئ للجامعة العربية، لأن هناك خشية حقيقية من خروج الوضع عن السيطرة، ودخول السودان في حمّام دم إذا ما أصّرت أطراف الصراع على ركوب رأسها، والمضي في الاحتكام إلى السلاح.

على الرغم من النداءات المتعددة التي أصدرتها نقابة الأطباء السودانيين بتقديم العون، وتوفير الإمداد الطبي للمستشفيات التي لم يعد بمقدورها استيعاب المصابين والقتلى، وتسهيل تنقل سيارات الإسعاف، فإن الاستجابة لم تتوفر، والنداءات ظلت بلا صدى، ما ينذر بمزيد من الضحايا، خصوصاً أن قيادات عسكرية سودانية تتحدث عن معارك قد تستمر لعدة أيام “حتى تتم هزيمة الدعم السريع” في كل الولايات السودانية.

 يعيش السودانيون أياماً عصيبة في صراع فُرض عليهم، هو في واقع الأمر من مخلفات نظام عمر البشير الذي أقام جيشاً رديفاً للجيش الوطني.

المصدر: صحيفة الخليج

شاهد أيضاً

أيهما أخطر؟

بقلم: محمد الرميحي – النهار العربي الشرق اليوم- جاء الزمن الصعب لنسأل أنفسنا: أيهما الأكثر …