الرئيسية / مقالات رأي / المعضلة الليبية

المعضلة الليبية

بقلم: د. أحمد يوسف أحمد – صحيفة الاتحاد

الشرق اليوم- كنت أنوي الكتابة في معضلة تسوية الصراع في أوكرانيا على ضوء أفكار المدرسة الواقعية التي استخدمها كيسنجر في أطروحاته الأخيرة. لكن تطورات الصراع الأخيرة في ليبيا فرضت نفسها فرضاً، فقد شهد مطلع هذا الأسبوع تصاعداً غير مسبوق منذ وقف إطلاق النار في الصدامات المسلحة بين الميليشيات في طرابلس، والتي يتوزع ولاؤها السياسي بين حكومتي الدبيبة وباشاغا، وتظهر درجة التصاعد في عدد القتلى والجرحى في هذه الصدامات، الذي بلغ حتى كتابة هذه السطور30 قتيلاً وعشرات الجرحى، وهو ما يُنذر باحتمال انزلاق الصراع إلى العنف من جديد بعد وقف إطلاق النار في أكتوبر2020 والعودة إلى الأوضاع السابقة عليه من حيث وجود حكومتين متناحرتين تستند كل منهما إلى ذراع عسكرية، ويدفع في الوقت نفسه إلى التشاؤم بشأن فرص التقدم في حل الصراع في ليبيا بعد أن بدا وكأنه حقق تقدماً ملحوظاً على طريق التسوية.

ومصادر التشاؤم عديدة، تبدأ بالوضع المؤسسي البائس الذي تُخَلفه نظم القبضة الحديدية بعد انهيارها، فهذه النظم تستند عادة لشخص القائد وحده تقريباً، ولذلك فعندما يختفي تسقط بلاده في بئر سحيقة من الفوضى، حيث لا مؤسسات تسد الفراغ الذي تركه، ولا قيادة بديلة تتحمل المسؤولية وتكون موضع إجماع أو حتى توافق بين قوى يمكن أن تشكل أغلبية. والحقيقة أن غياب القيادات الوطنية البديلة التي يمكن أن تنتشل أوطانها من وهدة الانقسام والفوضى سمة ظاهرة لأهم حالات الصراع في الوطن العربي، ثم يأتي الانقسام المجتمعي كمصدر آخر للتشاؤم، سواء كان انقساماً قبلياً أو جهوياً. والمشكلة ليست فيه في حد ذاته وإنما في “عسكرته”، فالانقسام الذي يتمترس خلف قوة مسلحة غير نظامية عامل أساسي في استمرار الصراع، خاصة عندما يصبح القتال وظيفة يقتات منها المقاتلون، ويثرى زعماؤهم ثراءً فاحشاً، سواء لما ينالونه من أموال نفط الشعب الليبي أو مدفوعات من قوى خارجية لاكتساب هذه الميليشيات في صفها، ولقد بُحت أصوات عربية ودولية من التحذير من وجود السلاح بأيدي الفرقاء المتصارعين في ليبيا لأنهم يتحولون بالتدريج إلى طرف صاحب مصلحة في استمرار الصراع، حيث إن حله بإجراء انتخابات قد يسفر عن فوز خصومهم وبالتالي يخسرون مورد رزقهم الوحيد، وقد لفت غسان سلامة المبعوث الأممي الأسبق إلى هذه الظاهرة التي توجد للأسف في كل الصراعات.

ولا تقتصر مصادر التشاؤم على الداخل الليبي، وإنما تتجاوزه إلى مصادر إقليمية ودولية، فليبيا دولة مهمة من المنظور الدولي بحكم مكانتها كمصدر للطاقة التي تشتد أزمتها بسبب الظروف الدولية الراهنة وأيضاً بحكم موقعها الاستراتيجي، ولذلك تتعدد فيها مصالح القوى الدولية وتتضارب، ولذلك قد تتصرف هذه القوى أو بعضها على الأقل بنفس منطق الميليشيات المسلحة، وهو أن حل الصراع عن طريق الانتخابات قد يفرز بنية جديدة للسلطة غير مواتية لمصالحها، وبالتالي فهي تتحمس للانتخابات باللسان، لكنها تعمل ضدها على أرض الواقع، ويُضاف إلى ذلك أن القوى الكبرى بالذات لها أولوياتها الحالية في الصراع الدائر في أوكرانيا.

من الواضح إذاً أن الحلقة المفرغة للصراع في ليبيا قد استحكمت بعد أن بدا وكأنه الأقرب إلى الحل عن باقي الصراعات، ولا يبدو في الأفق أمل في أي تقدم، اللهم إلا من خلال هبة شعبية تفضح المستفيدين، ولا تبدو مؤشراتها قريبة، كما لا يبدو مصيرها إن وقعت مؤكداً على ضوء خبرات ما سُمي بالربيع العربي، وبالتالي فإن الأمل الأخير يبدو معلقاً بلجنة5+5 التي استطاعت غير مرة تحقيق إنجازات مهمة، فضلاً عن استنادها وقت اللزوم إلى لغة القوة التي يفهمها خصوم السلام.

شاهد أيضاً

أحلام مقتدى الصّدر وأوهام مناصريه

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربيالشرق اليوم– عندما يُشفى العراقيون من عقدة اسمها مقتدى الصدر يكون …