الرئيسية / مقالات رأي / القادم «ميتافيرسي»

القادم «ميتافيرسي»

بقلم: أمينة خيري – صحيفة “البيان”

الشرق اليوم – إذا أردنا أن نواكب ما يجري حولنا ونستعد له وربما نسبقه بخطوتين، فعلينا النظر لـ«ميتا» باعتبارها احتمالية مفتوحة لأن نبني شيئاً جديداً. وإذا أردنا أن ننتهج نهج التخوف من كل جديد والاكتفاء بالقلق من كل حديث، فسنعتبر «ميتا» تصعيداً جديداً للإبقاء على الناس في جزر منعزلة والتخلص من صخبهم في عوالم افتراضية وميزة إضافية لملاك الواقع الافتراضي للاستحواذ على معلوماتنا الشخصية ومصائرنا الافتراضية المستقبلية. أما إذا ملنا إلى الاختيار الآمن اليوم المجهول غداً، فعلينا الاستمرار في الجلوس على مقاعد المشاهدين، والاكتفاء بتشجيع اللعبة الحلوة حين يحرز العالم الرقمي هدفاً جديداً مقدماً لنا إمكانات تقنية تساعدنا في حياتنا، وشجب وتنديد ما قد ينتج عنه من أضرار ناجمة عن عدم الاستعداد الكافي له.

الاستعداد لـ«ميتا» أو «ميتافيرس» دائر على قدم وساق في أجزاء من العالم، بينما أجزاء أخرى تتعامل مع هذا الواقع الجديد القادم حتماً باعتباره والعدم سواء، وهناك من يكتفي بالمشاهدة.

ومشاهدة الاستعدادات الجارية على قدم وساق في دبي لدخول هذا العالم الجديد من أوسع أبوابه بسرعة مدهشة، وفي الوقت نفسه بناء على دراسة وتحليل عمليين أكثر إدهاشاً في حد ذاتها مسألة ممتعة.

إعلان سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، رئيس المجلس التنفيذي، قبل أسابيع قليلة إطلاق سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضيّة أول هيئة تنظيمية حكومية في العالم وهي «ذا ساند بوكس» يعني أننا بصدد متابعة حلقة جديدة من حلقات استشراف دبي العملي لما هو قادم في عالم الاقتصاد والمعاملات والتواصل والاتصال والترفيه والثقافة.

وعلى الرغم من أن العالم مازال يخطو خطواته الأولى في فهم ما كان يعنيه مؤسس «فيسبوك» ورئيسه التنفيذي مارك زوكربيرغ حين أعلن في أكتوبر الماضي أنه تم تغيير اسم «فيسبوك» إلى «ميتا» والتحول إلى منصة حوسبة ناشئة تركز على الواقع الافتراضي، إلا أن دبي ماضية قدماً في قفزاتها نحو استكشاف هذا العالم وتأسيس موقع لها ومكانة.

زوكربيرغ قال وقتها إن العلامة التجارية الجديدة هي بمثابة تخلي الأفراد عن الشاشات واختبار تأثير التواجد «الفعلي» في الواقع الافتراضي.

ولأن كل جديد يثير قدراً من القلق والخوف، حيث المعرفة غير كاملة والمنتظر مجهول، فإن كثيرين استقبلوا هذا الإعلان بقدر بالغ من القلق والتشكيك. والقلق من الجديد أمر محمود، شرط أن تصاحبه عمليات بحث ودراسة ومعرفة. وتصبح هذه العمليات فرض عين في الجديد الذي سيتحول حتماً إلى واقع يعيشه العالم إن لم يكن غداً فبعد غد.

ولأن الـ«ميتافيرس» ما زال في مرحلة البناء والتشييد، فإن التكهنات المتاحة أكثر من المعلومات، حتى أولئك الذين يجتهدون في التفسير يتأرجحون بين القول بأن «ميتافيرس» ليست إلا «سايبرسبيس» مع بعض الإضافات التقنية الجديدة المبهرة والتأكيد على أن المقصود هو التغيرات الكبرى التي ستطرأ على طريقة تفاعلنا مع العالم الرقمي، والتي ستقرب كثيرين بين العالمين: الواقعي والرقمي لدرجة ربما تصل إلى التماهي.

وبجملة التكهنات، فإن «ميتافيرس» لن يقتصر على عالم الألعاب الافتراضي، حيث نقل المستخدم لدقائق أو ساعات لتذوق طعم التواجد في عالم افتراضي يستخدم فيها حواسه، ثم يغلق هذا العالم أبوابه لحين طرق بابه مجدداً، لكنه سيكون عالماً مستمراً حتى في الأوقات التي لا يلعب فيها المستخدم. سيكون عالماً جامعاً بين السمات الافتراضية وصفات العوالم المادية، وهو ما يرشحه ليكون عالماً موازياً نعيش ونعمل ونتواصل ونشتري ونبيع ونبني ونرفه عن أنفسنا فيه.

بالطبع، الاقتصاد الرقمي سيشكل جزءاً مهماً من هذا العالم، وليست مبالغة لو افترضنا أن هذا الجانب هو ما سيدفع البعض إلى خوض مضمار «ميتافيرس» لاستكشاف الفرص واستغلالها. فعالم المال والأعمال والاستثمارات يعتمد في جزء غير قليل منه على حس المغامرة وطرق الأبواب قبل أن يطرقها الآخرون.

وكانت دبي أول الطارقين بتأسيس «ذا ساند بوكس» مطلع الشهر الماضي، وهو أول مقر رسمي لسلطة تنظيم الأصول الافتراضية، والتي تأسست بدورها في مارس الماضي بموجب أول قانون لتنظيم الأصول الافتراضية.

هذه الخطوات الجريئة الاستشرافية لا تعكس فقط ثقة رسمية في أن الأصول الافتراضية صارت جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد الرقمي، ولا تعني فقط أن الاقتصاد أيضاً صار إبداعياً وأن الاقتصاد الإبداعي هو القادر على صناعة الفرق، بل تعني أن القادم «ميتافيرسي» بشكل أو بآخر.

وحسناً فعلت منصتنا وملتقانا الإعلامي «البيان» بتنظيم حلقة من الجلسات النقاشية «مساحتكم عبر البيان» لـ«الميتافيرس… مستقبل الصناعات الإبداعية» قبل أيام لتثبت أن استشراف المستقبل والاستعداد له يبدأ اليوم بنشر المعرفة.

شاهد أيضاً

ماذا حصل دبلوماسيّاً حتى تدحرج الوضع مجدداً على الجبهة اللبنانيّة – الإسرائيليّة؟

بقلم: فارس خشان- النهار العربيالشرق اليوم– بين 15 آذار (مارس) الجاري و23 منه، انخفض مستوى …