(FILES) In this file photo taken on October 14, 2021 Britain's Queen Elizabeth II waves as she leaves after attending the ceremonial opening of the sixth Senedd, the Welsh Parliament, in Cardiff, Wales. - Queen Elizabeth II spent Wednesday night in hospital, Buckingham Palace have reported, Thursday October 21. (Photo by Jacob King / POOL / AFP)
الرئيسية / مقالات رأي / احتفالات العيد البلاتيني للملكة إليزابيث فرصة لتذكر فضائل النظام الملكي الدستوري

احتفالات العيد البلاتيني للملكة إليزابيث فرصة لتذكر فضائل النظام الملكي الدستوري

بقلم: علي قاسم – العرب اللندنية

الشرق اليوم – مضت الثورة الفرنسية في طريقها لتنتهي بمذابح سبتمبر، وأعدمت الملكة والملك، وساد حكم الإرهاب. عندها تأكد البريطانيون أن السياسي الأيرلندي إيدموند بيرك، الذي طالما اتهموه بالرجعية، أحسن التنبؤ بعواقب ما وصفه بـ”التمرد والكفر” (الثورة الفرنسية). وتشبثت إنجلترا قرنا كاملا بدستورها، دستور الملك، والأرستقراطية، والكنيسة الرسمية، وبرلمان “يفكر بلغة السلطة الإمبراطورية لا الحقوق الشعبية”، رغم أنها تخلصت من دوائرها الانتخابية “العفنة”، ووسعت في حق التصويت.

اختتم البريطانيون بالأمس احتفالات دامت أربعة أيام بمناسبة العيد البلاتيني للملكة إليزابيث، عبرت عن مدى تمسكهم بالنظام الملكي الدستوري، ليعود لذاكرتي السياسي الأيرلندي بيرك، ومعه أتذكر مؤسس صحيفة ”العرب” الحاج أحمد الصالحين الهوني، الذي طالما عبر لنا عن عميق تقديره للملكية الدستورية، ورأى فيها الحل لجميع المشاكل التي تعاني منها الدول العربية. هو الذي خبر الملكية عن قرب وكان قريبا دائما من الملوك.

عندما حل في لندن، في سبعينات القرن الماضي، اختار الهوني أن يجاور الملكة إليزابيث، وأقام مع عائلته في منزل على بعد خطوات من القصر الملكي (باكنغهام) وسط العاصمة البريطانية.

كان، رحمه الله، حريصا أن يكتب كل عام افتتاحية بمناسبة عيد ميلاد الملكة، يعبر فيها عن عميق إعجابه، ليس فقط بالملكة إليزابيث، بل أيضا بنظام ملكي دستوري حفظ للإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس مكانتها بين الأمم.

مَن كان يتخيّل أنّ المنظِّر السياسي الأيرلندي الذي أدان الثورة الفرنسية، التي رحب بها المثقفون، وهاجمها بشراسة وحده، هو الذي دافع عن العشرات من القضايا التحررية الأخرى، وهاجم الاتجار بالبشر، ودافع عن الثورة الأميركية، ودافع عن حرية المطبوعات، وأيد البرلمان ضد الملك، ودافع عن مستعمرات أميركا الشمالية في نزاعها مع الملك جورج الثالث.

لقد وقف بيرك ضدّ الثورة الفرنسية استنادا إلى مبادئ ثلاثة آمن بها: النظام، والاستقرار، والدين.

نفس المبادئ آمن بها الهوني، الذي كنا نناديه بالحاج، وهو الذي شغل منصب وزير الإعلام مع آخر ملوك ليبيا، الملك إدريس السنوسي، وتعرض للاعتقال من قبل حفنة “ثورجيين” تزعمهم ضابط صغير قام بانقلاب أنهى النظام الملكي في ليبيا. ورغم التهديد لم يخف الهوني الذي وصفه منتقدوه بالرجعي، امتعاضه من الـ”ثورة”.

وكما بيرك، دافع الحاج الهوني عن قضايا التحرير وهاجم كل مظاهر التمييز العنصري. وكان، وهو الذي لم يتخل عن لباسه التقليدي في وسط العاصمة لندن، مدافعا شرسا عن الحريات الفردية وعن حقوق المرأة، وليبراليا تقليديا داعما لكل مظاهر الحداثة والتطور.

اليوم وصل الحال بالعرب إلى وضع من التدهور والسوء، نكتشف معه أن الهوني أحسن التنبؤ، وأصاب في تحذيراته جوهر الحقيقة. هو الذي كتب يوما ينصح رؤساء عربا بالتحول إلى أنظمة ملكية دستورية تجنبهم وتجنب شعوبهم ما حصل ويحصل من مآس.

رحل الهوني تاركا وراءه إرثا من المقالات التي دأب على ختمها بعبارة لا تتغير “اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد”.

بيرك ترك أيضا وصيته قبل أن يرحل.

في العام 1789، بعد مرور وقت على اقتحام سجن الباستيل في باريس، طلب رجل فرنسي من النبلاء يدعى شارل جان فرنسوا دوبون من صديقه بيرك أن يدلي برأيه وانطباعاته وأفكاره إزاء التحوّلات السياسية والمفترق التاريخي الذي تشهده فرنسا. أجاب بيرك على دوبون برسالتين، نُشرت الثانية بعد أشهر في وصية صدرت تحت عنوان “تأملات حول الثورة في فرنسا”.

كان بيرك متشائما جدا إزاء ما يحصل في عاصمة الأنوار، ويرى أنّ الثورة ستنتهي بكارثة، وأنها على عكس ما يظنه الفرنسيون لا تشبه في أي شيء الثورة البريطانية. وكان طبيعيا أن يتعرض بيرك للهجوم بسبب كتابه هذا، ولم ينصفه التاريخ إلا عندما تحقّقت نبوءته في وقت لاحق، ليتحول الكتاب إلى مرجع للأوساط المحافظة والليبرالية التقليدية بعد إعدام الملك لويس السادس عشر وماري أنطوانيت، وسيادة حقبة الرعب التي تنبأ بها وشهدت اعتقال الآلاف من الفرنسيين، وإعدام الآلاف، ثم الانقلاب العسكري الذي قاده نابليون بونابرت وإرساء الدكتاتورية العسكرية التي وضعت حدا للفوضى والعنف.

ما هي الحجج التي ساقها بيرك في الكتاب/الوصية وبرّرت وقوفه ضد الثورة الفرنسية؟

على عكس كل المنظّرين الذين رأوا في الثورة الفرنسية نسخة جديدة من الثورتين البريطانية والأميركية، رأى بيرك أن الانقلاب الراديكالي الذي أحدثته الثورة الفرنسية تسبب بشرخ كبير في التاريخ وعرقل مجراه. من أجل إثبات ذلك، قارن بيرك بين المؤسسات الفرنسية الجديدة والبريطانية.

بالنسبة إلى بيرك فإن ثورة 1688، التي وصفها بـ”المجيدة”، أطاحت بملك إنجلترا جيمس الثاني لتعيد إرساء النظام الملكي من خلال تشريعه.

كذلك الأمر مع “وثيقة حقوق 1689” (واحدة من الوثائق الأساسية للقانون الدستوري الإنجليزي)، رأى بيرك أنها ربطت بين حقوق الأفراد وحرياتهم من جهة، وبين اعتلاء العرش وقوننته من جهة أخرى.

كانت ثورة بريطانيا “العظيمة” تهدف كما يرى بيرك إلى الحفاظ على حرية البريطانيين وقوانينهم القديمة التي لا خلاف عليها، والحفاظ على البنية القديمة للحكومة التي هي “ضمانتهم الوحيدة للحفاظ على القانون والحرية”.

في مقابل الثورة البريطانية “الحكيمة”، وضع بيرك “جنون” الثورة الفرنسية التي أرادت الإطاحة بكل القيم والبنى والنظم الموروثة، في حين أنّه “من واجب الشعوب الحفاظ عليها”.

رأى بيرك أنّ العمل التشريعي الفرنسي ارتكز إلى أفكار نظرية متحررة من الزمان، في حين أنّه يجب على الإصلاحات أن تأخذ في الاعتبار الإطار الزماني والمكاني. وأن ما قام به الثوار الفرنسيون، هو استبدال عملية إدارة النجاح بدكتاتورية الأفكار والمبادئ المجرّدة. وبدلا من الأخذ في الاعتبار حقوق الأفراد، وهو مفهوم متجذر في الواقع، رفعوا شعارا فضفاضا هو حقوق الإنسان.

كان بيرك “تجسيدا لما تاق إليه المحافظون طوال عصر العقل؛ رجلا استطاع الدفاع عن العرف بالبراعة التي دافع بها فولتير من قبل عن العقل”.

كاد حدث الاحتفالات باليوبيل البلاتيني للملكة إليزابيث أن يفوتني، لولا ملاحظات من رئيس تحرير “العرب” الدكتور هيثم الزبيدي الذي وصف فترة حكم إليزابيث بالملكية الدستورية الضامنة للاستقرار، وأن البريطانيين باحتفالهم بالملكة إنما يحتفلون بسنوات طويلة من الاستقرار. وأسعدني اقتراحه أن أكتب حول هذا الموضوع.

لا أدل على صحة ما ساقه الزبيدي من إلقاء نظرة على أستراليا حيث يعزو العديد من الجمهوريين بقاء النظام الملكي فيها إلى شهرة إليزابيث. وهو ما أقرته رئيسة الوزراء السابقة جوليا غيلارد عام 2010، بقولها إن الشعب يكن مشاعر عميقة للملكة في أستراليا، ونصحت بإجراء الاستفتاء التالي بعد انتهاء فترة حكمها.

ويعتقد خليفتها الجمهوري، مالكولم تورنبول، أن الأستراليين لن يصوتوا ليصبحوا جمهورية طوال فترة حياتها، مضيفا “أن عدد الإليزابيثيين أكبر من عدد الملكيين”.

أسوق هذا وأطرح سؤالا لن أنتظر له جوابا: كيف سيكون حال مصر والعراق وليبيا اليوم، لو استمر فيها نظام ملكي دستوري؟

شاهد أيضاً

عن الاحتجاجات الطلابيّة في الغرب وعن حدودها

بقلم: حازم صاغية – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ينتظر كثيرون من خصوم الاحتجاجات الطلاّبيّة …