الرئيسية / مقالات رأي / هل يستعيد الغرب الفاشية؟

هل يستعيد الغرب الفاشية؟

بقلم: حسام ميرو – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – في مواجهته لروسيا، اتخذ العالم الغربي، الأمريكي والأوروبي، وبعض الدول والمؤسسات التي تتبع له، أو تقع في دائرة نفوذه، إجراءات وعقوبات متعدّدة الأشكال ضد روسيا. ولئن كان مفهوماً أن تكون العقوبات الاقتصادية والمالية والتكنولوجية جزءاً من المواجهة السياسية بين الدول وحكوماتها، في إطار تحجيم قوة الخصوم، في إطار ردعهم، أو حتى هزيمتهم، إلا أن امتداد هذه العقوبات إلى مجالات الفكر والثقافة والفن يصبح شيئاً آخر، لا علاقة له بالحكومات والقادة والأحزاب، بل يطال ثقافة وتاريخ وإنسانية الشعوب، ويخلط بين أمور غير قابلة للتداخل، فمن البداهة أن يكون هناك فصل نظري وعملي بين الحكومات وشعوبها، فالأولى هي تعبير عن رؤية محددة للمصالح في زمان ومكان محدّدين، بينما الشعوب هي حصيلة سياق تاريخي ثقافي ممتد في الزمان والمكان.
منذ بدء الحرب في أوكرانيا، اتخذت مؤسسات واتحادات رياضية وثقافية وفنية إجراءات تعسفية بحق فرق رياضية ولاعبين من روسيا، والغريب أن يمتد الأمر إلى منع جامعات بعض السياقات التعليمية الأكاديمية المتعلقة برموز الأدب الروسي، فعلى سبيل المثال لا الحصر، قامت جامعة بيكوكا الإيطالية بإلغاء أحد مناهجها الدراسية عن الرمز الروائي الروسي العالمي دوستويفسكي، وهو إجراء يتنافى مع وجوب استقلالية العمل الأكاديمي والبحثي، ويحمل في طياته بعداً إقصائياً، من طبيعة سياسية إيديولوجية، والأكثر غرابة أن هذا الإجراء لا يطال روائياً أو علماً معاصراً، قد تكون له مواقف مؤيدة للنظام السياسي الروسي، بل ينال من رمز لم يعد حكراً على الثقافة الروسية، وإنما هو رمز كلاسيكي عالمي.
وفي ذات السياق، المتّصل بالإقصاء الفكري والإيديولوجي، أصبحت الميديا الغربية فقيرة بالآراء والتحليلات المختلفة عن الموقف الرسمي للحكومات الغربية، ما يتناقض جملة وتفصيلاً مع الادعاءات التاريخية بصون حرية الرأي والتعبير في الإعلام الغربي، القائم على الرأي والرأي الآخر، في تجسيد لليبرالية والديمقراطية، اللتين ينهض عليهما النظام السياسي الغربي نفسه، وبالتالي، فإن هذه الموجة من الإقصاء، تظهر بشكل واضح حالة التناقض بين ما تفترضه طبيعة النظام السياسي الغربي من التزامات، والممارسة العملية، المتناقضة مع تلك الالتزامات.
في العقد الثاني من القرن العشرين، حلّقت روح الفاشية فوق إيطاليا وأجزاء من أوروبا، مع المواجهة بين الدولة القومية المتعصبة لذاتها، وفضائها الجيوسياسي والثقافي التاريخي، في انتكاسة كبرى للقيم التنويرية والليبرالية. وقد كانت هذه المواجهة أحد الأسباب الكبرى لاندلاع الحرب العالمية الثانية، التي أودت بحياة عشرات الملايين من البشر، وقد اكتسب مفهوم الفاشية مع الوقت معاني محدّدة، بوصفها شكلاً من أشكال الديكتاتورية، والاستعلاء القومي، ورفض الآخر. وخلال النصف الثاني من القرن العشرين، مضت أوروبا في ترسيخ مفاهيم حداثية، من مثل التعايش بين الشعوب والاعتراف بالآخر ونبذ العنف والإقصاء، ومحو آثار الفاشية.
يقتضي الإرث العقلاني الأوروبي، اللجوء إلى التمييز المعرفي بين المجالات والسياقات، ومحاربة الثنائيات القاتلة، أو وسم شعوب وجماعات بأكملها بعلامات محدّدة، وربطها بالتخلّف أو العنف.
حركة التقدم في التاريخ ليست خطّاً يمضي دوماً نحو الأمام، فالتاريخ مجال صراع، ليس فقط بين المصالح المتناقضة، بل أيضاً بين القيم، كما أن التاريخ مجال للتراجع والانتكاس، وهو أيضاً خزّان للفرص لتصحيح المسارات الخاطئة، كما أن قسماً كبيراً من خيارات الدول والمجتمعات يقع على عاتق النخب، خصوصاً في ما يسمى «العالم الحر»، حيث أنظمة الحكم هي شكل من أشكال التمثيل السياسي للميول والاتجاهات.
المتابع في السنوات الأخيرة للسياسات الأمريكية والأوروبية، يعلم تماماً تحدّي صعود الأحزاب والقادة الشعبويين، ومدى خطرهم على المكتسبات الغربية نفسها، لكن المفارقة الراهنة أن ما يحدث من عودة لروح الفاشية يتمّ في ظل حكم أحزاب يفترض أنها غير شعبوية، ومع ذلك، فإن خطابها الراهن تجاه كل ما هو روسي، يظهر مخاطر الانزلاق نحو شعبوية تستعيد معها أسوأ ما في التاريخ الأوروبي الحديث، من فاشية واستعلاء وفصل بين الشعوب وإشاعة الكراهية.
أسوأ ما في الحروب، ليست فقط المعارك العسكرية ونتائجها الكارثية المباشرة، بل تهديمها رأس المال الرمزي الذي كانت قد بنته أوقات السلم، ويبدو أن ما من فضاء جيوسياسي بمأمن من هذا التحوّل الخطير.

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …