الرئيسية / مقالات رأي / التفاوض الروسي – الأوكراني… محكوم بالميدان

التفاوض الروسي – الأوكراني… محكوم بالميدان

بقلم: سميح صعب – النهار العربي


الشرق اليوم – الحوار بعد أي حرب لا بد من أن يعكس التطورات العسكرية على الأرض. فهل وصلت روسيا وأوكرانيا إلى المرحلة العسكرية التي بات يشعر معها الطرفان بأنه بات لزاماً عليهما سلوك طريق الدبلوماسية ووقف الأعمال القتالية؟
منذ اليوم الرابع للحرب التي بدأت في 24 شباط (فبراير) الماضي، وروسيا وأوكرانيا تتحاوران، لكن من دون جدوى، وحتى الممرات الإنسانية لإجلاء السكان تقام من دون تنسيق مسبق بين الجانبين، بعدما دبّ الخلاف حول الاتجاه الذي يجب أن يسلكه الفارون من المعارك، إلى روسيا أو إلى بولندا.
وصولاً إلى إسطنبول مروراً بأنطاليا، بقيت المفاوضات تراوح مكانها. ذلك أن روسيا غير قادرة عسكرياً على فرض شروطها، بينما تشعر أوكرانيا بأن مجرد صمود قواتها كل هذه المدة في وجه الجيش الروسي، يعني أنها وبالمساعدات السخية عسكرياً واقتصادياً من الغرب، تستطيع إذا صمدت فترة أطول أن ترغم موسكو على تعديل شروطها.
وطالما أن الميدان لم تنجلِ معالمه بعد والخرائط العسكرية في تغير دائم، فإنه لا يمكن الحديث عن تقدم حقيقي في المفاوضات. والوفد الروسي أعطى في غضون يومين إشارتين متناقضتين عن حوار إسطنبول، بينما الوفد الأوكراني عندما أعطى موافقة مبدئية على “الحياد” وعدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، فإنه ربط ذلك بضمانات أمنية من ثلاث دول دائمة العضوية في مجلس الأمن زائد تركيا وإسرائيل، وهذا أمر لن تقبل به روسيا، ناهيك بأن تنازل كييف عن منطقتي القرم والدونباس لن يحسم أمرهما بهذه السهولة.
المراوحة في المفاوضات، تشير بلا لبس إلى أن الجانبين لا يزالان يراهنان على تغييرات ميدانية تقلب المعادلة لمصلحتهما. إن روسيا تتوخى من خلال تحقيق اختراق واسع في جبهة الدونباس، حيث تتمركز نخبة الجيش الأوكراني، أن تجبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على إبداء مرونة أكبر حيال المطالب الروسية. وفي المقابل، يراهن زيلينسكي على أن وصول المساعدات العسكرية الموعودة من الغرب وبينها أنظمة للدفاع الجوي من طراز “إس-300” ومقاتلات “ميغ-29” وصواريخ مضادة للسفن، يمكن أن يعدل موازين المعركة لمصلحة الجيش الأوكراني، وتالياً دفع الكرملين إلى التواضع أكثر في مطالبه.
هذه هي تحديداً المعادلة التي تتحكم بمستقبل المفاوضات المقبلة. وعلى هذا الأساس يرفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعوة زيلينسكي إلى اجتماع وجهاً لوجه. وتكرار زيلينسكي هذه الدعوة، ينطوي على فكرة أن الرئيس الأوكراني إذا التقى بوتين، فإنه قد يكون ميالاً أكثر إلى تلبية بعض المطالب الروسية أو الاتفاق على وقف للنار، مقدمة للانخراط في حوار أكثر عمقاً. بيد أن الكرملين لن يجازف بلقاء على مستوى القمة من دون أن يكون ضامناً خروجه بنتائج إيجابية.
قبل نشوب الحرب، سعت روسيا إلى حوار مع أميركا ومع أوروبا من أجل نظام أمني جديد في أوروبا، قوامه عدم ضم أوكرانيا وجورجيا إلى حلف شمال الأطلسي وعدم نشر الحلف صواريخ متوسطة وبعيدة المدى في دول أوروبا الشرقية، التي انضمت إلى الحلف الغربي في مراحل سابقة. لكن بعد قمتين بين بوتين والرئيس الأميركي جو بايدن وبينهما لقاءات بين وزيري الخارجية الأميركي والروسي، وصل الجميع إلى طريق مسدود، فكانت الحرب.
وإذا ما أُعتبرت الحرب بمثابة استمرار للدبلوماسية، وفق المقولة الشهيرة، فإن العمليات العسكرية التي تتخذ أوكرانيا ميداناً لها، تعني أيضاً أن روسيا لا تتفاوض مع كييف وحدها. وربما، يتعين الالتفات إلى ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في بكين الأربعاء، من أن المعركة الدائرة اليوم هي “معركة النظام العالمي الجديد”.
وهذا أيضاً يفسر الكثير من أسباب المراوحة في المفاوضات الروسية – الأوكرانية.

شاهد أيضاً

عن الاحتجاجات الطلابيّة في الغرب وعن حدودها

بقلم: حازم صاغية – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ينتظر كثيرون من خصوم الاحتجاجات الطلاّبيّة …