الرئيسية / مقالات رأي / أسباب المخاوف من مقاطعة واسعة للانتخابات النيابية في لبنان

أسباب المخاوف من مقاطعة واسعة للانتخابات النيابية في لبنان

بقلم: فارس خشان – النهار العربي

الشرق اليوم – حرارة المواعيد المحدّدة للإستحقاق الانتخابي تتّقد ولكنّ الإكتراث الشعبي له يفتر.

لا عجب في ذلك، فهموم غالبية المرشحين في مكان وشجون أكثرية اللبنانيين في مكان آخر.

وإذا ما استمرّت الوتيرة على ما هي عليه حالياً، فقد تشهد هذه الانتخابات نسبة مقاطعة عالية جداً، لن تصل، بطبيعة الحال، إلى مستوى دورة العام 1992 التي كانت فيها المقاطعة نتاج تقاطع جَمَع القوى السياسية المسيحية، ولكنّها لن تكون بعيدة جدّاً عنها وعن تداعياتها وانعكاساتها الوطنية.

وروحية الإمتناع عن التوجّه إلى صناديق الإقتراع سيطرت، في أكثر من مكان، في الدورة الانتخابية الماضية، بحيث فاقت نسبة المقاطعين نسبة المقترعين، للمرّة الأولى منذ دورة العام 1996.

وإذا كانت أسباب ارتفاع نسبة المقاطعة في انتخابات العام 2018، تتحور حول بدء استياء اللبنانيين من إنتاجية الطبقة السياسية، على الرغم من “كرم” وعود مؤتمر “سيدر” و”عظائم” آماله، فإنّ الأسباب الموجبة  لإمكان تضاعف نسبة المقاطعة، في الدورة المقبلة، أكثر من أن يتمّ حصرها، فهي لا تقتصر، فقط على “يأس” من الطبقة السياسية يقابله “يأس” من فاعلية القوى والشخصيات التي تطلق على نفسها صفة “التغيير”، بل تشمل، أيضاً ما يشبه حصرية الاهتمام الشعبي بالهواجس المعيشية والطبية والاستشفائية والقدرة الشرائية والمهنية والهجرة وخلافها.

وإذا كانت الجماهير الحزبية والعقائدية يمكنها أن تتخطّى هذه الحواجز، فإنّ أكثرية اللبنانيين لن تفعل ذلك، فصوت المعركة الحقيقية، بالنسبة لهؤلاء، ليس في تحديد الطرف الأقوى بين أطراف سبق أن تصارعت وتفاهمت وتحاصصت، بل في عجزهم عن تحديد الطرف الأكثر فاعلية في تحقيق الشعارات الجميلة التي يتقاسمها ومنافسيه.

وهذا ما تُدركه القوى السياسية المشاركة في الانتخابات النيابية، ولهذا فكلّ منها يُشهر سلاحه المخصّص لهذه المعركة.

وإذا ما جلنا، بسرعة على الوقائع المتوافرة يظهر الآتي:

– “حزب الله” يسعى إلى تحويل صناديق الإقتراع إلى عبوات سياسية تنسف السفارة الأميركية في عوكر ومقرّات “عملائها” في الداخل، الأمر الذي سهّل عليه تبرير تحالفات عقدها بين حلفائه الذين أمضوا سنواتهم الأخيرة في فضح بعضهم البعض كما هلي عليه الحالة بين “حركة أمل” و”التيّار الوطني الحر”.

– القوى المناوئة له، تعمل على إقناع المقترعين بأنّ هذه الصناديق ليست سوى كلمة سر سحرية من شأنها إسقاط قلاع هيمنة هذا الحزب عليهم وعلى بلادهم، ولكنّها، على الرغم من “وجودية” المعركة، أعجز من أن تقنع بعضها البعض بتحالفات تحول دون تشتّت نتائجها، فصراع الأحجام أكثر أهمية، في الحقيقة، من “الدفاع عن الوجود”.

– القوى والشخصيات التي تطلق على نفسها صفة التغيير، تعد بأنّها سوف تُسقط “حزب الله” ومن يشترك معه من القوى الأخرى، في “مسرحية الخلاف”، ولكنّها، وعلى الرغم من ضعفها البنيوي والتنظيمي، تخوض حربها على “الجبابرة” مقسّمة ومشتّتة ومتعالية وشبه…عارية.

ويُدرك اللبنانيون المدعوون إلى صناديق الإقتراع حقيقة كلّ الأطراف التي تحاول جذبهم إليها، وما اجتمع إثنان غير حزبيين منهم إلّا وكانت هذه الحقيقة ثالثتهما.

وفي اعتقاد خبراء دوليين متخصّصين في الشؤون الانتخابية، فإنّ العوامل التي من شأنها أن تُخفّض نسبة الاقتراع تتوزّع، وفق الآتي:

أوّلاً، إنّ كلّ انطباع يُظهر أنّ نتائج الانتخابات معروفة سلفاً يؤدّي إلى تخفيض نسبة الإقتراع.

ثانياً، إنّ الإحباط السياسي الذي يعيشه المواطن والقلق الوجودي الذي يعتريه يُبعدانه عن صناديق الاقتراع.

ثالثاً، إنّ الإعتقاد بأنّ نتائج صناديق الإقتراع لا يمكنها إحداث التغيير المنشود وتحقيق الأهداف المرسومة، خصوصاً متى استندت إلى أسبقيات يتراوح الحكم عليها بين “العجز” هنا و”الخيانة” هناك، من شأنه أن يدفع المواطن الى المقاطعة.

وهذه العوامل الثلاثة متوافرة لدى نسبة معتبرة من القواعد الشعبية في لبنان.

وثمّة من يرى أنّ إضعاف نسبة الإقبال الشعبي على الانتخابات هدف تنشده أطراف تخشى على نفسها من أيّ موجة مشاركة كبيرة، ولذلك تفضّل إقبالاً شعبياً خفيفاً لا يُلغي تأثير القدرة على التحريك القوي للمحازبين، ويُثمّر “الزبائنية” التي انتهجتها، ويُفعّل الميزانيات التي خصّصتها لشراء الأصوات، ويُضعضع نتائج الترهيب الذي يعتمده البعض، عن سابق تصوّر وتصميم.

ولهذا، فإنّ الدعاية التي تعتمدها قوى سلطوية يقودها “حزب الله” والموجّهة الى عموم اللبنانيين، تختلف جوهرياً عن الخطاب “الحربي” الذي توجّهه إلى المحازبين والمؤيّدين والأنصار.

وتقوم هذه الدعاية على الآتي: لن تُحدث الانتخابات أيّ تغيير، حتى لو أتت النتائج وفق ما يتمنّاه البعض، ف”كم نائب بالزائد وكم نائب بالناقص لن يؤثروا في مسار الأمور”.

في الوقت نفسه، يتم تسميم الجهوزية الانتخابية، بإكثار الشائعات عن إمكان إرجاء هذه الانتخابات، في حين أنّ الخطاب الرسمي، على الرغم من محاولة تبرئة نفسه من هذه “الشائعات”، لا يقدّم جواباً موثوقاً وحاسماً، كربط رئيس الجمهورية ميشال عون، أمس حصول الانتخابات النيابية في موعدها المقرر بشرطين ثانيهما مبهم جداً و”حمّال تفسيرات عدّة”، فإذا كان الشرط الأوّل هو “تأمين الاعتمادات المالية اللازمة لها” فإنّ الشرط الثاني هو” إنجاز الكثير من الترتيبات المرتبطة بها”.

وفي مطلق الأحوال، فإنّ المخاوف من ارتفاع نسبة مقاطعة الانتخابات، لا تبني نفسها على تحليل للمعطيات العامة حصراً، فأوّل المروّجين لليأس من نتائجها المرتقبة، كان رئيس “تيّار المستقبل” سعد الحريري الذي قرّر الإنكفاء عن المشاركة فيها، في وقت تعمل “ماكينته الدعائية” على الترويج لوجوب مقاطعتها واتّهام المشاركين فيها ممّن كانوا عواميد في “بيته السياسي” ولا يتقاسمون معه الوجهة التي اعتمدها، إمّا بـ” الغباء” وإمّا ب”قلّة الوفاء”.

وعليه، فإنّ المسؤولية الأولى التي تقع على عاتق دعاة المشاركة الكثيفة في الانتخابات، لم تعد في حسن اختيار الشعارات، بالتعاون مع شركات التسويق، بل في تقديم الأدلّة على توافر القدرات المادية والمعنوية لتكون نتائج الانتخابات بداية لمسيرة إنقاذ فاعلة لا مجرّد هدف قائم بذاته، بحيث يتغيّر اللاعبون وتبقى اللعبة هي هي!

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …