الرئيسية / مقالات رأي / أوروبا وضرورة تحقيق هدف الشريك المفضل لأفريقيا

أوروبا وضرورة تحقيق هدف الشريك المفضل لأفريقيا

بقلم: جوزيب بوريل – صحيفة “البيان”


الشرق اليوم – بعد تأجيلها عدة مرات بسبب جائحة مرض فيروس «كورونا» 2019 (كوفيد19)، انعقدت قمة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي في بروكسل يومي 17 و 18 فبراير الماضي بين رؤساء الدول والحكومات الأوروبية والأفريقية للمرة الأولى منذ عام 2017. وتمثل هدف الاتحاد الأوروبي في أن يصبح الشريك المفضل لأفريقيا، وهو الهدف الذي حددته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال زيارتنا الأولى لمقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا قبل عامين.
تُـرى ما الذي كان يلزم لتحقيق هذا الهدف الطموح؟ أولاً، يجب أن يكون تناول للشراكة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي متواضعاً. تعادل مساحة قارة أفريقيا مساحة الولايات المتحدة والمكسيك والصين واليابان والهند مجتمعة. تضم القارة 54 دولة ويتحدث أهلها نحو 2000 لغة، وتحوي مجموعة متنوعة من الفرص والمشكلات، وكل هذا يجعل من غير الممكن أن نتعامل معها ككيان متجانس.
ثانياً، يجب أن نكون واقعيين. بين التشاؤم الأفريقي والتفاؤل الأفريقي، أدعو إلى الواقعية الأفريقية. فقبل الحديث عن النمو الاقتصادي والعلاقات التجارية، يتعين على أوروبا أن تُـظـهِـر قدرتها على المساهمة في السلام والأمن والحكم الرشيد في البلدان الأفريقية. وقبل الحديث عن العائد الديموغرافي (السكاني)، يتعين علينا أن نعترف أيضاً بحجم الصعوبات التي قد يخلقها النمو السكاني غير المنضبط في المجتمعات. بحلول عام 2030، سيدخل 30 مليون شاب إلى سوق العمل في أفريقيا كل عام. ولتوليد وظائف مستدامة لهم، يجب أن يكون التعليم الأساسي أولوية قصوى.
علاوة على ذلك، في دعم الانتقال العالمي إلى الطاقة الخضراء والتنمية المستدامة، يجب أن نساعد في ضمان القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية في قارة يفتقر نصف سكانها إلى الكهرباء ويجب أن يخوضوا معركة يومية للحصول على الماء والغذاء. وبينما نساعد البلدان الأفريقية على تطوير قدرتها على إنتاج اللقاحات في المستقبل، يتعين علينا أيضاً أن نساعد في تسريع عملية التطعيم في الوقت الحاضر. فحتى الآن، لا يزال أكثر من 90 % من سكان القارة غير محصنين ضد «كوفيد19».
عند التفكير في هذه القضايا، يتعين على الأوروبيين أن يتجنبوا الوقوع في خطأ الاعتقاد بأنهم يمكنهم فرض أجندة على أفريقيا. ولا ينبغي لنا أن نتجاهل الحقائق المباشرة والقيود القصيرة الأمد التي تواجه الغالبية العظمى من الأفارقة. يصدق هذا بشكل خاص الآن بعد أن أدت جائحة «كوفيد19» إلى تفاقم نقاط الضعف في القارة. في منطقة الساحل، يتزايد انعدام الأمان جنباً إلى جنب مع تزعزع الاستقرار السياسي. وأصبحت منطقة القرن الأفريقي، حيث رأينا تحولات ديمقراطية واعدة قبل عامين فقط، غير مستقرة بشدة الآن. وانزلقت بلدان أفريقية عديدة مرة أخرى إلى دوامة الديون.
عملت الجائحة أيضاً على نقل المنافسة الجيوسياسية في أفريقيا إلى ما هو أبعد من فرص الاستثمار والأعمال لتشمل القيم ونماذج الحوكمة. ونحن نجد أنفسنا في مواجهة قوى عالمية أخرى تختلف أساليبها وأجنداتها تمام الاختلاف عن أساليبنا وأجنداتنا. ولن تتورع العديد من هذه القوى عن استخدام حملات التضليل وغير ذلك من أشكال الحرب الهجين لتقويض النفوذ الأوروبي.
على الرغم من هذه الصعوبات، لا يزال لدينا من الأسباب المقنعة ما يحملنا على الرغبة في جعل أوروبا الشريك المفضل لأفريقيا. أحد هذه الأسباب أن مشكلات أفريقيا هي مشكلاتنا. فالإرهاب وانعدام الأمن لا يعرفان حدوداً.
ومنطقة الساحل ليست بعيدة عن أوروبا كما قد تبدو أحياناً؛ كما يهدد عدم الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي أحد أهم طرق التجارة في العالم. ثم هناك تغير المناخ، الذي سيخلق حتماً موجات جديدة من الهجرة في حين يعمل على تدمير سبل معايش الناس ويجعل مجتمعاتهم غير صالحة للسكنى.
تستنهض ثروة الفرص في مختلف أنحاء القارة مساعينا. تتسم اقتصادات ومجتمعات أفريقيا بالشباب والديناميكية. وسوف تضطر المجتمعات التي تمكنت منها الشيخوخة في أوروبا إلى الاعتماد عليها عاجلاً أو آجلاً. تتمتع القارة أيضاً بوفرة من المواد الخام وإمكانات هائلة لنشر تكنولوجيات الطاقة المتجددة والمساعدة في إنتاجها.
أخيراً، ينبغي لنا أن نفكر من منظور جيوسياسي. من المتوقع أن يصل عدد سكان قارة أفريقيا إلى 2.5 مليار نسمة بحلول عام 2050. تُـعَـد أفريقيا قوة عالمية صاعدة، والشراكة الأوثق من شأنها أن تمكن أوروبا وأفريقيا معاً من ممارسة قدر أكبر كثيراً من النفوذ على المسرح العالمي، مما يعطي دفعة لنموذج التعددية الذي يدعمه كلا الشريكين.
لإحراز النجاح، نحتاج إلى أجندة إيجابية تقوم على أولويات مشتركة. ودون تحاشي الصعوبات، يتعين علينا أن نركز على تحقيق نتائج ملموسة سريعة. إن أفريقيا ليست في احتياج إلى الإحسان أو الإثارة الإعلامية. بل تحتاج إلى التعاون والشراكات القادرة على تلبية طموحات شعوبها حقاً.
لتحقيق هذه الغاية، يحتاج الاتحاد الأوربي إلى الجمع بين مواطن القوة التي تتمتع بها بلدانه، ومؤسساته المالية، وبنوك التنمية، ووكالاته المختلفة. لقد أعطت الجائحة الجوهر لمفهوم هذا النهج القائم على «توحيد قوى أوروبا»، ويجب أن تصبح طريقة العمل هذه عادة لتجنب الاستراتيجية المفتتة وكل ما يصاحبها من مشكلات.
في أفريقيا، كما في أي مكان آخر، لا يكون للاتحاد الأوروبي أي ثِـقَـل إلا عندما تعمل الأجزاء المكونة له معاً. وهذا لا يشمل مؤسسات وحكومات الاتحاد الأوروبي فحسب؛ بل يجب أن تكون منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص أيضاً أكثر انسجاماً مع الديناميكيات على أرض الواقع
إن مستقبل أوروبا سيتشكل إلى حد كبير من خلال مستقبل أفريقيا. وهناك وفي أماكن أخرى، يتعين علينا أيضاً أن ندافع بشكل أفضل عن المشروع الأوروبي من خلال إثبات حقيقة مفادها أن قيمة الاتحاد الأوروبي المضافة تتجاوز مثيلاتها لدى القوى العالمية الأخرى.

شاهد أيضاً

الخطوط الخلفية في الحرب على غزة

بقلم: جمال الكشكي – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم– في تاريخ الحروب كثيراً ما تنشط …