الرئيسية / مقالات رأي / الاستقرار الاستراتيجي ومنع الحرب النووية

الاستقرار الاستراتيجي ومنع الحرب النووية

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- وسط صخب التحذيرات المتتالية من نشوب حرب نووية، عاد الحديث يذكّر الجميع بمفهوم، أو قاعدة الاستقرار الاستراتيجي، الذي كان حائلاً دون وقوع اشتباكات عسكرية كبرى، يمكن أن تشعل حرباً بين القوى النووية، وهو المفهوم الذي تشاركت أمريكا والاتحاد السوفييتي صياغته ووضع أسسه.

 إن محاولة التنبيه إلى معنى الاستقرار الاستراتيجي جاءت مصاحبة للتصعيد حول الحرب في أوكرانيا، والتي تقف فيها دول الغرب، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، في مواجهة مع روسيا، وكلاهما تتمسك بموقفها، وإن كان الجميع يعترفون بأن حرباً نووية معناها الدمار الكامل للطرفين.

 وإن كان ذلك يصاحبه مزج بين التحذير من الحرب النووية، وبين عبارات التهدئة.

والتحذيرات من الحرب النووية صادرة عن أكثر من طرف من الأطراف الضالعة في أزمة أوكرانيا. من ذلك على سبيل المثال، قول سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، إن القادة في الغرب يثيرون الذعر من إمكان حدوث حرب عالمية ثالثة نووية، وإن الرئيس بايدن هو أول من لوّح بإمكان حدوث حرب عالمية ثالثة، وما أعلنه مستشار ألمانيا، أولاف شولتز، عن استبعاده أي تدخل عسكري لحلف الناتو في الحرب الروسية في أوكرانيا، حتى لا تقع مواجهة بين روسيا ودول الغرب. وأيضاً تقييم ألكسندر بوجو مولوف مدير المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية بأوكرانيا، بقوله إن من السابق لأوانه الحديث عن حرب عالمية ثالثة.

 الرئيس بايدن نفسه قال إن الحرب العالمية تقع عندما تحدث مواجهة واشتباك بين أمريكا وروسيا، وتعهد بايدن بأنه لن يرسل قوات أمريكية إلى أوكرانيا تحت أية ظروف.

 في تيار هذه الأجواء جاءت الدعوة لإعادة النظر في مفهوم الاستقرار الاستراتيجي، وكانت أمريكا والاتحاد السوفييتي اتفقا عام 1990، قرب انتهاء الحرب الباردة، على صياغة مشتركة لقاعدة الاستقرار الاستراتيجي، في وقت غابت فيه أية دوافع لدى الجانبين للقيام بالضربة النووية الأولى.

عدد من الخبراء المتخصصين في هذا المجال أخضعوا قاعدة الاستقرار الاستراتيجي للبحث والدراسة، أبرزهم البروفيسور ديمتري ترينين، مدير مركز موسكو في مؤسسة كارينجي الأمريكية، وحملت دراسته عنوان «الاستقرار الاستراتيجي في القرن الواحد والعشرين»، أوضح فيها أنه منذ تقنين هذا المفهوم، فإن أوضاع القوتين الكبيرتين في العالم، قد طرأت عليها تغييرات أساسية، ودخلت عوامل مؤثرة في صناعة قرار السياسة الخارجية، منها مثلاً، تمدد روسيا في بعض المناطق الإقليمية في العالم، بتواجد سياسي، وعسكري، واقتصادي، وعلاقات متعددة الأبعاد. إلى جانب تأثير صعود الصين في طموحات الولايات المتحدة، للانفراد بقيادة النظام العالمي، ودخول التكنولوجيا كأداة جديدة في المواجهات غير العسكرية، التي وصلت إلى حد إلحاق أضرار بهذه الدول من الداخل.

 كل ذلك ساعد على إضافة عوامل مستجدة تغير من أجواء العلاقة بين القوتين الكبيرتين، امتدت إلى مفاهيم منع الحرب بين القوى النووية، بما يعني تغيير الظروف المحيطة بمفهوم الاستقرار الاستراتيجي إلى حد كبير.

 وقد صاحب ذلك كله ظهور توجهات محايدة في تفكيرها ترى إن المحافظة على جوهر معنى وفعالية الاستقرار الاستراتيجي، تحتم ضرورة مراجعة الكثير من المفاهيم والسياسات، بحيث تتوافق مع واقع وظروف القرن الواحد والعشرين، وأن يأخذ ذلك في حسبانه وسائل منع أي مواجهات عسكرية بين القوى النووية، وأن هذه التغييرات لابد أن تشمل دولاً تملك أسلحة نووية، منها كوريا الشمالية، والهند، وباكستان، وإسرائيل، بما يحافظ على الاستقرار في غياب أي نظام مستقبلي للرقابة على التسلح.

 صحيح أن روسيا أقدمت على خطوة لم تتقبلها معظم دول العالم بالهجوم العسكري على أوكرانيا التي تحولت إلى ساحة لتوترات متزايدة بين روسيا والغرب عامة، لكن كان من الممكن تفادي هذا التصعيد من خلال حوار إيجابي بين روسيا وأمريكا، بضبط العمليات العسكرية من جانب روسيا، وباستجابة أمريكا لمطالب روسيا بشأن مخاوفها الأمنية، وزحف حلف الناتو بأسلحة متطورة، وقواعد عسكرية من حول مجالها الحيوي والأمني، خاصة أن أزمة أوكرانيا قد سبقتها عشرون سنة من توسع «الناتو» تجاه حدود روسيا.

وما الذي كان يضير أمريكا، لو لم تقف في وجه إعادة بوتين بناء دولته والخروج من حالة الانهيار الداخلي، والضعف الخارجي التي أعقبت زوال الاتحاد السوفييتي؟

ويبقى السؤال: هل يتقبل الطرفان حلاً وسطاً عقلانياً، لإحياء العمل بقاعدة الاستقرار الاستراتيجي؟

شاهد أيضاً

روسيا التي لا تساند أحداً… علاقة غير عادلة مع إيران

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم– في مقالته في صحيفة “وول ستريت جورنال” …