الرئيسية / مقالات رأي / حول ارتفاع أسعار البنزين

حول ارتفاع أسعار البنزين

بقلم: بول كروجمان – صحيفة الاتحاد

الشرق اليوم- اسمحوا لي أن أقدم نظريتين حول تطورات الآونة الأخيرة، ولكم أن تخبروني بأيها الذي تجدونه أكثر مصداقيةً. النظرية الأولى هي أن السبب الذي جعل الرئيس جو بايدن يبدو قوياً ومؤثراً في الآونة الأخيرة، هو أن شركة ديزني أحلت، خفيةً، روبوتاً متحركاً محل بايدن الحقيقي. والنظرية الثانية هي أن السياسات الاقتصادية الاشتراكية لبايدن، هي السبب في الارتفاع الشديد لأسعار البنزين في الولايات المتحدة مؤخراً. وإذا اضطررت للاختيار، فسأختار النظرية الأولى. صحيح أنها مثيرة للسخرية بالطبع، لكن دحضها ليس بهذه السهولة، وهي ليست إهانةً خبيثةً لذكاء الناخبين بالقدر الذي تمثله النظرية الثانية، والتي يروّج لها “الجمهوريون”.

ويتعين على المرء أن يعلم ثلاثة أمور عن أسعار البنزين: أولها أن سعر النفط الخام (المادة التي تخرج من الأرض) يتحدد في السوق العالمية وليس في كل بلد. وثانيها أن التقلبات في سعر البنزين (المشتق من الخام) تعكس تقلبات كبيرة في هذا السعر العالمي. وثالثها أن السياسة الأميركية ليس لها تأثير يذكر على أسعار النفط العالمية، ولا تأثير لها على الإطلاق في المدى القصير، مثل الأشهر الأربعة عشر التي قضاها بايدن في منصبه حتى الآن. وفيما يتعلق بأسعار النفط الخام، تقوم عدد من الدول بتصدير النفط في الأوقات العادية. ويعتمد توجيه شحن النفط إلى مكان معين على السعر الذي تستطيع هذه الدول الحصولَ عليه. وهذا يجعل الأسعار متساوية إلى حد ما في جميع أنحاء العالم، لأن أي دولة أسعارُها أعلى من المتوسط ​​ستجذب شحنات إضافية، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار، وأي دولة أسعارها أقل من المتوسط ​​ستشهد انخفاضاً في الواردات، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

وكالمعتاد في علم الاقتصاد، هناك بعض التفاصيل المزعجة. فليس كل النفط الخام سواء، ومصافي التكرير في أي بلد قد لا تكون متوائمةً مع استخدام النفط من جميع المصادر. لكن تأثير هذه الأمور تأثير هامشي. وهناك نوعان من أسعار النفط يتم الاعتماد عليهما على نطاق واسع، وهما خام غرب تكساس المتوسط الذي يعكس الأسعارَ في ولاية تكساس، ومزيج برنت الذي يعكس الأسعارَ في أوروبا. ويتحرك السعران في اتساق شبه كامل. وحدث ارتفاع كبير مؤخراً في سعر كليهما. وانعكس هذا الارتفاع في أسعار النفط الخام، بنسبة مماثلة إلى حد كبير، في أسعار البنزين للمستهلك، في كل مكان. صحيح أن متوسط ​​أسعار البنزين يختلف كثيراً بين البلدان، لأن الضرائب على المستهلكين أعلى بكثير في أوروبا مما هي عليه في الولايات المتحدة. لكن التقلبات قصيرة المدى يحركها سعر النفط الخام وهي متشابهة في كل مكان.

وأولئك الذين يحمِّلون بايدن مسؤوليةَ ارتفاع الأسعار هنا، يؤسفني أن أبلغهم أن بايدن ليس رئيس وزراء بريطانيا أو مستشار ألمانيا أو غيره من رؤساء حكومات أوروبا. فارتفاع أسعار البنزين في أميركا جزء من قصة عالمية لا علاقة لها بسياسات الإدارة الحالية. لكن، أليس للولايات المتحدة بعض التأثير على هذه القصة العالمية؟ نحن، على كل حال، أكبر منتج للنفط في العالم، ومثل إنتاجنا حوالي 20% من الإنتاج العالمي في عام 2020. ألا تستطيع أميركا فعل شيء لخفض أسعار النفط العالمية؟ نعم تستطيع، من حيث المبدأ، لكن ليس بقدر كبير في الواقع. فقد زاد إنتاج النفط الأميركي كثيراً منذ عام 2010، في اتجاه بدأ خلال إدارة أوباما واستمر لفترة من ولاية دونالد ترامب. وهذا لم يكن له علاقة بالسياسة، بل بالتكنولوجيا الجديدة، وتحديداً التكسير الهيدروليكي. ثم انخفض إنتاج النفط عام 2020، ليس بسبب السياسة، بل بسبب انخفاض الأسعار خلال الوباء. والآن يعاود الارتفاع بفضل الأحداث وليس بسبب السياسة. ولا غبار على القول إنه لم يكن لأي شيء فعله ترامب أو بايدن أي تأثير ملموس على إنتاج النفط الأميركي، ناهيكم عن أسعار البنزين في الولايات المتحدة. وهذا، بالطبع، ليس ما يريد «الجمهوريون» أن يصدِّقَه الناخبون. الجمهوريون يريدون أن ينسب الناخبون الفضل لترامب في انخفاض أسعار عام 2020، لكن الذي انخفض هو الطلب على النفط لأن فيروس كورونا عطَّل حركة الاقتصاد العالمي. ويريدون أيضاً من الناخبين أن يحملوا المخاوفَ البيئية، التي أعاقت خط أنابيب “كيستون إكس. إل.” والتي قد تمنع الحفر في الأراضي العامة، مسؤوليةَ ارتفاع أسعار الطاقة في الوقت الحالي، على الرغم من أن الأمر يستغرق سنوات قبل أن يكون لهذه التغييرات في السياسة أي تأثير، وهذا التأثير سيكون متواضعاً حتى بعد مرور هذه السنوات.

ولا غرابة في ذلك، على ما أعتقد، فنحن نتحدّث عن حزب ينكر كل شيء، من تغير المناخ إلى فعالية اللقاح، فهل تضر إضافة القليل من الهراء الاقتصادي إلى هذا المزيج؟ لكني أشعر بصدمة على نحو ما. فالمرء ليس بحاجة لفهمٍ علمي أو حتى تحليل إحصائي بدائي ليدرك أن بايدن لا يمكن أن يكون مسؤولاً عن ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة. فكل ما على المرء هو إنفاق خمس دقائق في متابعة ما يحدث في بقية العالم. لكن هل يرى الناخبون الأمور عبر حملة التضليل الجمهوري الأخيرة هذه؟ وهل سيقدم “الديمقراطيون” حُجَّة فعالة تدعم الحقيقة؟ أرجو لو أني أكثر تفاؤلاً مما أنا عليه.

شاهد أيضاً

سوريا وروسيا.. الفرص الناشئة

بقلم: عبدالحميد توفيق- العينالشرق اليوم– تدرك موسكو أن سوريا تشكل أحد التحديات الاستراتيجية المهمة التي …