الرئيسية / مقالات رأي / حرب بين معسكرين

حرب بين معسكرين

بقلم: محمود حسونة – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – الحرب الروسية الأوكرانية ليست مجرد حرب اندلعت بين دولتين جارتين، بسبب نزاع حدودي أو غير ذلك من المشاكل، لكنها حرب بين استراتيجيتين تحكمان العالم، ومعسكرين، شرقي وغربي، امتدت صراعاتهما الدبلوماسية والعسكرية.. الساخنة والباردة لعقود، ونمطين للفكر السياسي يقتسمان الكوكب؛ نمط انتصر بالأمس ليحكم بالتلاشي على قائد النمط الآخر وهو الاتحاد السوفييتي، الذي انفرط قبل ثلاثين سنة، ليصبح العالم في يد أمريكا وحدها، وتفكك الاتحاد السوفييتي لترثه روسيا، ولتهرول معظم دوله للحاق بالركب الغربي، مطالبة إياه بحمايتها من الشقيقة الكبرى روسيا التي أصبحت العدو بعد أن كانت الحاضنة. 

المعسكر الغربي أبى أن تسترد روسيا عافية الاتحاد السوفييتي، فعمل على محاصرتها سياسياً من خلال الثورات الملونة التي فكت ارتباط دول أوروبا الشرقية بها، ومحاصرتها عسكرياً؛ بضم هذه الدول إلى حلف الناتو، وعندما وصل الأمر إلى جورجيا عام 2008 انتفض الدب الروسي، للدفاع عن عرينه، وبقوة السلاح فرض إرادته باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية بما يضمن عدم تهديد أمنه القومي. ومنذ 2014 والغرب يحاول أن يصل بالناتو إلى الحدود الروسية عبر البوابة الأوكرانية، ما دفع الدب للانتفاض مرة أخرى، وقضم جزيرة القرم من أوكرانيا في ذلك العام، وفي 2015 تم توقيع اتفاقية مينسك، لوقف إطلاق النار بين الجيش الأوكراني ومقاطعتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين، وهي اتفاقية تخدم الأمن القومي الروسي، ولكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الموالي للغرب لم يتعلم من درس جورجيا، ولم يتعظ من أحداث 2014 وضياع القرم، ويبدو أنه أصبح مهموماً بتنفيذ الأجندة الغربية، بإزعاج روسيا بالمطالبة بالانضمام للناتو، والوصول به إلى الحدود الروسية، وهو ما لم يتحمله الرئيس بوتين الذي لم يكتفِ بالاعتراف باستقلال دونيتسك ولوغانسك؛ بل تقدم بجيشه، وهدفه المعلن نزع السلاح الأوكراني والقضاء على من سماهم بالنازيين الجدد في أوكرانيا. 

هي حرب بين معسكر يريد أن يستفرد بالعالم ومعسكر يريد أن يستعيد مكانه ومكانته كقوة عظمى. هذه الحرب تشبه حروباً سابقة في القليل من ملامحها، وتختلف عنها في الكثير. فجميع الحروب تكثر خلالها الأخبار غير الدقيقة، والشائعات التي يروجها الطرفان في إطار الحرب النفسية، فلو صدقنا الأخبار الواردة من أوكرانيا، لأدركنا أن روسيا ستنسحب منها مهزومة، ولو صدقنا كل الوارد من روسيا لكان جيشها قد سيطر على كامل أوكرانيا، واعتقل نظامها واستعاض عنه بنظام موالٍ في أيام معدودة وانتهى الأمر. وأيضاً من أوجه الشبه مشاهد الفارين من رعب الحرب؛ الأسر والأطفال وكبار السن والعجزة والمرضى الذين يحملون القليل من المتاع، تاركين بيوتهم ومصالحهم نحو مجهول قد يكون أشد قسوة من نيران القذائف والصواريخ؛ حيث يتكدسون على النقاط الحدودية لأوكرانيا، طلباً للأمن.

أما أهم نقاط التفرد لهذه الحرب، هي أنها تدور على أرض أوكرانيا، ويدفع ثمنها الشعب الأوكراني، على الرغم من أنه مجرد أداة فيها، فالصراع أكبر من هذه الدولة، صراع بين كبار في العالم، يدفع ثمنه أبرياء، كل ذنبهم أن وقعوا ضحية صراعات لا علاقة لهم بها.

هذه الحرب تستخدم فيها أسلحة غير متداولة مثل سلاح «سويفت» الذي عزل روسيا مالياً واقتصادياً، وسلاح التهديد بالردع النووي الذي لم يستخدم منذ الحرب العالمية الثانية، واستخدامه تهديد للجنس البشري كله. 

من يشعل الحرب يحدد ساعة الصفر لانطلاقها، ولكن نهايتها ليست بيده، وهذه الحرب بالذات في حال انتهت عسكرياً فإنها لن تنتهي فعلياً؛ حيث ستبقى لها امتدادات سياسية ودبلوماسية، وها هي ألمانيا تعيد النظر في ميزانيتها الدفاعية، وغيرها على دربها سيسير؛ كما ستطرأ تغيرات على خريطة العالم؛ إذ ربما تفرز تحالفات وقوى عالمية جديدة، فالتنين الصيني دخل على الخط بشكل غير مباشر، وهدد بتحويل «ما سمي بالردع العسكري الأمريكي إلى نفايات حديدية» ولعل هذا التصريح تمهيد لإعلان ضم تايوان، والكوري الشمالي يتحرش ويستفز، ودول عدة تعيش في حالة حيرة ولم تعلن أي موقف بعد، ولا أحد يعرف للمستقبل ملامح محددة.

شاهد أيضاً

لبنان- إسرائيل: لا عودة الى ما قبل “طوفان الأقصى”

بقلم: علي حمادة- النهار العربيالشرق اليوم– تسربت معلومات دبلوماسية غربية الى مسؤولين لبنانيين كبار تشير …