الرئيسية / مقالات رأي / أزمة أوكرانيا والشرق الأوسط

أزمة أوكرانيا والشرق الأوسط

بقلم: د. منار الشوربجي – المصري اليوم

الشرق اليوم – أما وقد انهار النظام الدولي الذي عرفه العالم منذ نهاية الحرب الباردة، صارت الأزمة الأوكرانية إيذانًا بالمزيد من تراجع الشرق الأوسط في الاستراتيجية الأمريكية.

فلاشك أن قضية أوكرانيا قد كشفت عن أن هيكل النظام الدولي الذي بنته الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية بما يخدم مصالحها هي وحلفائها الغربيين يلفظ أنفاسه الأخيرة. فالتباين في المواقف داخل ذلك التحالف كان شديد الوضوح في الأزمة بما صار معه من المستحيل على الولايات المتحدة أن تفرض إملاءاتها على الأطراف الدولية الكبرى. فألمانيا كانت آخر الملتحقين بالموقف الغربي في قضية أوكرانيا، وظلت فرنسا حتى اللحظات الأخيرة تسعى للتوصل لحل عبر المفاوضات.

غير أن رفض الولايات المتحدة وحلف الأطلنطي تقديم الضمانات الأمنية التي طلبتها روسيا دفع بالأزمة للهاوية. فقد طالبت روسيا بضمان عدم ضم أوكرانيا لحلف الأطلنطي وبالحد من نشر قوات الحلف في الشرق الأوروبي، والذي يمثل في الواقع تنفيذًا لما تعهد به بوش الأب لجورباتشوف عشية انهيار الاتحاد السوفيتي.

وقد عزز الغموض الصيني المقصود من أزمة أوكرانيا من موقف روسيا. فوزير الخارجية الصيني عشية بدء الأزمة قال إنه «يتحتم احترام الاعتبارات الأمنية المشروعة للدول». لكن الصين، التي أعلنت مع روسيا في بيان مشترك قبل أسابيع عن «شراكة بلا حدود»، تحتفظ بعلاقات متميزة مع أوكرانيا. ومن هنا سعت الصين لاتخاذ موقف يحتفظ بتوازن حساس اتضح في تصريحات ممثل الصين لدى الأمم المتحدة، الذي قال إن بلاده «سوف تستمر في دعم المحادثات والسلام بطريقتها الخاصة»!

والتحدي الروسي – الصيني المزدوج صار يشكل ضغطًا على السياسة الخارجية الأمريكية. فالولايات المتحدة كانت تستعد لتركيز كل إمكاناتها شرقًا نحو الصين في إطار الاستراتيجية التي أطلق عليها «المحور الآسيوي».

.. وهو السبب الرئيسي في سعي الولايات المتحدة للتراجع في الشرق الأوسط حتى تكثف من وجودها في آسيا. فالدوائر المهيمنة على صنع السياسة الخارجية الأمريكية صارت تعتبر الصين هي «التهديد الأول» لأمريكا اليوم. لكن الوضع في أوكرانيا صار يفرض على أمريكا ليس فقط التوجه نحو آسيا وإنما تركيز جزء من مواردها وانتباهها نحو أوروبا.

فالواضح أن استراتيجية تطويق روسيا عبر مد قوات حلف الأطلنطي بقوة إلى أوروبا الشرقية، المجال الحيوي لروسيا، هي أهم أسباب الأزمة الأوكرانية الحالية. فروسيا اعتبرت ذلك الامتداد تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي بسبب نشر نظم صاروخية من حولها، الأمر الذي جعل انضمام أوكرانيا، المتاخمة لها، للحلف تهديدًا وجوديًا لها. وانفجار الأزمة صار يعني أن على أمريكا أن تكرس من تحالفاتها ووجودها العسكري في أوروبا، وإعادة الحسابات وترتيب الأولويات بما قد يعني المزيد من التراجع في الشرق الأوسط للحد الأدنى.

والتراجع في الشرق الأوسط لا يعني انسحابًا أمريكيًا منه بالمطلق، وإنما يعني العمل، بقدر الإمكان، عبر وكيل إقليمي، إسرائيل هي المرشح الأول للعب دوره، خصوصًا بعد اتفاقات السلام التي عقدتها مع عدد من الدول العربية مؤخرًا.

شاهد أيضاً

وجوه جديدة لأزمة اللاجئين

بقلم: وليد عثمان – صحيفة  الخليج الشرق اليوم- على ضفاف الأزمات التي تتفاقم في المنطقة، …