الرئيسية / مقالات رأي / التّحذير من حرب عالميّة… ليس مبالغة

التّحذير من حرب عالميّة… ليس مبالغة

بقلم: سميح صعب – النهار العربي 

الشرق اليوم – في الحسابات الغربية والأميركية تحديداً، أن الغزو الروسي لأوكرانيا واقع لا محالة، وأن الدبلوماسية، على رغم كثافتها في الأسابيع الأخيرة، أخفقت في ثني الرئيس فلاديمير بوتين عن قرار الاجتياح، علماً أن المواقف الصادرة عن الكرملين تعتبر أن الحديث الغربي لا يعدو كونه تهويلاً، ومحاولة للهروب من الرد على المطالب الأمنية التي تقدمت بها موسكو.   

وفي أوكرانيا نفسها لا تخلو تصريحات المسؤولين من إبداء الدهشة حيال مسارعة الغرب إلى إجلاء دبلوماسييه ورعاياه من كييف، على عكس الترحيب الأوكراني بشحنات الأسلحة القادمة من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا، وغيرها من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي.  

أميركا تقول إنها ترسل التعزيزات الأميركية، من جنود وعتاد، إلى بولندا ورومانيا وبلغاريا وسائر دول أوروبا الشرقية التي كانت أعضاء في حلف وارسو المنحل وانضمت إلى حلف شمال الأطلسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. 

إذاً الخط الأحمر الأميركي ليس أوكرانيا نفسها بل دول أوروبا الشرقية. وأقصى ما يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة لكييف هو مدّها بالأسلحة وتنظيم حرب عصابات لمقاومة القوات الروسية عندما تجتاح الأراضي الأوكرانية.   

وبعبارة أخرى، أميركا تسعى إلى الدفاع عن المكتسبات التي حققتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وعن النظام الأمني الذي نشأ في أوروبا في السنوات التي تلت الحقبة السوفياتية.   

وفي المقابل، تحرص روسيا من خلال حشودها على الحدود الأوكرانية، على إثارة انتباه الغرب إلى مسألة مهمة تتعلق بأمنها، وليس الهدف منها الغزو من أجل الغزو أو ضم المزيد من الأراضي الأوكرانية. جلّ ما يريده بوتين هو تعهد من الأطلسي بعدم ضم أوكرانيا وجورجيا وسحب الصواريخ والأسلحة الهجومية من دول أوروبا الشرقية، المنضوية اليوم تحت لواء حلف شمال الأطلسي.   

وعدم التوصل إلى حلول وسط يمكن في النهاية أن يؤدي إلى مواجهة أميركية – روسية مباشرة، قد تكون الأولى بين أكبر قوتين نوويتين في العالم للمرة الأولى. ولم يستبعد الرئيس الأميركي جو بايدن أن يؤدي الاشتباك الأميركي – الروسي إلى حرب عالمية. ولا يبدو أن في هذا الكلام مبالغة إذا ما أخذنا في الاعتبار الانقسام الدولي القائم حالياً. 

ولم يتردد بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ في التنديد، في بيان مشترك عقب لقائهما في بكين على هامش افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية، في التنديد بـ”العدوانية الأميركية” في أكثر من مكان من العالم.   

هذا يعني أن الصين تقف خلف روسيا في مواجهة الولايات المتحدة، ما يعني أيضاً أن اندلاع شرارة الحرب في أوروبا، قد يصل إلى آسيا أيضاً. لذلك، تبقي الولايات المتحدة ضمن حساباتها أن تنتهز الصين الحرب المحتملة في أوروبا، كي تبدأ هجوماً لضم جزيرة تايوان.    

ولم يفت وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، خلال حضوره الاجتماع الوزاري لمجموعة “كواد” التي تضم إلى أميركا، كلاً من الهند واليابان وأستراليا، في ملبورن الأسبوع الماضي، التذكير بأن أميركا، على رغم انشغالها بالأزمة الأوكرانية، فإنها لا يمكن أن تنسى الخطر الاستراتيجي الذي تشكله الصين على المدى البعيد.    

وأصلاً، أتى اجتماع ملبورن بمثابة رد على القمة الصينية – الروسية، وكرسالة إلى بيجينغ بأن واشنطن تواصل العمل على التصدي للنفوذ الصيني في المحيطين الهادئ والهندي.   

في عالم صنفه بايدن بأنه منقسم أساساً إلى “دول ديموقراطية” بزعامة الولايات المتحدة، و”دول استبدادية” على رأسها روسيا والصين، فإن العداء الأيديولوجي بات متوافراً من أجل تمهيد الأرضية لتحويل النزاعات الباردة إلى نزاعات ساخنة. 

أميركا التي تحشد في المحيطين الهادئ والهندي في مواجهة الصين، وفي أوروبا في مواجهة روسيا، تمضي أيضاً في ممارسة لعبة حافة الهاوية، من أجل البقاء قوة عظمى وحيدة في العالم والحفاظ على القرن الحادي والعشرين قرناً أميركياً آخر.

شاهد أيضاً

انتهى الصّراع بين المسيحيّين فهل ينتهي الصّراع الدّيني كله؟

بقلم: حسن إسميك- النهار العربيالشرق اليوم– “الحرب أمرٌ لا تخلو منه أمةٌ ولا جيل” وقد …