الرئيسية / مقالات رأي / لماذا لم تنضم عُمان إلى اتفاقيات إبراهام؟

لماذا لم تنضم عُمان إلى اتفاقيات إبراهام؟

بقلم: حسن إسميك – إيلاف

الشرق اليوم – عندما انضمت الإمارات والبحرين والسودان والمغرب إلى مصر والأردن في إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، توقّع العرب والإسرائيليون على حد سواء أن تكون عُمان الدولة التالية التي تنضم إلى اتفاقيات إبراهام، لا سيما وأن السلطنة حافظت على علاقات منخفضة المستوى مع إسرائيل منذ سبعينيات القرن الماضي.

لكن بعد أيام قليلة من تلقيه مكالمة من وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد إبان انتخاب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في يونيو 2021، أعلن وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي صراحة وبكل وضوح أن بلاده لن تكون ثالث دولة خليجية تطبّع العلاقات مع إسرائيل.

والسبب الجوهري في هذا الرفض من جانب السلطنة ينطوي على شقّين: الأول هو رغبة عُمان في الحفاظ على دورها كـ “جزيرة الحياد” في بحر الصراع في الشرق الأوسط.

أما الشق الثاني فأوضحه البوسعيدي لوزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد خلال مكالمتهما الهاتفية، قائلاً بأن عُمان تنتظر من الحكومة الإسرائيلية الجديدة اتخاذ الخطوة الأولى نحو إقامة دولة فلسطينية تكون عاصمتها القدس الشرقية.

لا تزال إسرائيل متفائلة رغم كلّ ذلك، إذ توقّع مسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية في أكتوبر الماضي أن تكون عُمان الدولة العربية التالية التي تنضم إلى اتفاقيات إبراهام. حيث قال إلياف بنيامين، رئيس قسم شؤون الشرق الأوسط وعملية السلام في وزارة الخارجية الإسرائيلية، لصحيفة جيروزاليم بوست: “لدينا تعاون وخطط مستمرة مع عُمان”.

ينبع إحجام عُمان عن التوقيع على اتفاقيات إبراهام، أو أي اتفاق مماثل، من التزامها بـ “النهج العُماني” بالحياد وعدم التدخل في معالجة النزاعات الإقليمية، إذ إن “سويسرا الشرق الأوسط” لم تقطع أي علاقات دبلوماسية مع أي دولة.

فقد كانت عُمان على سبيل المثال:

• إحدى دولتين فقط من دول الجامعة العربية -إلى جانب السودان- لم تقاطع مصر بعد إبرامها معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979.

• العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي ظل محايداً طوال الحرب العراقية الإيرانية بين عامي 1980 و1988، كما استضافت عُمان أثناء الحرب محادثات سرية لوقف إطلاق النار في مسقط.

• العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي حافظ على العلاقات الدبلوماسية مع سوريا منذ 2011 وما بعد.

• أول دولة خليجية عربية تستقبل زعيماً إسرائيلياً، هو رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين، وذلك تكريماً لمعاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية عام 1994. وعندما اغتيل رابين على يد متطرف يميني إسرائيلي في نوفمبر 1995، حضر وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي جنازته.

• لم تنضم عُمان (وكذلك الكويت) إلى مقاطعة قطر بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من منتصف عام 2017 إلى يناير 2021.

• العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي لم ينضم إلى الحملة العسكرية التي تقودها السعودية ضد المتمردين الحوثيين الشيعة المدعومين من إيران في اليمن.

• وأخيراً، كانت الدولة الخليجية الوحيدة التي تجري مناورات عسكرية مع إيران. ففي ديسمبر 2021، حيث شاركت البحرية العُمانية في مناورة بحرية مشتركة، هي التاسعة من نوعها، في المياه الإقليمية لإيران في مضيق هرمز وبحر عُمان المحاذي لإيران وباكستان من الشمال، وسلطنة عُمان من الجنوب والإمارات من الغرب.

علاقات غير رسمية

ويبدو أن الإبقاء على العلاقات غير الرسمية مع إسرائيل يصبّ في خدمة استمرارية حياد عُمان وطمأنة العُمانيين أنه رغم وفاة سلطانهم الحبيب قابوس، الذي حكم البلاد برؤية وحكمة طوال خمسة عقود، فإنه لا يزال بإمكان السلطنة الحفاظ على ثبات سياستها الخارجية ومبدئيتها. بالإضافة إلى أنه لم يتزعزع إصرار عمُان المتكرر على ضرورة أن يكون أي اتفاق مع إسرائيل مسبوقاً بموافقة الأخيرة على مبادرة السلام العربية التي وضعها ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود عام 2002.

ورغم الفوائد الاقتصادية لصالح السلطنة، والتي كان سيقدمها التطبيع رسمياً مع إسرائيل لكلتا الدولتين، إلا أن الانخفاض الحاد في أسعار النفط والأزمة الاقتصادية التي تسبب بها، جعلت -ولسبب غير مفهوم- مغريات الاستثمار والتنوع والسياحة والتكنولوجيا الإسرائيلية أقل جاذبية بالنسبة للقادة العمانيين الذين يرون أن الاستثمارات الإيرانية تخدم دولتهم بصورة أكبر.

استطاعت مسقط، وعلى مدى سنوات طويلة، أن تحافظ على توازن دقيق بين علاقاتها الجيوسياسية مع دول ضفتي الخليج العربي، وتحديداً إيران والسعودية.

فمن جهة إيران مثلاً، تتمتع السلطنة بعلاقة مفيدة مع طهران منذ مدة طويلة، وهذا ما برهنة حرص السلطان الراحل قابوس على الحفاظ على مزاياها، ويبدو أن خلفه السلطان هيثم بن طارق آل سعيد المحبوب من شعبه يسير على خطى سلفه ذاتها، وهذا بطبيعة الحال يجعل أي اتفاق مع إسرائيل على غرار اتفاقيات إبراهام أمراً غير وارد، إذ طالما أثارت العلاقات غير الرسمية بين عُمان وإسرائيل حفيظة إيران وقلقها، فكيف إذا انتقلت هذه العلاقات إلى الحيز الرسمي؟ حينها ستشعر طهران بلا شك بالتهديد المباشر لأمنها القومي، وغالباً ستعيد النظر في أواصر العلاقة الوثيقة التي تجمعها مع مسقط.

لا يمكن إنكار أهمية الدور الذي تؤديه عمان في المنطقة، ولا إنكار مستوى تأثيره وفاعليته في حل النزاعات، إذ لطالما كانت السلطنة وسيطاً مقبولاً وفاعلاً نشطاً على الساحة الدبلوماسية بين جميع الأقطاب المتناحرة في حولها، لا سيما بين الإسرائيليين والفلسطينيين وبين الأمريكيين والإيرانيين. وعليه لا يمكن لأحد التغافل عن أنّ رفض القيادة العُمانية لتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل يتجاوز البراغماتية إلى الاستراتيجية.

ورغم إشادة عُمان بقرار الدول الأخرى توقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل، فإنها لن تحذو حذوها في المدى القريب على الأقل. إذ يبدو من المنظور البراغماتي أن الحفاظ على علاقاتها الحالية مع كل من إسرائيل وإيران أمر منطقي. لكن هل سيبقى هذا الموقف ناجعاً من الناحية الاستراتيجية في ظل التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل؟ والتي يغذيها دعم إيران للميليشيات المتطرفة، وأهدافها التوسعية، وموقفها غير المتزن في المحادثات النووية، وبرنامجها النووي الآخذ في التقدم سريعاً؟

هذا غير مرجّح. وأظنّ أن النهج العماني سيكون، عاجلاً وليس آجلاً، غير مقبول بالنسبة لكلٍّ من إسرائيل وإيران.

تنظر إسرائيل إلى عُمان على أنها براغماتية أكثر من اللازم، لا سيما في ما يتعلق بالمواجهات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل. وبالتالي ربما يتخذ الإسرائيليون موقفاً أكثر صرامة تجاه السلطنة ويطالبونها بمزيد من الحسم، وهو ما ستقرره نتائج مفاوضات فيينا إلى حدٍّ كبير.

كما أن الدور الذي تواصل عُمان أداءه في المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي لن يمنحها أي حصانة ضد هدف الأخيرة فرض هيمنتها على جميع دول المنطقة.

تمثل عُمان عمقًا استراتيجيًا واسعًا وممتدا تريده إيران في مواجهة كل من السعودية والإمارات والبحرين والكويت والأردن ومصر. لذلك، وكما فعلت في سوريا والعراق ولبنان واليمن، ستحاول طهران بسط نفوذها عبر إحدى الطوائف الشيعية العديدة التي تستخدمها لتحقيق هدفها بالهيمنة. وفي عمان القوة البديلة لإيران هم المتعاطفون من بعض الإباضية.

ورغم أن هذا السيناريو يبدو بعيداً إلى حد ما، لا سيما إذا ما تم الاتفاق في فيينا، إلا أنه سيصبح أمراً مؤكداً إذا امتلكت طهران سلاحاً نووياً. لأنه إذا انضمت إيران إلى نادي الدول النووية التسعة، فإن تمدد النفوذ الإيراني باتجاه سلطنة عُمان والسيطرة عليها سيصبح أولوية قصوى بالنسبة لطهران نظراً لأهميتها الجيوستراتيجية في المنطقة. وعندها سينهار التوازن الدقيق الذي يلتزمه النهج العماني ويتحطم لا سمح الله.

رغم التشاؤم الشديد الذي يبديه هذا السيناريو، لكنه فرَض وارد ومحتمل، وستمتد آثاره في حال تحققه مثل موجة الصدمة للانفجار النووي في كل دول الشرق الأوسط. إذ لم يعد بإمكان دول بقية الخليج، من الناحية العملية، أن تتحمل خسارة دولة أخرى لصالح النفوذ الإيراني.

لذلك، من الضروري بشكل عاجل أن يزيد العرب من استثماراتهم في عُمان، خاصة بعد الخسائر المالية التي تكبدتها بسبب جائحة فيروس كورونا وأزمة النفط. والسلطنة تحتاج هذه الاستثمارات للمساعدة في توسيع اقتصادها وتقليل معدلات البطالة المرتفعة فيها، لا سيما بين الشباب. حينها لن يكون من السهل إغراء الشاب، الذي يتمتع بمهنة واعدة وراتب ثابت، بالانضمام إلى ميليشيا تدعمها إيران. ومن الناحية العملية، فقد ساهمت البطالة والمستقبل غير الآمن في تغذية نمو الميليشيات في اليمن والعراق وسوريا ولبنان أكثر من أي إغراء جهادي.

من المؤكد أن توقيع معاهدة سلام رسمية مع إسرائيل سيجلب لسلطنة عمان الفوائد التي تشتد حاجتها إليها، كالتنويع الاقتصادي والتوسع في مجالات التجارة بأنواعها، والتكنولوجيا، ووسائل النقل التي تقدمها إسرائيل. ومن المؤكد أيضاً أن إسرائيل ستكسب المليارات في هذه العملية. لكن أهم ما في الأمر أن ذلك سيساعد عُمان أيضًا على تجاوز المنحنى الخطير الذي ينتظرها مع إيران. وهذا ما يؤكد ضرورة أن تُعيد عُمان النظر في قرارها بعدم الانضمام إلى جيرانها في توقيع اتفاقات إبراهام، وذلك قبل أن تجبرها طموحات إيران العدوانية في الهيمنة والتوسع على اتخاذ قراراتها وردود فعلها المصيرية على عجل.

وكما أشار السلطان قابوس نفسه ذات مرة: “لقد أثبت النهج الذي اتبعناه في سياستنا الخارجية خلال العقود الماضية جدواه وسلامته بتوفيق من الله. ونحن ملتزمون بهذا النهج الذي يقوم على مناصرة الحق والعدل والسلام والأمن والتسامح والمحبة والدعوة إلى تعاون الدول، من أجل توطيد الاستقرار وزيادة النماء والازدهار ومعالجة أسباب التوتر في العلاقات الدولية بحل المشكلات المتفاقمة حلاً دائماً وعادلا، يعزز التعايش السلمي بين الأمم ويعود على البشرية جمعاء بالخير العميم”.

والآن حان دور السلطان هيثم لتعزيز قومية عُمان العربية من خلال العمل مع جيرانه للحفاظ على أمن واستقلال بلاده، وبلاد جيرانه، في الوقت الذي نواجه فيه جميعاً كعرب التغيرات المعقدة التي تهدد نتائجها منطقتنا.

كل ما نحتاجه هو جرة قلم لضرب سيف ديموقليس الإيراني!

شاهد أيضاً

كيسنجر يطارد بلينكن

بقلم: غسان شربل – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ذهب أنتوني بلينكن إلى جامعة هارفارد. …