الرئيسية / مقالات رأي / أوكرانيا ومستقبل النظام الدولي

أوكرانيا ومستقبل النظام الدولي

بقلم: د. منار الشوربجي – المصري اليوم


الشرق اليوم – الأزمة الروسية – الأمريكية بخصوص أوكرانيا مرشحة لأن تكتب صفحة للعلاقات الدولية، فتكشف عن سمات النظام الدولي في المرحلة المقبلة. فهي قد تضع أيدينا على المعنى الحقيقي لتراجع انفراد أمريكا بقيادة العالم. ففي تلك الأزمة التي تبدو وكأنها توشك على استدراج العالم إلى حرب ضروس قد تنتهي بنا لفهم المتوقع والمستبعد من أوراق اللعبة.
فروسيا لها مظالم حقيقية تجاه الغرب. فهي قبل انهيار الاتحاد السوفيتي حصلت على تعهد بعدم تمدد حلف الناتو شرقًا ولكن الولايات المتحدة وحلفاءها حنثوا بذلك الوعد، وامتدت أذرع الناتو شرقًا إلى عمق المجال الاستراتيجي الحيوي لروسيا. وهو الأمر الذي جعل أوكرانيا مسرحًا مستمرًا للصراع، خصوصًا بعدما دعمت الولايات المتحدة وصول نظام حليف لها للسلطة هناك.
ورغم أن النظام الدولي لايزال نظامًا أحادى القطبية تقف الولايات المتحدة على قمته، إلا أن القوة العظمى صارت تواجه تحديًا تلو الآخر من أقطاب عدة في ذلك النظام، ليست لأنها أقوى من أمريكا وإنما لأن القوة الأمريكية لا تعني أن بالإمكان استخدامها بالمطلق لإحباط طموحات القوى الأخرى ودون قيد أو شرط.
فما إن تمركزت القوات الروسية بكثافة على الحدود مع أوكرانيا حتى صرنا نشهد معارك لفظية لا نهائية لن تسفر على الأرجح عن حرب بالمعنى التقليدي لجيوش ضد أخرى. فأوروبا منقسمة على ذاتها، ودولها لديها أكثر من سبب لتجنب مثل تلك الحرب. ولعل التجسيد الأكثر دلالة على الموقف الأوروبي كان التصريح الذي أقيل بسببه قائد القوات البحرية الألمانية.
فهو قال إن التهديد الروسي لأوكرانيا «محض خيال»، وإن كل ما يريده بوتين هو «بعض الاحترام». والتصريح يشرح في كلمات قليلة حجم الهوة في تقدير الموقف ليس فقط بين أمريكا وحلفائها الأوروبيين، وإنما بين دول أوروبا ذاتها. فتصريح الرئيس الفرنسي، مثلًا، الذي دعا فيها البرلمان الأوروبي لأن يلعب دورًا في التوصل لاتفاق أمني مع روسيا أثار غضب بعض الدول الأوروبية المتاخمة لروسيا ورفضه الناتو. والرئيس الأمريكي، حين ذكر علنًا الخلافات الأوروبية، أغضب بعض الأوروبيين وأحرج بعضهم الآخر.
وحتى داخل أمريكا يوجد تباين واضح في المواقف بين الرئيس شخصيًا وفريقه. فتصريحات بايدن تعكس أكثر من كل مرؤوسيه ميله الشخصي لقبول ما لا يقبلونه بخصوص بسط روسيا هيمنتها على أوكرانيا. ففي مؤتمره الصحفي عشية مرور عام على تنصيبه، أثار بايدن زوبعة كبرى حين فرق بين رد فعل بلاده إزاء «توغل محدود» للقوات الروسية، ورد فعلها إزاء اجتياح الأخيرة أراضي أوكرانيا.
وهو التصريح الذي راح البيت الأبيض يسعى لتفسيره لاحقًا عبر تغيير الموضوع، والحديث بدلًا من ذلك عن الفارق بين دخول القوات الروسية الأراضي الأوكرانية، وشنها هجمات إلكترونية. ورغم الإعلان، مؤخرًا، عن أن الولايات المتحدة تدرس إرسال آلاف القوات لأوروبا الشرقية، إلا أن الكفة داخل الولايات المتحدة تميل نحو اعتماد مسار العقوبات، بما في ذلك فرضها على بوتين شخصيًا والنخبة الروسية المحيطة به.
لذلك، ستسفر المواجهة الحالية عن الكثير عن طبيعة النظام الدولي فتساعد على استشراف طبيعة المواجهة، القادمة لا محالة، بين الولايات المتحدة والصين بل والمواجهة مع قوى أخرى متوسطة مثل إيران. فالسلوك الأمريكي تجاه روسيا سيكشف عما ستكون الولايات المتحدة على استعداد للتعايش معه عندما تشرع القوى الأخرى في بسط نفوذها، خصوصًا في مجالها الحيوي، الاستراتيجي والجغرافي.

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …