الرئيسية / مقالات رأي / اشتعال كازاخستان… لماذا الآن؟

اشتعال كازاخستان… لماذا الآن؟

بقلم: سميح صعب – النهار العربي

الشرق اليوم- على أبواب الحوار الروسي – الغربي، برزت مشكلة كازاخستان. هي الأخرى جمهورية سوفياتية سابقة تدور في الفلك الروسي، ومن غير المتخيل أن تسلّم موسكو بحدوث انقلاب فيها أو “ثورة ملونة” تقودها إلى المعسكر الغربي، في هذا التوقيت الذي تمر فيه العلاقات الروسية – الأميركية بأحرج مرحلة منذ انتهاء الحرب الباردة قبل أكثر من 30 عاماً.

ولهذا سارع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إرسال قوات إلى كازاخستان، بموجب معاهدة الأمن الجماعي لمجموعة الدول المستقلة التي تضم جمهوريات روسية سابقة، لا تزال الأنظمة فيها على علاقات جيدة مع موسكو.   

وما يحصل في كازاخستان شبيه جداً بما حصل في بيلاروسيا قبل عامين، على أثر الانتخابات الرئاسية التي قالت المعارضة إنها هي الفائزة فيها. وكان الدعم الروسي حاسماً في بقاء نظام الرئيس ألكسندر لوكاشنكو، بعدما رأى بوتين أن ما يجري في مينسك هدفه انتزاع بيلاروسيا من المحور الروسي، وتأسيس نظام موالٍ للغرب في “العمق الاستراتيجي” لروسيا، على غرار ما جرى في أوكرانيا عام 2014 وقبلها في جورجيا.  

تأتي تطورات كازاخستان بينما يستعد الكرملين لخوض مفاوضات شاقة مع الولايات المتحدة في جنيف في 9 كانون الثاني (يناير) و10 منه، على أن يعقبها اجتماع بين روسيا وحلف شمال الأطلسي في 12 الشهر الجاري، ثم تستتبع باجتماع أوسع نطاقاً لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. كل هذه الاجتماعات أتت عقب المكالمة الهاتفية بين الرئيس الأميركي جو بايدن وبوتين الأسبوع الماضي، وهي الثانية بينهما في خلال شهر. وجرى التركيز فيها على خفض التصعيد في أوكرانيا، عقب الحشود الروسية في الأسابيع الأخيرة.    

بيد أن العملية التفاوضية لن تكون من السهولة بمكان، على خلفية الوثيقة التي قدمتها روسيا الى الولايات المتحدة. هذه الوثيقة تحتوي على شقين، أحدهما يطالب أميركا وحلف شمال الأطلسي بوقف تقدم الحلف الغربي شرقاً، والثاني يطالب بضمانات بعدم نشر أميركا والأطلسي قوات وصواريخ في الجمهوريات السوفياتية السابقة. علاوة على ذلك، يطالب الكرملين بأن تكون الضمانات خطية. 

وليس من المتوقع أن توافق الولايات المتحدة على المطالب الروسية كاملة، علماً أن لا خطط أميركية حالياً لقبول عضوية كييف في حلف شمال الأطلسي. وكذلك الحال بالنسبة إلى جورجيا، التي كانت قد تقدمت وأوكرانيا في عام 2008 بطلب الانضمام إلى الحلف. 

وتضع روسيا معادلة الضمانات في مقابل امتناعها عن غزو أوكرانيا. وتجري واشنطن محادثات مع الحلفاء الأوروبيين قبل مفاوضات جنيف لتنسيق الموقف الغربي. وترى إدارة بايدن والحلفاء في الأطلسي، أن المطالب الروسية لا تشكل منطلقاً جيداً للتفاوض، كما دفع الخطاب الروسي البعض في واشنطن إلى أن يتساءل عن مدى فعالية المحادثات المقبلة. وعقب المحادثات الهاتفية بين بايدن وبوتين، أصدرت مجموعة من 24 مسؤولاً أميركياً سابقاً في مجال الأمن القومي وخبراء في الشأن الروسي ـ وهي مجموعة تضم العديد من المسؤولين الذين خدموا في إدارات باراك أوباما وجورج دبليو بوش وبيل كلينتون – بياناً يدعو بايدن إلى “القيام على الفور، وعلناً، بتحديد العقوبات التي قد تواجهها روسيا إذا ما مضى بوتين إلى الأمام في العمل العسكري”.   

وقبل الوصول إلى جنيف، تفيد تقديرات أوكرانية وغربية بأن الغزو الروسي حاصل لا محالة في أواخر الشهر الجاري أو أوائل شباط (فبراير)، وأن بوتين يسعى عبر المفاوضات إلى كسب الوقت، وأنه يدرك أن بايدن لن يوافق على المطالب الروسية، لأنه يعتبر ومعه الدول الأوروبية أن مسألة انضمام أوكرانيا إلى الأطلسي، هي مسألة سيادية تخص أوكرانيا وحدها.

وقد يتخذ بوتين من الرفض الغربي لمطالبه ذريعة لتصعيد الموقف، ربما ظناً منه أن بايدن غير مستعد لإرسال قوات إلى أوكرانيا أو التورط في حرب مباشرة مع روسيا. لكن العقوبات الغربية التي تهدد بها أميركا والاتحاد الأوروبي لا تقل ضرراً عن العمل العسكري، وقد توجه ضربة مشلة للاقتصاد الروسي، وتؤدي إلى إثارة متاعب داخلية لبوتين.   

ومن الآن حتى بدء المفاوضات الأميركية – الروسية، تبقى الأنظار مشدودة إلى الجبهة الأوكرانية، التي قد تكون منطلقاً لتحديد النظام الأمني الجديد في أوروبا للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب الباردة.   

ومع بروز المشكلة الكازاخية الآن، يزداد المشهد تعقيداً بين روسيا والغرب.

شاهد أيضاً

روسيا التي لا تساند أحداً… علاقة غير عادلة مع إيران

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم– في مقالته في صحيفة “وول ستريت جورنال” …