الرئيسية / مقالات رأي / “أوميكرون” والزحف حثيثاً

“أوميكرون” والزحف حثيثاً

بقلم: جاي كيه. فارما – صحيفة الشرق الأوسط

الشرق اليوم- إذا كنت ترغب في معرفة ما يعنيه المتحور “أوميكرون” فيما يخص جهود حمايتك وحماية مجتمعك خلال الأشهر القليلة المقبلة، فعليك بالنظر إلى مدينة نيويورك. الواضح أن هذا المتحور يتسبب في زيادة كبيرة بعدد الإصابات داخل أوساط غير الملقحين والملقحين على حد سواء، ويكاد يكون في حكم المؤكد أنه سيصبح السلالة المهيمنة في غضون أسابيع؛ وهي عملية استغرقت شهوراً في حالة المتحور “دلتا”. المتوقع أن يحدث هذا قريباً في جميع أنحاء البلاد؛ الأمر الذي يضيف مزيداً من الإصابات إلى الزيادة التي يشهدها الشتاء بالفعل داخل كثير من المناطق.

أما علامة الاستفهام الكبرى هنا؛ فهي ما إذا كان العدد القياسي من الإصابات سوف يترجم إلى رقم قياسي في الحالات التي يجري حجزها داخل المستشفيات وكذلك أعداد الوفيات. المؤكد أنه إذا نجحت الدولة في تعديل استراتيجيتها المعنية بالصحة العامة بسرعة، فسيصبح من الممكن حينئذ تجنب هذه الخسائر المحتملة.

الملاحظ أنه بوجه عام تراجع القبول العام للاضطرابات في سير الحياة العامة التي يسببها وباء “كوفيد19″، مثل الأعمال التجارية والمدارس. وعندما تضيف إلى ذلك متحوراً جديداً شديد العدوى، تصبح الخيارات المتاحة أمام صانعي السياسات محدودة للغاية. إلا أن هذا لا يعني بأي حال أنه لا حول لهم ولا قوة. إذ ينبغي الحفاظ في الوقت ذاته على عزم الجمهور على الالتزام بتدابير الحماية الأساسية من “كوفيد19”. يسير هذان الهدفان جنباً إلى جنب، وإذا نجحت جهود الحد من الإصابات الشديدة والوفيات، فإنه من المحتمل أن يستمر الجمهور بصبر في التزام تدابير الوقاية الأساسية. أما إذا جرى تشديد الإجراءات وانتهى الأمر بها إلى إرهاق كل من الحاصلين على اللقاح ومن لم يحصلوا عليه، فإنها ستفقد فاعليتها.

في الوقت الذي يعني فيه “أوميكرون” أن وجود عدد ضخم من الإصابات أمر لا مفر منه في الوقت الراهن، فإن توافر اللقاحات يعني أن معاينة عدد كبير في الوقت ذاته من حالات الاحتجاز في المستشفيات والوفيات أمر اختياري. في هذا الصدد، من الممكن أن يسهم تعديل سياسات التصدي لـ”كوفيد19″ وتكثيف الدعم للمستشفيات ودور رعاية المسنين والمدارس في تقليل أعداد الإصابات الشديدة وتعزيز القبول العام للتدابير الاحترازية.

ويبدأ تغيير السياسة بـ”مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها” بإعادة تعريف الأشخاص على أنهم “محصنون بالكامل” إذا تلقوا جرعاتهم الأولية بالإضافة إلى جرعة أخرى معززة؛ لأن الجرعة الإضافية تزيد الحماية في مواجهة “أوميكرون”. يجب أن تكون الرسالة واضحة تماماً: في زمن “أوميكرون”؛ فإن كون المرء حاصلاً على جرعات اللقاح قد يرجئ فقط، وليس يمنع، الإصابة بالعدوى، لكنه سيحميك من التعرض لمرض شديد وسيساعد المجتمع على تجنب نفاد أسرّة المستشفيات.

يذكر في هذا الصدد أنه داخل الأماكن التي تتطلب تلقيح جميع العاملين في مجال الرعاية الصحية، “قد يتفاقم النقص في عدد العاملين على المدى القصير، مع رفض بعض الأشخاص تلقي جرعة إضافية. ومع ذلك، فإنه سيمنع حدوث اضطرابات على صعيد القوة العاملة على المدى الطويل؛ لأنه سيجنب البعض العدوى ويحمي كثيرين من الإصابة الشديدة”.

علاوة على ذلك، يجب تقصير فترات العزل للأشخاص الذين حصلوا على اللقاح وثبتت إصابتهم ولم تعد تظهر عليهم أعراض، من الأيام العشرة الموصى بها في الوقت الحاضر؛ إلى نحو 5 أيام. وبالنظر لانخفاض مستويات فيروس “كورونا” سريعاً داخل الأشخاص الذين تلقوا اللقاح، فسيتمكن الأشخاص المصابون من العودة إلى حياتهم اليومية بشكل أسرع، رغم أن نسبة صغيرة قد تظل قادرة على نشر العدوى.

يجب أن تنطبق ما تسمى “سياسات اختبار البقاء” على جميع الأشخاص الذين علموا أن أحد المقربين منهم جاءت نتيجة تحليله إيجابية. وبدلاً من مطالبة الأشخاص بالبقاء في المنزل ومراقبة حالتهم، يمكن لوكالات الصحة العامة السماح للأشخاص بالعودة إلى المدرسة أو العمل إذا لم تكن لديهم أعراض وجاءت اختبارات الفيروس لديهم سلبية في البداية وعلى مدار الأيام السبعة التالية. ويجري تطبيق هذه السياسة داخل، ولكن في الأماكن التي تتوفر فيها معدات الاختبار السريع على نطاق واسع. يجب كذلك إقرار السياسة ذاتها داخل أماكن العمل لتقليل الاضطرابات التي تقع على صعيدي الحياة الشخصية والعمل.

ويجب على جميع وكالات الصحة العامة تركيز الرسائل على اللقاحات بوصفها أفضل طريقة لإنقاذ الأرواح والحفاظ على نظام الرعاية الصحية من الانهيار. في مدينة نيويورك، تعلم المسؤولون عن إجراءات الاستجابة مثلي أن أفضل طريقة لتحقيق مستويات عالية من التطعيم لدى البالغين ـ وهم الفئة الأكثر عرضة لخطر الإصابة بعدوى شديدة ـ تتمثل في الإلزام من جانب العمل وإجراءات التحقق من تلقي اللقاحات، خصوصاً فيما يتعلق بالأنشطة الداخلية عالية الخطورة، مثل ارتياد المطاعم والصالات الرياضية.

وأقرت مدينة نيويورك سياسة اللقاح أولاً للاستعداد للزيادات الموسمية المتوقعة في أعداد الإصابات. وخلال موجات الزيادة المفاجئة في أعداد الإصابات، رأينا أن الناس لن يقبلوا بعد الآن بأوامر “البقاء في المنزل” لفترات طويلة على مستوى المدينة والإغلاق التام للمدارس والشركات بعد مرور عامين على تفشي الوباء. إلا أنه من خلال القوانين التي تحفز جميع البالغين على التطعيم، يمكن للمسؤولين إحداث تقليص فوري في الطلب على المستشفيات. ويجب على المدن والدول السعي لإقرار سياسات مشابهة فيما يخص أماكن العمل والأنشطة الداخلية عالية الخطورة، ويجب على الناس أنفسهم السعي للمطالبة بها بوصفها تدابير أساسية لحماية السلامة العامة.

وبينما تعدّ المستويات المرتفعة من التطعيم على مستوى المجتمع ضرورية، فإنه يجب على قادة الصحة العامة إدراك أن هذا في حد ذاته ليس كافياً لحماية المستشفيات ودور المسنين والمدارس.

سيبقى التحدي الأكبر أمام الموجة الحالية من الوباء، متمثلاً في مجال العمل. الواضح أنه في مختلف أرجاء البلاد، يسود شعور بالإرهاق والإحباط أوساط العاملين بمجال الرعاية الصحية والمعلمين، خصوصاً أن كثيراً من المستشفيات ودور رعاية المسنين عانت نقص العاملين بها حتى قبل ظهور “أوميكرون”. وستتفاقم المشكلة إذا ما أصيب عاملون في مجال الرعاية الصحية والتعليم؛ الذين جرى تطعيمهم، بعدوى شديدة تمنعهم من العمل، بينما يبقى زملاؤهم في المنزل لتجنب الإصابة بالمرض. داخل المستشفيات ودور رعاية المسنين، يمكن أن يؤدي نقص الموظفين إلى تدهور جودة الرعاية على نحو بالغ يتسبب في وفاة مرضى.

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …