الرئيسية / مقالات رأي / هل تستطيع أمريكا كسر قبضة روسيا على أوكرانيا؟

هل تستطيع أمريكا كسر قبضة روسيا على أوكرانيا؟

بقلم: ألكسندر فيندمان – صحيفة الشرق الأوسط

الشرق اليوم- إنه أمر ينذر بالسوء مجدداً، كما كان في عام 2014. في ذلك الوقت، تدفقت القوات والدبابات الروسية إلى شرق أوكرانيا، في حين راقب الغرب بصدمة شديدة. وفي هذا العام، أثارت روسيا مرة أخرى فحوى الدعاية المناهضة لأوكرانيا، وجمعت ما يقدر بـ175 ألف جندي على طول حدود أوكرانيا، إلى جانب الدبابات والمدفعية والعتاد. وأثار كل هذا إنذاراً باستعداد روسيا لشن أكبر هجوم عسكري في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

وفي محاولة لتخفيف التوتر، تحدث الرئيس بايدن مع الرئيس بوتين يوم الثلاثاء الماضي. وحقق بايدن تقدماً في الإشارة إلى التكلفة الكبيرة لغزو أوكرانيا، وأوضح أن الولايات المتحدة مستعدة لفرض تدابير اقتصادية عقابية لحماية سيادة أوكرانيا.

غير أن هذا قد لا يكون كافياً لردع بوتين، إذ جمعت روسيا 620 مليار دولار لمواجهة العقوبات الأكثر قسوة. ويدرك بوتين أنه من غير المرجح فرض مثل هذه العقوبات في المقام الأول، لأن حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا سيتعرضون للأذى أيضاً.

إن تزويد أوكرانيا بأسلحة أكبر مثل الصواريخ المضادة للطيران والمضادة للسفن سيكون مفيداً، ولكن التاريخ يشير إلى أن الحكومة الأميركية لا تتحمل المجازفة لاتخاذ هذه الخطوة. ومن أجل تغيير حسابات بوتين، من الضروري تغيير سياسة إدارة بايدن تجاه أوكرانيا من الناحيتين التكتيكية والاستراتيجية لإظهار مستوى أكثر نشاطاً من التفاعل الأمريكي، لكن ذلك يتفادى الانتقال لخوض مغامرات عسكرية.

هنالك قضية أكبر على المحك: الدور الحيوي الذي تلعبه أوكرانيا الحرة ذات السيادة في تعزيز مصالح الولايات المتحدة ضد مصالح روسيا والصين. ويتعين على الولايات المتحدة دعم أوكرانيا عبر تقديم مزيد من المساعدات العسكرية المكثفة، والمشاركة الدبلوماسية العميقة المستدامة، والتعاون الاقتصادي الأكثر أهمية.

حتى الآن، فشلت السياسة الخارجية الأمريكية تجاه أوكرانيا في احتواء الكرملين. وعندما يتعلق الأمر بجيران روسيا، استقر دور واشنطن على أداء سلبي كان في أفضل أحواله متقلباً في صداقتها مع أوكرانيا.

ومن ناحية أخرى، كانت روسيا مهتمة بالمحافظة على مجال نفوذها، واستعادة أهم حيازاتها الإمبراطورية؛ أي أوكرانيا وبيلاروسيا. ولا شك أن بوتين الذي كان يرقب الشهية الأمريكية المتناقصة إزاء التشابكات الأجنبية عبر السنوات القليلة الماضية قد اغتنم فرصة سانحة بالتعدي على السيادة الأوكرانية، بما في ذلك ضم شبه جزيرة القرم وغزو منطقة دونباس. وحتى التدخل في الانتخابات الغربية ليس سوى تكتيك آخر لإضعاف الغرب، وخلق مجال متميز من النفوذ الروسي.

إن الأزمة الماثلة في أفق أوكرانيا اليوم هي ببساطة استمرار لطموحات بوتين. وتصريحات مثل التي أدلى بها بايدن يوم الأربعاء، والتي تفيد بأن المصالح الأميركية تنتهي عند حدود حلف شمال الأطلسي، قد شجعت بوتين على تجاهل المعايير الدولية.

ولا بد لهذا الإهمال الأمريكي أن ينتهي. فالولايات المتحدة وأوكرانيا تتقاسمان الآيديولوجية والمصالح الجيوسياسية طويلة الأجل نفسها. فقد قطعت أوكرانيا، على مدى الأعوام الثلاثين الماضية، خطوات كبرى في تجربتها الديمقراطية. وعلى الرغم من حالات الفساد المقلقة التي تدعمها الحكومة -فما من شك في أنه لا يزال هناك مزيد من العمل الذي يتعين القيام به- حققت أوكرانيا تقدماً مضنياً بشأن الإصلاح في خضم الحرب. وبعد ستة رؤساء وثورتين وكثير من الاحتجاجات العنيفة، أرسل الشعب الأوكراني رسالة واضحة تعكس أهم القيم الأمريكية: إنهم سوف يناضلون من أجل الحقوق الأساسية، وضد القمع الاستبدادي.

أوكرانيا المزدهرة، المدعومة بالإسناد الأمريكي، تجعل روسيا الاستبدادية غير قابلة للحياة على الأمد البعيد. ومن شأن نجاح أوكرانيا أن يقلب تطلعات روسيا غير الموثوقة للإمبراطورية، ويسلط الضوء على إخفاقات الكرملين، كما فعلت إنجازات ألمانيا الغربية في السابق، قياساً بألمانيا الشرقية الشمولية إبان الحرب الباردة. بل قد يقنع الشعب الروسي الذي يشارك نظيره الأوكراني في الثقافة والتاريخ والدين بالمطالبة في نهاية المطاف بإطاره الخاص من التحول الديمقراطي.

بالتأكيد، هذا لا يحدث بين عشية وضحاها. والاستثمار بين الأجيال أمر ضروري لتحقيق هذه الرؤية. ومع ذلك، فإن الخطوط العريضة للتباين الصارخ بين أوكرانيا الديمقراطية المزدهرة وروسيا القمعية الراكدة اقتصادياً أصبحت جلية بالفعل. وهو السبب الذي يجعل بوتين عاقداً العزم على تحويل أوكرانيا إلى دولة فاشلة.

وقد يساعد الدعم الأمريكي لأوكرانيا على دق إسفين بين الصين وروسيا. ويعكس منع بوتين من غزو أوكرانيا قوة التزام الغرب بمعارضة الاستبداد، كما يجعل روسيا شريكاً أقل قوة للصين في جهودها المشتركة لتقويض النظام الدولي القائم على الأسس الغربية.

ولتحقيق هذه الغاية، ينبغي على الولايات المتحدة النظر في انتشار عسكري خارج المعتاد على مستوى الفرق في أوروبا الشرقية لطمأنة الحلفاء، وتعزيز دفاعات حلف الأطلسي. وقد يشير هذا النوع من الانتشار إلى أن العدوان الروسي ربما يسفر عن تداعيات أمنية لا ترغب موسكو في مواجهتها.

ولا تستطيع الولايات المتحدة دعم أوكرانيا بالقدر الكافي من دون مشاركة أوروبية كبيرة. ويرغب الكرملين في جعل عضوية أوكرانيا في حلف الأطلسي قضية مركزية في أي مناقشات. وهذا تشتيت واضح لأن ضمان أن أوكرانيا لن تكون جزءاً من حلف شمال الأطلسي من غير المرجح أن يمنع روسيا من الاستمرار في محاولات إخضاعها.

القضية الأكثر أهمية التي يتعين وضعها في الحسبان أن المفاوضات مع روسيا لا بد من تناولها على مستوى الأمن الأوروبي. وينبغي لهذه المحادثات خلق منافذ سياسية تعمل على تهدئة المخاوف الأمنية الأوروبية والروسية: بالنسبة لروسيا، تعديات حلف شمال الأطلسي والدفاع الصاروخي الباليستي؛ وبالنسبة لحلف شمال الأطلسي، فإن روسيا تعاني من العسكرة المفرطة على الحدود الغربية.

فتحت دعوة بايدن – بوتين يوم الثلاثاء الباب لمثل هذا النوع من المناقشات. والسؤال الذي يظل مطروحاً: هل روسيا مستعدة للسير عبر ذلك الباب وإعادة النظر في موقفها من اتفاقات الحد من الأسلحة التقليدية، مثل معاهدة القوات التقليدية في أوروبا؟

يجب على الولايات المتحدة إشراك أوكرانيا في مبادرات ثنائية أطول أجلاً بشأن الأمن والإصلاح والتعاون الاقتصادي. وفي هذا العام، قدمت واشنطن ما يقرب من 450 مليون دولار من المساعدات الأمنية لأوكرانيا. وعلى الرغم من أهميتها، فإن التعاون الاقتصادي لا بد أن يذهب لما هو أبعد من ذلك، بحيث يتضمن دعم الاستثمار التجاري الأمريكي من خلال مؤسسة تمويل التنمية. كما يجب على واشنطن النظر في الحفاظ على علاقة عالية المستوى أكثر استدامة مع أوكرانيا لا يحددها ما إذا كانت كييف في أزمة أم لا.

شاهد أيضاً

الدور السعودي في مسعى تحرير الشرق الأوسط من قبضة “مجانين” إسرائيل وإيران!

بقلم: فارس خشان- النهار العربيالشرق اليوم– تبدو المملكة العربيّة السعوديّة، في هذه المرحلة، “جوهرة التاج” …