الرئيسية / مقالات رأي / الانزلاق المحتمل في أزمتين متفاقمتين

الانزلاق المحتمل في أزمتين متفاقمتين

بقلم: عبدالله السناوي – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – تتصاعد بالتزامن أجواء توتر سياسي وعسكري في أزمتين دوليتين متفاقمتين، إحداهما في شرقي أوكرانيا قرب الحدود الروسية، والأخرى في الشرق الأوسط من حول المشروع النووي الإيراني.

في الأزمتين استهلكت الدبلوماسية اتصالاتها المعلنة وغير المعلنة دون أن تتوصل حتى الآن إلى تسوية تمنع أي انزلاق محتمل إلى مواجهات عسكرية كلفها باهظة وعواقبها وخيمة.

لا يوجد من هو مستعد أن يتحمل تبعات المواجهات العسكرية، لا في أوروبا ولا هنا في العالم العربي، غير أن الانزلاق يظل محتملاً بالنظر إلى التصعيد السياسي والإعلامي الجاري حالياً بغرض تحسين الأوضاع التفاوضية.

أسوأ مقاربة ممكنة عزل إحدى الأزمتين عن الأخرى، فالتداخل حادث بحسابات القوى والمصالح والمكانة التي تطلبها الأطراف المتنازعة.

بالنسبة للرئيس الأمريكي جو بايدن فهو تحت اختبار سياسي قاس ومزدوج أمام الرأي العام في بلاده، الفشل فيه يكلف حزبه الديمقراطي خسائر موجعة في الانتخابات النيابية المقبلة، كما يضرب صورته السياسية على نحو فادح بعد ما نالها من أضرار بأثر الانسحاب العشوائي من أفغانستان.

الفشل في الأزمة الأوكرانية، التي تدخل في صلب النظر الأوروبي لأمنه، يسحب عن الولايات المتحدة صفة زعيمة العالم الغربي، التي اكتسبتها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.. والفشل في الأزمة الإيرانية يوسع أزمة الثقة الغربية في قدرة الولايات المتحدة على قيادته في عالم جديد وأمام تحديات مختلفة.

في حال الفشل، فإن تصدع المكانة الدولية للدولة التي كانت توصف بالقوة العظمى الأولى حادث لا محالة وانهيار حلف «الناتو» مسألة وقت.

الخيار الدبلوماسي يتصدر الأزمتين، لكنه قد لا يكون خياراً وحيداً بالانزلاق المحتمل.

لم تكن هناك نتائج يعتد بها في القمة التي جمعت بايدن مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة توقف تدهور الأزمة الأوكرانية.

كان أقصى ما لوح به بايدن، أنه سوف يفرض عقوبات اقتصادية قاسية إذا ما أقدمت القوات الروسية على غزو أوكرانيا بصورة تماثل اجتياح شبه جزيرة القرم عام 2014.

فكرة الاحتكام إلى السلاح مستبعدة من قاموس الرئيس الأمريكي، والمغامرة بحرب نووية مستحيلة في البيت الأبيض والكرملين على السواء.

هكذا فإن «الخيارات المتاحة» محدودة للغاية في الأزمة الأوكرانية فيما قد تتسع بالانزلاق لخيارات أخرى ذات طبيعة عسكرية في أزمة المشروع النووي الإيراني.

إرسال قوات أمريكية للدفاع عن أوكرانيا «غير مطروح»، بذريعة أنها ليست عضواً في حلف «الناتو»- بنص كلام بايدن.

هكذا وضع يشكل قيداً نهائياً على أي انزلاق في المواجهات العسكرية بالأزمة الأوكرانية، لكنه تحدث عن «خيارات أخرى محتملة» في الأزمة الإيرانية.

هذا ما يدركه بوتين في حساباته وتحركاته، فهو ينفي تماماً وجود أية نوايا عدوانية على أوكرانيا، خشية أية انزلاقات بالفعل ورد الفعل إلى حرب مدمرة لا يريدها، دون أن يتوقف عن حشد عشرات الآلاف من القوات والمعدات العسكرية على الحدود.

الحشد العسكري الروسي يستهدف بالمقام الأول الضغط على أعصاب الطرف الآخر في الأزمة لتليين مواقفه في أية مفاوضات ومساومات.

إذا ما تمكن بوتين من أن يحقق كسباً استراتيجياً في الأزمة الأوكرانية، على الرغم من أية عقوبات اقتصادية منتظرة، فإنه ليس بوسع بايدن أن يتحمل أية خسائر أخرى في الأزمة الإيرانية.

مشكلته –هنا- أكثر تعقيداً، فهو قد تعهد مراراً وتكراراً أثناء حملته الانتخابية بإحياء الاتفاق النووي مع إيران، الذي ألغاه عام 2018 دونالد ترامب، غير أن الرهانات لم تمض بالسهولة التي توقعها.

راوحت المباحثات التي جرت في فيينا مكانها بين التصعيد والتهدئة، تبادل الطرفان الأمريكي والإيراني الاتهامات الخشنة دون إغلاق الأبواب أمام فرص حلحلة ما يعيق التوصل إلى إحياء الاتفاق النووي.

إذا ما جرى ذلك الإحياء، فإن المنطقة كلها سوف تدخل حقبة جديدة، بالتزامن مع الانسحاب الأمريكي المتوقع من العراق، تفترض تسويات واسعة في الأزمات المزمنة التي استهلكت طاقة الإقليم ويبدأ في الوقت نفسه صراعاً محتدماً حول من يملأ الفراغ.

السؤال: ما الذي قد يحدث إذا أخفقت مباحثات فيينا في التوصل إلى أية تسوية؟

لا الأمريكيون يطلبون الحرب مع إيران ولا الإيرانيون بوارد طلب هذه المواجهة، غير أنها قد تحدث بالانزلاق.

يصعب أن تتحمل الإدارة الأمريكية الحالية عبء فشل ثالث بعد أفغانستان وأوكرانيا، وقد تجد نفسها مدفوعة لعمل عسكري بالتحريض أو بالإحباط،

حسب بايدن، فإنه لن يسمح لإيران بحيازة سلاح نووي تحت أي ظرف. الصياغة نفسها توحي بعدم استبعاد العمل العسكري، أو بأنه قد تكون هناك «خيارات أخرى».

الاتصالات العسكرية والاستخباراتية المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإسرائيل أقرب إلى رسائل ملغمة للمفاوض الإيراني، بأن العمل العسكري ممكن.

الأمريكيون لا يوافقون تماماً على الخيار العسكري، لكنهم لا يمانعون في التلويح به خشية أن تمضي إيران في مشروعها النووي إلى آخره، فيما يسعى الإيرانيون لرفع سقف مطالبهم خاصة إلغاء العقوبات عن بلادهم، كل العقوبات المتعلقة بالملف النووي أو بأية قضايا أخرى، دون إغلاق باب التفاوض، حتى لا تتوفر ذريعة للعمل العسكري بمشاركة إسرائيلية مرجحة.

بالنسبة لبوتين، فإن الأزمة النووية الإيرانية تدخل في قائمة أولوياته، إذا ما جرت تسوية فهو حاضر بأية ترتيبات وتسويات لأزمات الإقليم، وإذا ما أخفقت مباحثات فيينا في التوصل لأية تسوية فهو متمركز وحاضر طلباً لمصالح استراتيجية.

الأزمتان معاً، بكل حمولات الخطر، يدفعان للاعتقاد بأننا أمام اختبارات قوة على حافة النيران قبل ميلاد نظام عالمي جديد يوشك أن يعلن.

شاهد أيضاً

كيسنجر يطارد بلينكن

بقلم: غسان شربل – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ذهب أنتوني بلينكن إلى جامعة هارفارد. …