الرئيسية / مقالات رأي / أوكرانيا.. معضلة الجغرافيا

أوكرانيا.. معضلة الجغرافيا

بقلم: مصطفى فحص – الحرة

الشرق اليوم- تدفع أوكرانيا ثمن موقعها الجغرافي، الذي يفرض شروطه على خيارات كييف الجيوسياسية والاستراتيجية. فالجغرافيا السياسية في الحالة الأوكرانية ذريعة لعبور الفاتحين أو الطامحين القدامى والجدد ذهابا وإيابا بين غرب القارة وشرقها، لذلك لا تحسد كييف على موقعها ولا على جيرانها خصوصا من تخاصمهم  ويعادونها.

فالحدود المحاذية للإمبراطورية الروسية كانت قيصرية أو سوفياتية أو بوتينية، لا يمكن ان تستقر إلا إذا خضعت كييف لهذا الثقل التاريخي. والمعضلة ان البوتينية الصاعدة لا ترى أوكرانيا إلا من خلال هذا الثقل منذ نشأت إمارة (كييافسكيا – روس) سنة 882.

بالنسبة لموسكو، فإن المقاربة الأوروبية والأمريكية بشأن أوكرانيا مرفوضة، فحتى وإن ساومت على بعض القضايا أو حتى استجابت لبعض الضغوط فإنها تبقى مؤقتة، وذلك بحكم الجغرافيا والتاريخ والعقيدة، لذلك يصعب عليها الاستجابة لكافة الخيارات الغربية المطروحة. فأوكرانيا خارج الناتو لكن صديقة أو حليفة له، ستبقى مصدر قلق للقاطنين خلف أسوار الكرملين مهما كان التوازن العسكري لصالحهم.

فهؤلاء المسكونون بهواجس إمبراطورية تاريخية، وعقدة الخوف الدائم من الحدود الغربية، غير مستعدين لتقبل أي حل لا يعيد عاصمتهم الأم التي يسمونها في أدبياتهم (أم المدن الروسية) إلى بيت الطاعة.

في شروط الجغرافيا الصعبة، فإن أوكرانيا لا يمكن أن تكون النمسا الثانية. ففي عام 1955 نجحت فيينا في انتزاع سيادتها وحيادها وخرجت من معضلة الإنحياز إلى أحد المعسكرين (الغربي أو الشرقي)، وساعدها على ذلك موقعها الجغرافي البعيد عن الحدود الروسية، وهذا بالعكس تماما للجغرافيا الأوكرانية التي تدفع موسكو لرفض حتى فكرة حيادها. 

في القمة الافتراضية التي جرت بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن، والروسي فلاديمير بوتين، الثلاثاء الفائت، لم تحصل كييف على ضمانات حقيقية من الطرفين. فواشنطن حددت مستوى الدفاع عنها بالعقوبات الاقتصادية، فيما موسكو لم تعط أية ضمانات بعدم اجتياح أراضيها، فيما كان الجانبان الروسي والأمريكي يعيدان طرح اتفاقية مينسك للحل كأرضية للتسوية وهي التي تفرض على كييف اتخاذ مجموعة من الإجراءات تؤكد فيها على صداقتها العميقة لموسكو حتى تتقبل الأخيرة نوعا من الحياد في نموذج يشبه النمسا سابقا وكازاخستان حاليا.

في قمة يوم الثلاثاء الفائت بين بايدن وبوتين، كان الإخفاق واضحا، ولم تتجاوز التفاهمات بينهما مستوى الاتفاق حول تصورهما لمسألة الضمانات الأمنية التي تطالب بها موسكو، لكن لا يمكن وضع ما تطالب به موسكو من ضمانات إلا في إطار المراوغة الإستراتيجية التي تعتمد على غموض المواقف، حيث باتت الأطراف عالقة أمام معضلة رئيسية، اذ لا يمكن للناتو التراجع عن تحالفه مع أوكرانيا، وهذا بالنسبة لموسكو سيأخذ كييف على المديين المتوسط والبعيد إلى الانضمام إلى التحالف، الأمر الذي  يمثل لموسكو استحالة استراتيجية.

لم تخرج القمة بين الرئيسين بحلول؛ لم تقدم واشنطن اعترافا لموسكو بمشروعية عودة هيمنتها ولو الجزئية على الفضاء السوفياتي. وبالرغم من حدود التدخل الأمريكي واستبعاد خوضها لمواجهة عسكرية، فواشنطن غير معنية بارضاء غرور الرئيس الروسي ولا بتلبية طموحاته، فالكرملين لمس تقبلا أميركيا لاتفاقية مينسك، لكنه متأكد بأنها لن تتحول إلى يالطا جديدة مصغرة، فعلى ضفتي الأطلسي تواجه موسكو رفضا قاطعا لمشاريع نفوذها.

حتى الآن اكتفت واشنطن بالتلويح بعقوبات اقتصادية قاسية ومدمرة ضد موسكو، وبتقديم مساعدات عسكرية ثقيلة في حال غامرت الأخيرة وذهبت إلى الخيار العسكري. لكن يبقى السؤال كيف ستتعامل موسكو مع هذه التحذيرات، وهي على يقين بأن أمريكا لن تدخل في مواجهة عسكرية مباشرة معها، وبأن الأوروبيين يتجنبون أي حرب داخل قارتهم، لذلك تبقى الإجابة غامضة خلف أسوار الكرملين.

شاهد أيضاً

الأردن: معركة محور التّطرف!

بقلم: محمد صلاح – النهار العربي الشرق اليوم- ليس سراً أن مصر والأردن خسرا كثيراً …