الرئيسية / مقالات رأي / هندسة السباق الصينيّ الأميركي

هندسة السباق الصينيّ الأميركي

بقلم: سالم سالمين النعيمي – صحيفة “الاتحاد”

الشرق اليوم – تتسابقُ الدولتان العظمتان في شتى مجالاتِ الحياة، وتسعى كلّ دولة لتحقيق سبقٍ على حسابِ الأخرى سواءً في التجارة، الصناعة، التكنولوجيا، المعرفة، العلوم أو في تسويق نموذج كل منهما في العالم، والتواجدُ في كلِّ بقعةٍ في الأرضِ تعتبرُ ذات قيمة استراتيجية تضيف لقوتهما وتمكنهما من الهيمنةِ على محاور الموارد والسلاسل والإمدادات في العالم، وطرق وممرات حركتها، وهي ظاهرة طبيعة لقوتينِ تسعيان للهيمنةِ على العالمِ وعقد صفقات وتكتلات تهدف إبطاء وعرقلة النمو والصعود المتنامي لكل طرف في الصراع والأطراف الداعمة لكل خندق، وذلك على طولِ خط مسار بُؤر التوتر العديدة في كلِّ قاراتِ العالم، وبعد أن ضاقَ المجال في سباقهما على الأرض انتقل الطرفان إلى الفضاء وما خلف الفضاء وخلف الجدار الجليدي لإيجاد القيمة المضافة لكل طرف للتفوق على الآخر بصورةٍ مستدامة وردعه استراتيجياً في المجالات غير المرصودة بالعين المجردة، والبعيدة عن التنافسِ التقليدي في العلاقات الدولية، وتحويل السباق لأبعادٍ جديدة أبرزها المناخ، الفضاء، والفضاء الإلكتروني والافتراضي، والتأثير من خلال عولمة مفاهيمٍ قديمة بحلةٍ وثوبٍ جديد وبتقنيات مذهلة، وبما في الهندسة الاجتماعية والسياسية والجيوساسية.

ومن جانبٍ آخر أصبحت التطورات الناشئة في العلاقاتِ الدولية مرهونةً بمتغيراتٍ لم تكن ضمن المعادلات والنظريات السابقة، ومنهجيات الفكر الاستراتيجي لكبار مفكريه ومدارسه في العالم، حيث أصبح الذكاء الصناعي وتطبيقاته المتعددة والبيانات الضخمة والبحوث العلمية واختراعات التكنولوجيا والإعلام غير الرسمي والمعادن النفيسة التي تدخل في صناعات تقود لتفوق طرف على الآخر، والأوبئة وإحداث التغير المناخي أو التي تقع تحت هذا الغطاء هي من يحرك توجهات العالم، وذلك بجانب تسخير المعرفةِ كأداة محورية؛ للتأثير على إعادة ترتيب أوراق النظام السياسي العالمي، وهي أمور ترتبط حتى بالتحركات في بحرِ الصين الجنوبي والمحيط الهندي والهادئ والأطلسي.

وبالمقابل لا يستطيع المعسكران الأقوى في العالم والتحالفات والتكتلات التي يقودونهما في الانتصار في مواجهة مباشرة بينهما؛ لكونه بمثابة إعلان لنهاية الوجود البشري على الأرض، ونشر متعمد للدمارِ الشامل والخراب في العالم وعوضاً عن تلك المواجهة المباشرة، يتم إحداث الفوضى في جميع أنحاء العالم، واستخدام أدوات كالقروض، والديون السيادية، والإغراق الاقتصادي والمالي، وتجفيف أو تجميد أو تحويل مسار بعض الموارد الطبيعية، ونشر الفساد، وهزيمة الإرادة الوطنية، وتدمير الهويات الثقافية والأخلاقية وغيرها من الممارسات التي تؤدي لقلب الموازين في النهاية والفوز بالحروب دون خوضها ماديًا.

فكلتا الدولتان تخططان لكسبِ السباق بينهما بحلول عام 2050 والبداية في حصر النزاعات في المساحة الرمادية الخفية غير المباشرة التي لا نراها، ولكننا نشعر بكل تداعياتها في حياتنا اليومية، وتسابق محموم لتحول للدولة القائدة والرائدة للابتكار والاختراع في العالم، ولذلك المجال الحيوي والدول التي تعتبرُ مهمةً للدولتين لن تكونَ فقط من تملكُ مواقع استراتيجية وموارد مهمة. ولكن من تملكُ أفضلَ بنية تحتية ذكية، وموارد بشرية استثنائية، ونظام تعليم وتأهيل مهني يتفوقُ على نظرائه في العالم، أي أن الدول الأكثر إبداعاً وابتكاراً واختراعاً في العالم ستكونُ محلَ صراع كبير بين الدولتين العظمتين، بجانب الدول التي تملك الموارد الكبيرة للصناعات والتقنيات الأهم في عالم اليوم وفي المستقبل.

وقد تجد صراعاً غير مسبوق مثلاً على دولةٍ صغيرة في أفريقيا يعتقد العالم بأنها لا تملك ما يستحق كل هذا الضجيج، ولكنك مجرد أن تسمع تواجد القوى العظمى في تلك الدولة، فاعلم أنها مهمة لصناعةٍ حيويةٍ تدعمُ ملفاً حيوياً كحرب «الخردة الفضائية»، وجعل أقمار العالم الاصطناعية سلاحاً فتاكاً، ومن المرجح أن تستمرَ الولايات المتحدة والصين في تبادل الأدوار على النطاق الدولي في المستقبل، لا سيما بالنظر إلى أن كلا الاقتصادين يتغذيان في جزء كبير بالتكنولوجيا التي تعد قطاعاً متنامياً.

شاهد أيضاً

التحرك المطلوب من واشنطن بشأن غزة

بقلم: عبد العزيز حمد العويشق- الشرق الأوسطالشرق اليوم– أظهرت اجتماعات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن …