الرئيسية / مقالات رأي / عملات البنوك المركزية الرقمية تغنيك عن محفظتك

عملات البنوك المركزية الرقمية تغنيك عن محفظتك

بقلم: جوزيف دانا – العرب اللندنية

الشرق اليوم- يُثار الكثير من الضجيج حول العملة الرقمية للبنك المركزي أو “سي.بي.دي.سي” (CBDC)، وفي العام الماضي أصبحت جزر البهاما أول بلد يصدر عملة رقمية عن طريق بنكه المركزي، وفي الأول من أكتوبر كشف البنك المركزي النيجيري النقاب عن “إي – نايرا” (e-Naira)، وفي العام الماضي بدأت الصين تجربة اليوان الرقمي في أربع مدن، بينما تعمل الولايات المتحدة وبريطانيا على برامج تجريبية، وإصدار أوراق بحثية توضح كيفية عمل العملة الرقمية التي يصدرها بنكاهما المركزيان. ولا يزال الكثير من الناس ينظرون إلى الفكرة بنظرة الشك ويخطئون في اعتبارها شكلاً من أشكال العملة المشفرة، ولكن لا حاجة للتوجس منها فهي ليست كما يظنون.

والأمر الذي يثير التساؤل إذن هو: ما هي العملة الرقمية للبنك المركزي “سي.بي.دي.سي”؟ والجواب بكل بساطة هو أنها تشبه النقود الموجودة في محفظتك، إلا أنها غير مطبوعة، أي غير ورقية، وهي بدلا من ذلك تُصدر إلكترونياً، مثلها مثل العملة الورقية. فلكل عملة رقمية صادرة من البنوك المركزية رقم تسلسلي يمكن التعرف عليه، بعكس عملة البيتكوين والتي تشبه جرة من الذهب وبالتالي لا يمكن التعرف على ما تحويه. إن امتلاك بعض من عملات البيتكوين يشبه اكتناز بعض السبائك الذهبية، فمثل الذهب يمكنك اقتطاع جزء من السبيكة لدفع بعض المال لشخص ما أو تجميع أجزاء من البيتكوين في “كتلة” من العملات المشفرة، أي أنها “قابلة للصهر” بصورة لا متناهية، إذا جاز التعبير.

البنية التحتية المالية آخذة في التغير، وعمر النقود الورقية يعود إلى سلالة تانغ الصينية في القرن السابع، وعلى الرغم من أنها لم تنطلق حقًا حتى عهد أسرة سونغ في القرن الحادي عشر

وقد تعترض قائلاً إن هذا لا يبدو مختلفًا تمامًا عن الدفع بالبطاقة الائتمانية، أو التحويلات المصرفية الإلكترونية. وفي الحقيقة الأمر مختلف كلياً، لأن الدفع من خلال البطاقة هو شكل من أشكال الشيكات، أو تعليمات لدفع الأموال من حسابك، يتم تمثيل هذه الأموال في النهاية بالنقد المادي الذي يطبعه البنك المركزي، وقد يتم تمثيلها رقميًا في حسابك، ولكن هناك مخزن لتلك الأموال المادية في مكان ما لدعمها. وفي كل مرة تستخدم فيها نظام الدفع الإلكتروني لدفع قيمة كوب القهوة، هناك وسطاء يطابقون دفعتك بحسابك المصرفي ثم يحولونها إلى ستاربكس. وأنت بحاجة إلى ماستركارد (Mastercard) أو فيزا (Visa) كوسيط، وهو الدور الذي تلعبه تلك الشركات نظير مقابل مالي.

كما يوجد سجلّ إلكرتوني لكل معاملة على عكس النقود الورقية التقليدية، وهذا يجعل من الصعب ممارسة غسيل الأموال أو تمويل الأنشطة غير الشرعية.

ولا يزال معظم الناس لا يفهمون ما هو البلوكتشين، ولا يمكنهم فهم كيف تستطيع تلك التكنولوجيا خلق العملات الرقمية للبنك المركزي “سي.بي.دي.سي” والعملات المشفرة. وفي الواقع، كون عملات البنوك المركزية تعتمد على بلوكتشين تمامًا مثل العملات المشفرة فذلك يجعلها مباشرة عرضة للشبهات.

وتعد العملات المشفرة والعملة الرقمية للبنك المركزي مصطلحات متماثلة في أذهان الكثير من الناس. والمشكلة مع إحداهما تؤثر على الأخرى. على سبيل المثال، لم تكلل تجربة اعتماد السلفادور لعملة البتكوين بالنجاح (تم تجريب البتكوين في سبتمبر بدلا من تجريب عملة رقمية لبنكها المركزي) حيث كان هناك ارتباك وحيرة بين بعض السكان، وحذر المراقبون الدوليون من أن الدولة ستعزل نفسها عن الاقتصاد العالمي (وهذا مثل الخوف من العملات المشفرة). وتساءل الجمهور ​​عن النيات الحقيقية لأولئك الذين يديرون البلاد.

وفي الواقع حدثت المشكلة الحقيقية بعد أيام من اعتماد السلفادور لعملة البيتكوين، حيث تعرضت سلسلة بلوكتشين والعملات الرقمية الجديدة والمثيرة سولانا لانقطاع لمدة 17 ساعة، مما دفع بالبعض إلى التساؤل عن مدى قوة تقنيتها والمخاوف من انتشارها إلى العملات المشفرة والعملات الرقمية البنكية الأخرى.

وقد نضيع في بحر من الأحداث الساخنة حول هذين الحدثين، وحقيقة يعتبرها معظمنا من المسلمات، ونحن في المراحل المبكرة جدًا من تقنية بلوكتشين والعملات المشفرة والعملة الرقمية للبنك المركزي. ولا يُعد هذا حكمًا حول استخدام بلوكتشين أو العملات المشفرة وفعاليتها، بل إنه تذكير متواضع بأننا في الأيام الأولى لتكنولوجيا مبتكرة للغاية.

وفي الأيام الأولى للإنترنت، أصاب فايروس يسمى دودة موريس في عام 1988 ما يصل إلى 10 في المئة من أجهزة الكمبيوتر المتصلة بالإنترنت، وعلى الرغم من هذا الحدث المدمّر الذي أشار إليه المعارضون في ذلك الوقت باعتباره جانبًا سلبيًا محتملاً للإنترنت ككل، إلا أن الشبكة العنكبوتية تطورت بشكل ملحوظ.

العملة الرقمية للبنك المركزي “سي.بي.دي.سي” تشبه النقود الموجودة في محفظتك، إلا أنها غير مطبوعة، أي غير ورقية، وهي بدلا من ذلك تُصدر إلكترونياً، مثلها مثل العملة الورقية

وهو ما يعيدنا إلى موضوع العملة الرقمية للبنك المركزي، فلماذا نفكر فيها كخيار ما دام معظم الناس والبنوك سعداء بالمعاملات الرقمية وفق الخيارات المتوفرة؟ الجواب هو أن البنية التحتية المالية آخذة في التغير، وعمر النقود الورقية يعود إلى سلالة تانغ الصينية في القرن السابع، وعلى الرغم من أنها لم تنطلق حقًا حتى عهد أسرة سونغ في القرن الحادي عشر. لكن التكنولوجيا تسارعت في الأعوام المئة الماضية إلى درجة أنه يجب علينا إعادة تقييم هيكلة المجتمع بما في ذلك التبادل المالي. وهناك حاجة ماسة للبقاء على اطلاع بالتحسينات والتطورات في عالم التكنولوجيا. إن العملات الرقمية تعمل بنجاح، وتقلل من الفساد، وهي سهلة الاستخدام ويسهل التحكم بها.

ولا تحتاج إلى تصديق كلماتي من دون حجة دامغة أو دليل، فهذا ما قاله صندوق النقد الدولي مرارًا وتكرارًا. ففي مقال نشره في يوليو على موقعه الإلكتروني أشار إلى أنه لا ينبغي إغفال “مزايا التقنيات الأساسية للعملات الرقمية”، بما في ذلك إمكانية توفير خدمات مالية أرخص وأكثر شمولاً. ومع ذلك تحتاج الحكومات إلى تكثيف تقديم هذه الخدمات والاستفادة من الأشكال الرقمية الجديدة للأموال مع الحفاظ على الاستقرار والكفاءة والمساواة والاستدامة البيئية.

إن الدافع والمحفز للبنوك المركزية الكبرى لتأسيس عملات رقمية هو البقاء على ارتباط واتصال بالمشهد التكنولوجي المتغير، ومع ذلك فإن التحول إلى العملة الرقمية لن يحدث بين عشية وضحاها، وستكون هناك عقبات على طول الطريق. ومثلما عانت الإنترنت من آلام متنامية كبيرة (ولا تزال تعاني)، فإن العملات الرقمية أمامها طريق طويل لتصبح ناضجة وتقف على قدميها، وهي ما زالت تعيش أيامها الأولى.

شاهد أيضاً

لبنان- إسرائيل: لا عودة الى ما قبل “طوفان الأقصى”

بقلم: علي حمادة- النهار العربيالشرق اليوم– تسربت معلومات دبلوماسية غربية الى مسؤولين لبنانيين كبار تشير …