الرئيسية / مقالات رأي / هاجس أمن الباسفيك

هاجس أمن الباسفيك

بقلم: طلال صالح بنان – عكاظ السعودية

الشرق اليوم- صباح السابع من ديسمبر ١٩٤١ تعرضت الولايات المتحدة لأول هجوم من قوة عظمى، في ذلك الوقت، (اليابان). ذلك الهجوم أشعر الولايات المتحدة لأول مرة في تاريخها أين مكمن الخطر الإستراتيجي الأول على أمنها القومي. الهجوم على بيرل هاربر، ربما كانت واشنطن تنتظره، بل وحتى عملت على وقوعه، لتبرير رغبة دخول الحرب، بينما كان الشعب الأمريكي متردداً دخولها.

بعد أكثر من نصف قرن من انتهاء الحرب العالمية الثانية، تتعرض الولايات لخطرٍ إستراتيجيٍ ناجزٍ طال أراضيها، بصورة مباشرة في الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١. أخذ من الولايات المتحدة أقل من أربع سنوات لحسم الحرب العالمية الثانية، بينما خرجت، بعد عشرين سنة من حربها على ما تسميه بالإرهاب، شبه مهزومة من أفغانستان.. وتحاول أن تخرج من العراق، بأقصى سرعة.. وتتعثر مغامرتها العسكرية في سوريا.. وتحاول جاهدةً أن تغلق الملف النووي الإيراني، بأي ثمن.. وتبدي تذمراً من حلفائها في أوروبا والشرق الأوسط.

باختصار: تسعى الولايات المتحدة لطي ملفاتها مع العالم القديم شرقاً، لتلتفت إلى حيث الخطر الإستراتيجي الناجز والوشيك غرباً. الباسفيك هو الساحة الحقيقية للصراع الأممي القادم، ليس من أجل أن تمتد الولايات شرقاً، كما كان الأمر في الحربين العظميين الأولى والثانية، ولكن هذه المرة، من أجل أمنها القومي مباشرة، وبصورة أشد من تبعات الهجوم على بيرل هاربر، وربما بتكتيكات غير تقليدية، شبيهة بتلك التي حسمت بها جبهة الباسفيك، نهاية الحرب الكونية الثانية.

جبهة الباسفيك، هذه المرة تجتمع فيها خصوم، بل أعداء الولايات المتحدة التقليديين والمحتملين، وجميعهم يمتلكون الرادع الإستراتيجي النووي (الصين، روسيا، وكوريا الشمالية). هناك منافسة حقيقية للولايات المتحدة على الهيمنة الكونية، تتمثل في تنامي القدرات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والعلمية للصين. وهناك عودة وبقوة لروسيا لحلبة الصراع الدولي. أخيراً: هناك خطر محتمل بكل تصوراته اللاعقلانية، مع وجود عدوٍ نوويٍ جديد يمتلك إمكانيات إستراتيجية غير تقليدية متقدمة (كوريا الشمالية).

جبهة الباسفيك، إذن تمثل الخطر الإستراتيجي المباشر على الولايات المتحدة، الذي يتطلب منها جهداً مضنياً، في المرحلة القادمة لحشد مواردها القومية لمواجهته، بدلاً من تشتيت قدراتها واهتمامها في العالم القديم المعقد تاريخياً وجغرافياً وثقافياً وإنسانياً، لهثاً وراء عدو غير مرئي.. وغير منظم، وربما يكون من صنعها هي نفسها، إلا أنه خرج عن سيطرتها، تسميه الإرهاب.

هذه المرة الخطر حقيقي على الولايات المتحدة جدير بأن يخرجها من عزلتها التقليدية، أو حتى يكرسها ذوداً عن أمنها القومي، لا من أجل تبوؤ مكانة الهيمنة الكونية، التي تُعد اليوم ترفاً لم تسع واشنطن أصلاً لتتبوأها، تقديراً منها لارتفاع تكلفتها، وإن جاهدت التمتع بامتيازاتها، كما ظهر من عدم إبداء إرادة حقيقية لتزعم العالم، عندما انهار عدوها الأول في الحرب الباردة (الاتحاد السوفياتي)، عام ١٩٩١.

الولايات المتحدة، في المرحلة القادمة، ستعطي ظهرها للعالم القديم شرقاً بمشاكله وتعقيداته وعدم استقراره المزمن، وتتفرغ لجبهة الباسفيك غرباً، حيث الخطر الإستراتيجي الحقيقي الناجز، على أمنها القومي، بصورةٍ مباشرة.

المرحلة القادمة تحمل احتمالات عدم استقرار خطيرة، خاصةً في منطقة الشرق الأوسط وحوض المتوسط.

شاهد أيضاً

ماذا حصل دبلوماسيّاً حتى تدحرج الوضع مجدداً على الجبهة اللبنانيّة – الإسرائيليّة؟

بقلم: فارس خشان- النهار العربيالشرق اليوم– بين 15 آذار (مارس) الجاري و23 منه، انخفض مستوى …