الرئيسية / مقالات رأي / التضخم الأميركي.. لا خوف منه

التضخم الأميركي.. لا خوف منه

بقلم: بن هولاند – صحيفة “الاتحاد”

الشرق اليوم – انتشار التضخم في ظل جائحة «كوفيد-19» موجود في كل مكان، لكنه أقوى في بعض الأماكن من الأخرى. ومن بين الاقتصاديات المتقدمة، بدأت الولايات المتحدة تبدو كما لو أنها الاستثناء. وهذا على الأرجح لأن الولايات المتحدة أقرت حوافز مالية أكبر في ظل الجائحة، بحسب قول اقتصاديين.
وتذهب معظم الآراء إلى أن التضخم المرتفع لن يدوم طويلاً. لكن حتى لو كان هذا صحيحاً، فالمستوى المرتفع الحالي قد يتسبب تلقائياً في مشكلات لأكثر خطط الرئيس جو بايدن طموحاً في الداخل، وللدول الأخرى أيضاً. ومن المتوقع أن تكشف بيانات أغسطس عن بقاء النمو السنوي في أسعار المستهلك فوق 5% لثالث شهر على التوالي، وفقاً لعمليات مسح قامت بها «بلومبيرج».
وبلغ متوسط التوقعات 5.3% نزولاً من 5.4% في الشهر الماضي. وشهدت معظم الدول المتقدمة الأخرى تصاعداً في أسعار المستهلك، لكن ليس بمثل هذا الحجم الكبير. وجانب كبير من الموجة الحالية من التضخم سببه الضغوط التي تواجهها سلاسل الإمداد العالمية. لكن بحثاً أجراه «معهد التمويل الدولي» يظهِر أنه بينما تضر مشكلات مثل طول وقت التوصيل بكل الاقتصاديات، نجد أن هذه المشكلات أكثر حدة في الولايات المتحدة، وأن رفع أسعار السلع الذي تقوم به الشركات أكبر في أميركا أيضاً.
وهذا يوحي بأن الطلب الأميركي الأقوى جزء محوري من الصورة. ويقول روبن بروكس، الاقتصادي البارز في معهد التمويل الدولي: «من الواضح بالنسبة لي إلى حد كبير أن الجانب المالي هو ما يجعل الولايات المتحدةَ متميزةً».
وربما تكون الفجوة مسألة وقت فحسب؛ إذ وزّعت الولايات المتحدة اللقاحات وأعادت فتح الأنشطة الاقتصادية بسرعة أكبر من الدول الأخرى. وحدث تحرك الطلب لما بعد الإغلاق في الولايات المتحدة قبل غيرها، فيما لا يزال يكتسب زخماً بطيئاً في اقتصاديات أخرى.
وربما يتقلص التفاوت إذا حرّك ارتفاعٌ تاريخيٌ لأسعار الغاز الطبيعي والسلع الأخرى التضخمَ بسرعة أكبر في أوروبا خلال الشهور المقبلة، كما يتوقع بعض المحللين. لكن جيسون فورمان، أستاذ الاقتصاد في هارفارد، يرى أن الفضل الأكبر في التقدم الحالي للولايات المتحدة يرجع إلى الحوافز المالية.
فحُزَم الإنقاذ بلغت ربع الإنتاج المحلي الإجمالي تقريباً، وهي نسبة أكبر من أي دولة أخرى، وهذا مما أخرج الاقتصاد الأميركي من وهدة الجائحة في وقت أسبق بكثير مما توقع كثيرون. ويرى بروكس أن التعافي الأميركي الاستثنائي ربما يتسبب في مشكلة لباقي العالم إذا أدى التضخم الذي تحركه الحوافز إلى تشديد نقدي مبكر. وهذا قد يسحب النقد من الأسواق الناشئة، مثلما حدث لارتفاع أذون الخزانة الأميركية عام 2013 نتيجة إعلان مجلس الاحتياط الاتحادي عن سياسة التيسير الكمي في المستقبل.
وذكر بروكس أن خروج الولايات المتحدة من هذه الأزمة أسرع بكثير من الدول الأخرى قد يزعزع الاستقرار عالمياً لأن لا أحد يستطيع مضاهاة ذلك. إن الافتقار إلى شبكات تأمين اجتماعي قوية على الطراز الأوروبي لم يترك لصانعي القرار السياسي الأميركي إلا توزيع الأموال على الأسر، وهو ما قاموا به أكثر من أي دولة أخرى. وقد أجدى نهجهم نفعاً. ويعتقد محللون كثيرون أنه حتى إذا ارتفعت الأسعار أسرع قليلاً، نتيجة لتوزيع الأموال، فلا مسوغ للخوف من تصاعدها على غرار ما حدث في سبعينيات القرن الماضي، لأن العمالة الآن ليست قوية بما يكفي لمواصلة زيادة الأجور كما حدث في الماضي. وإلى ذلك، فبإمكان السياسة النقدية كبح التضخم بسهولة.
وفي الوقت نفسه، هناك احتمال لأن يتسبب التضخم الانتقالي في عرقلة برنامج بايدن البالغة قيمته 3.5 تريليون دولار للطاقة النظيفة ولتحسين رعاية الأطفال. ويرى اقتصاديون أن خطة بايدن ستكون أقل تضخماً من صفقة الحوافز التي بلغت 1.9 تريليون دولار وتمت الموافقة عليها في مارس الماضي، لأنها تستثمر في بناء القدرة الاقتصادية. ويرى داريو بيركينز، الاقتصادي البارز في شركة «تي. إس. لومبارد» الاستشارية، أن ارتفاع الأسعار لفترة أطول ربما يضعف الحزم الذي ظهر حديثاً من جانب الاحتياط الاتحادي ونظرائه الدوليين، لإعطاء الأولوية للنمو والوظائف. وكتب بيركينز قبل أيام قائلاً: «لا خطر في التضخم حد ذاته، خاصة إذا استقر بين 3% و5% مثلاً». والخطر الأكبر هو أن يفقد محافظو البنوك المركزية أعصابهم ويرفعوا أسعار الفائدة مما يتسبب في الركود، كما فعلوا في الماضي. وبعبارة أخرى، قد يثبت أن الخوف من التضخم في العالم المتقدم أكثر ضرراً من التضخم نفسه.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …