الرئيسية / مقالات رأي / عواقب سياسات ما بعد 11 سبتمبر

عواقب سياسات ما بعد 11 سبتمبر

بقلم: جيمس زغبي – صحفية الاتحاد

الشرق اليوم- بينما كان أوائل فرق الإنقاذ ينقبون في أنقاض مركز التجارة العالمي، كان الرئيس جورج بوش الابن يرسم أسس سياسات داخلية وخارجية تضع أمريكا على طريق خطرة ومدمرة التأثير على بلادنا والعالم. بوش أصدر تصريحات قوية تحذر الأمريكيين ألا ينتقموا من العرب والمسلمين، لكن وزير العدل في إدارته، جون آشكروفت، كان يعتقل بالفعل آلاف الأشخاص، من المهاجرين العرب في الأساس، لترحيلهم. وهؤلاء كانوا مذنبين بلا جريمة ولم توجه لهم أي اتهامات قط، وتم ترحيلهم بسرعة دون إتباع القواعد القانونية الصحيحة مما دمر حياة البعض ومزق أسرا.

وتلا ذلك عمليتا “استدعاء” خاصة لآلاف المهاجرين والزائرين العرب بموجب برنامج “تسجيل خاص” كان يتطلب إخضاع أكثر من 180 ألف مهاجر لرقابة السلطات. وكان البرنامج سيئ الإعداد وطُبق اعتباطياً مما تمخض عن إرسال إخطار الترحيل إلى آلاف الأشخاص بغير الحق. والأهم أن إعادة النظر في هذه الإجراءات “الخاصة بالأمن القومي لمكافحة الإرهاب”، توصلت إلى أن لا أحد من الذين تم استدعاؤهم أو ترحيلهم كان يمثل تهديداً إرهابياً على البلاد. فلم تؤد هذه الإجراءات المتشددة إلا إلى بث الخوف وسط جماعات المهاجرين.

وبعد مؤتمرات صحفية لوزارة العدل، كان يعلن فيها آشكروفت قائلاً: “أمسكنا بواحد آخر”، جاءت برامج المراقبة الهائلة واستخدام مخبرين للإيقاع بشبان مسلمين في شرك التخطيط لأعمال إرهاب وهمية. وجادلت جماعات مدافعة عن الحقوق المدنية أنه لولا الإيقاع بـ “جناة” لما كان هناك جرائم أو تخطيط لها. وهذه الجهود لم تؤد إلا إلى بث الخوف وسط جماعات العرب والمسلمين وإذكاء المشاعر المعادية. وهذا الاستخدام للتركيز المتحيز ضد فئة معينة والرقابة الشاملة وعدم مراعاة القواعد القانونية الملائمة بدأ أثناء إدارة كلينتون، لكنه تفاقم أثناء سنوات بوش واستمر حتى الآن. ولم يؤد هذا النهج إلى نتائج سلبية على الجماعة العربية فحسب، بل على الحريات المدنية لكل الأشخاص في هذه البلاد. وكل هذا لم يساهم بمثقال ذرة في أمننا، وفقاً لمنظمات مدافعة عن الحقوق المدنية.

فبعد أسابيع فحسب من أهوال الحادي عشر من سبتمبر، بدأ “محافظون جدد” بارزون من داخل إدارة بوش وخارجها يخططون لحروب تستعرض الحسم والقوة الأمريكيين، بناء على الأيديولوجيا وليس على أساس واقعي أو معلومات استخباراتية جيدة. وجادل أصحاب النظريات الأيديولوجية هؤلاء بأننا هوجمنا لأنه نُظر إلينا باعتبارنا ضعفاء، ومن ثم فتوجيه ضربة حاسمة ضد الإرهابيين وأنصارهم ضروري لإظهار بأس وسطوة القوة الأمريكية.

وبالإضافة إلى هذا، اعتُبرت الأزمة فرصة لإحياء مشروعهم الأثير منذ فترة طويلة وهو الإطاحة بالنظام الحاكم في العراق لإظهار أن القوة الأمريكية تضمن هيمنتنا في عالم ما بعد الحرب الباردة. وجادلوا بأن استهلال هذه الفترة يبدأ بحكومة ديمقراطية صديقة في العراق تقوم بدور “منارة” نشر الديمقراطية في المنطقة. وهذا المشروع برمته قام على خيال وليد أيديولوجية، وعواقبه استمرت. صحيح أن المشروع نجح في الإطاحة بطالبان لفترة من الوقت ومقتل أسامة بن لادن في نهاية المطاف، لكن المهمة لم تكتمل في أفغانستان-بصرف النظر عن مدى إمكانية إتمامها- حتى حولوا مواردهم إلى العراق.

وأطيح بصدام حسين، وتم تنصيب حاكم أمريكي على العراق أقام فيه نموذجاً لنظام حكم قائم على أساس طائفي مما كان له عواقب كارثية. فقد لقي مئات الآلاف من العراقيين ونحو خمس آلاف أمريكي حتفهم، وتم إهدار تريليونات الدولارات. واستُنزفت قدرات الجيش الأمريكي ونفدت موارده وتضررت الهيبة الأمريكية بشدة. ووجدت إيران موطأ قدم في العراق للمضي قدماً في تحقيق قائمة أولوياتها الطائفية واستمدت جسارة لتوسع نهجها التدخلي عبر المنطقة. وبدلاً من إلحاق الهزيمة بالتطرف، ساهمت الحروب في انتشاره. وبدلاً من استهلال حقبة من الهيمنة الأمريكية، تمخضت الحرب عن شرق أوسط متعدد الأقطاب وقوى إقليمية تتنافس على النفوذ.

وبعد مرور عام على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كتب الصحفي الأمريكي جيمس فالوز مقالاً بعنوان “عام بوش الضائع”، تحسر فيه على قرار الإدارة العمل منفردة بصلف رداً على الهجمات. وبدلاً من الاستناد على تأييد العالم، بدد بوش ما كان موجوداً من هذا التأييد. ونتائج هذه الخيارات المصيرية ما زالت تطاردنا اليوم بعد مرور 20 عاماً.

شاهد أيضاً

عن الاحتجاجات الطلابيّة في الغرب وعن حدودها

بقلم: حازم صاغية – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ينتظر كثيرون من خصوم الاحتجاجات الطلاّبيّة …