الرئيسية / مقالات رأي / من دروس أفغانستان

من دروس أفغانستان

بقلم: إسماعيل الشريف – الدستور الأردنية

 الشرق اليوم- “لقد انهار الوضع أسرع من الذي توقعناه.. الجيش الأفغاني انهار بدون محاولة القتال”، بايدن.

 قبل عشرين عامًا عندما احتل الأمريكان كابول حلق طالبان لحاهم وذابوا كالملح، والآن ها هم قد عادوا وأصبحوا حكام كابول الجدد، وأجزم بأنهم لم يتخيلوا أن يدخلوها بهذه السهولة والسرعة، ولكن لن يكون حكمهم لأفغانستان سهلاً، فستشهد حربًا أهلية، قد تستقل ولايات، وسيعود أمراء الحرب لتصدر الواجهة مرة أخرى.

العالم مرعوب مما حدث في أفغانستان، ويتحدث عن حقوق الأقليات واضطهاد المرأة والإرهاب، ولكنه ينسى الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وأن ما حدث في أفغانستان ليس ببعيد أن يحدث في فلسطين، فقد أعطى دفعة للشعوب الحية وللفصائل الفلسطينية الأيدلوجية!.

 الأفغان من أفقر شعوب العالم، خضعوا لاحتلال غاشم، حكمهم نظام حكم كليبتوقراطي، أي أنظمة فاسدة مدعومة من الغرب، ذهبت المساعدات الخارجية لجيوبهم، ولشراء شقق في باريس وفينا ولندن ودبي، ولوكلاء سيارات مرسيدس وفيراري، وإلى بيوت الموضة في ميلانو، فيما يتطلع الشعب إلى بنية تحتية وتعليم ومشاريع والعيش بكرامة مثل شعوب العالم الأخرى.

 لم تصل طالبان للحكم جزافًا، فأيدولوجيتهم مقنعة لقطاع واسع من الشعب وهو حاضنتهم، قد تختلف معهم كثيرًا ولا تعجبك تصرفاتهم، ولكن -على الأقل- الفساد ليس من الاتهامات التي توجه إليهم، فعندما بدأت القوات الأمريكية الانسحاب كانوا جاهزين لملء الفراغ بسرعة كبيرة، فأفراد الجيش الأفغاني لم يكونوا مستعدين للموت من أجل بيروقراطيين فاسدين ملأوا جيوبهم، فحدث هذا الانهيار السريع.

 شاهدنا انهيارات مشابهة في غزة عام 2007 حين أحكمت حماس سيطرتها وأخرجت فتح بسهولة، وفي جنوب لبنان عندما انسحبت “إسرائيل” فسيطر عليها حزب الله، وفي الموصل حين احتلها ألف وخمسمائة داعشي بعد أن فرت أربعة فرق من الجيش العراقي وتركوا عتادهم.

 فسواء أكانت حماس تعجبكم أم لا، فهي البديل الجاهز للسيطرة على الضفة الغربية في حال انهيار السلطة أو انسحاب “إسرائيل” منها، ولن يستغرق الأمر سوى سويعات، لذلك فأصبحنا بين خيارين لا ثالث لهما؛ حكم كليبوقراطي أو ثيوقراطي “ديني”، الأول من الواضح أنه لن يستمر بصيغته الحالية، والثاني سيؤدي إلى حرب أهلية وعنف ويأس وحصار وعدم استقرار سيفضي في النهاية إلى مواجهة شاملة مع “إسرائيل”.

 دائمًا شعار تحرير فلسطين حاضرٌ، ولكنه أصبح قصة على فيسبوك وتويتر، بخلاف الفصائل العقائدية المستعدة للموت في سبيل عقيدتها ووطنها، فتصبح أقوى من أي قوة عسكرية كما شاهدنا ذلك في حرب غزة الأخيرة.

 برأيي أن النموذج الأفغاني ليس ببعيد عن فلسطين المحتلة، لذلك فحل الدولتين غير وارد في هذه المرحلة بالنسبة للصهاينة ما لم يتم أولاً القضاء على حزب الله وحماس، وهذا من الصعوبة بمكان أن يحدث في المدى المنظور، وأن الترتيبات الحالية أيضًا من الصعوبة بمكان أن تستمر، لذلك سنرى في المدى المنظور إما إعادة احتلال إسرائيلي جديد للضفة الغربية، أو خيارات أخرى بعيدة عن السلطة وحماس.

 ففي ظل رفض إسرائيل لمبادرات السلام العادل، وقرارها بحرب طويلة، سيستمر الصراع صراعًا وجوديًّا مهما طال الزمن.

شاهد أيضاً

إيران وإسرائيل… الحرب والحديث المرجّم

بقلم عبد الله العتيبي – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ضعف أميركا – سياسياً لا …